شكّل هذا العام استثناءً في إطار الظروف الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد على مستوى جميع القطاعات، ومن أكثر الأنشطة تضررا تلك التي كانت تعتمد بصورة كبيرة على التمويل الذي تمنحه المديريات التنفيذية لبعث أنشطتها الثقافية.
يأتي على رأس القطاعات الجمعيات ذات الطابع الجواري والأنشطة الثقافية المحلية والتي تنشط بصورة دورية على مدار السنة وفق برنامج سنوي غالبا ما يستند إلى أهم المحطات الاحتفالية التاريخية، وفي المناسبات السنوية،كما يعتبر التمويل في عمل هاته الجمعيات عاملا محوريا في دفع أنشطتها من ناحية الكم والكيف. في هذا السياق، كان هذا الحوار مع رئيس جمعية «اشبيليا» للموسيقى الاندلسية «الصادق بوراوي»حول مستقبل أنشطة الجمعيات الثقافية في ظلّ تراجع مصادر تمويلها من طرف الدولة، وتماشيا مع حالة التقشف التي تعرفها أغلب القطاعات. فكان لنا معه هذا الحوار:
«الشعب»: ماهو محل التمويل على مستوى جمعيتكم؟ وماهي مصادره؟
الصادق بوراوي: أشكر جريدة «الشعب» الوطنية على هاته الالتفاتة وإثارة هذا الموضوع الجاد، حقيقة بالنسبة للجمعيات ذات الطابع الثقافي يحتل التمويل مكانة كبيرة في عملية دفع أنشطتها الثقافية، وفي تنويع خدماتها المقدمة، لا من ناحية الكم ولا من ناحية الكيف كذلك، كذلك الحالة المادية للجمعية الثقافية تعتبر دافعا معنويا كبيرا لها لمواصلة مسارها ونشاطها السنوي. لأن أهم عامل يدفع الجمعيات إلى مواكبة نظيراتها على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي وحتى على مستوى دولي هو حالة الاستقرار والانتظام في العمل الجاد والدؤوب دون إغفال أهم المناسبات السنوية. وهذا هو هدفنا الرئيسي على مستوى جمعية اشبيليا للموسيقى الأندلسية، نحن نقدم فنا راقيا لفئات اجتماعية عريضة، نحافظ على موروث ثقافي عريق، لنا بدائل جادة في ضمان دورة حياة الجمعية تستند إلى العديد من المصادر التمويلية، يأتي على رأسها المساهمات الشخصية لمنتسبي الجمعية وكذا المؤسسات الثقافية ذات الصلة، إلى جانب عائدات الأنشطة الثقافية التي نقدمها في المناسبات على مستوى وطني أو عربي أو حتى إفريقي ونسعى ونتوق إلى العالمية لأن الفن الاندلسي هو فن ارتبط بمرحلة راقية للحضارة الاسلامية.
كيف يتمّ ضبط مصادر التمويل سنويا بالنسبة لجمعيتكم؟
@@ من هذا الباب أريد القول، إن التمويل بالنسبة للجمعية هو فلسفة إن صحّ التعبير تقوم على أساس ثوابت القانون الداخلي لأي جمعية مهما كان طابعها ونشاطها، وبالتالي فعملية ضبط مصادر التمويل يجب أن تستند إلى رؤية مستقبيلية تحدّد المعطيات والامكانيات التي تحوز عليها الجمعية وتأخذ بعين الإعتبار الظروف القائمة حتى لا تصطدم بواقع يعيق حركتها ويثبط من نشاطها، وبالتالي يدفعها ذلك إلى الزوال والاضمحلال.
على مستوى جمعية اشبيليا كما سبق وأن ذكرت، كرئيس لهاته الجمعية مررنا بالعديد من الظروف الخانقة سابقا على مستوى تراجع وشحّ مصادر التمويل، لكن بفعل الحنكة في التسيير ومضاعفة الأنشطة والمشاركة في العديد من المهرجانات وبلعزيمة الكبيرة استطعنا أن نتجاوز ذلك سريعا. لأعود إلى الوضع الحالي، لقد تنبأنا بهذا الوضع سابقا وأكيد نحن على استعداد مسبق دائما لتجاوز أحلك الظروف التي تصادفنا في إقامة انشطتنا الدورية، لأننا نحن على مستوى جمعية اشبيليا نتميز بأننا نقدم أنشطة كبيرة لفئات عريضة من المجتمع، وبالتالي نحيي الحفلات والمناسبات ونتلقى نظير ذلك العديد من التحفيزات المادية والمالية وكذا المعنوية.
هل ترتبط الجمعية بالتمويل فقط، أم هناك مصادر أخرى يمكن أن تساعدها في أنشطتها؟
@@ حقيقة يحتل التمويل مكانة كبيرة في أنشطة الجمعية سنويا، لكن هناك أمر آخر لا يقل أهمية عن مصادر التمويل للجمعيات، وهذا ما أراه على مستواي عنصرا فعالا، بل أحيانا يتجاوز التمويل المباشر، وهو العلاقات الوطيدة للجمعية مع الهيئات الفاعلة على مستوى محلي ووطني وحتى خارجيا، فهاته العلاقات هي عناصر أساسية في إيجاد مصادر جديدة للتمويل وفي خلق أنشطة بديلة يمكن أن تكون منفذ نجدة لحياة الجمعية، وهذا الأمر ربما يقوم على أساس شخصية الجهاز القائم على إدارة الجمعيات، فالشخصية الفعالة لها الدور الكبير في ربط علاقات وثيقة خاصة على مستوى الولاية مع المديريات وكذا الجهاز التنفيذي والذي يعتبر معولا رئيسيا في مساندة هاته الجمعيات سنويا، لأن انتظار مصادر التمويل بصورة مباشر يعتبر في حدّ ذاته انتقاصا من أهمية الجمعية، يجب أن يتحرّك مسؤولوها في كل الاتجاهات والبحث عن بدائل تضمن للجمعية بدفع أنشطتها وإخراجها من حالة التقوقع التي فرضها تراجع التمويل في ظلّ الحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
كلمة أخيرة ؟
@@ شكرا للمرة الثانية على أثارة هذا الموضوع، أود أن أوجّه فقط نداءً من خلال جريدة «الشعب» العريقة إلى كل الجمعيات على المستوى الوطني أن تثبت وأن تثابر وأن تتجاوز هذا الظرف العصيب من خلال فتح قنوات للتكافل فيما بينها والتعاون وتدعيم بعضها بعضا، لأن حل أي جمعية بسبب شح مصادر التمويل وترتاجعها لا يخدم العمل الجواري، كما أن تأسيس جمعية ليس بالأمر الهين، وبالتالي زوالها يعتبر خسارة كبيرة لا تعوض.