الأستـــاذ عبـــد الحفيـــظ جلــــولي: جامعـــة بشـــار

تراكـــــــــم ابداعـــــــي رغـــــــــم سلبيــــــــــات النصــــــــــــوص

تشكّل الحركة الأدبية المفصل المعوّل عليه في ترقية الذّوق العام وتحويل الأنظار إلى ما هو جمالي، ولهذا لا نجد غضاضة في التّراكم الإبداعي الذي رغم السّلبيات التي تعتري بعض نصوصه، إلا أنّ التراكم دوما يخلق التّجاوز، وتلك كانت نصيحة تشيكوف للأدباء الشّباب: «اكتبوا! اكتبوا بأكبر قدر ممكن، لا يهم أن يكون كل شيء جيّدا سوف يتحسّن الإنتاج فيما بعد، لا تفرّطوا في شبابكم ومرونتكم، ليس أمامكم إلا شيء واحد: العمل!»، ومن هنا كان كل نصّ يطمح إلى أن يبرز ويعتلي منصّة الظهور، وذلك عن طريق المسابقات والترشّح إلى الجوائز، ورغم الاختلاف حول أهمّية الجائزة من عدمها بالنّسبة للمبدع، تبقى هي العامل المحفّز للاستمرار في العملية الإبداعية وتطويرها.
بعد الحصول على الجوائز، وهو ما نراه واقعا وطنيا، حيث هناك العديد من المبدعين في شتى الأجناس الأدبية يحصدون جوائزا عربية ودولية، ويحتلون الصّدارة في ذلك، لكن لا تجد أعمالهم تلك صدى في ما يتعلق بنشرها وتوزيعها حتى يتسنّى للقرّاء والنقاد والباحثين من تبصر أماكن الجدّة والتميّز فيها، إذ المعروف في العالم أجمع أنّ الأعمال الفائزة بالجوائز أو المتميّزة يكثر عليها الطلب كونها فائزة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى لحث المبدع على تقاسم تجربته مع القرّاء، ومع المجتمع عامة، فالحركة السوسيولوجية للثقافة هي ما يفرض في العالم المتطوّر حالة الانتشار للعمل الإبداعي ليس لكون تلك المجتمعات قارئة بالدّرجة الأولى، ولكن لأنّ الشّرط السّوسيوثقافي يحتّم هذه الحركة، حتى يجد المعيار الجمالي مكانته في مجتمع يشتغل على القيم الجمالية في كافة المجالات.
من المفروض أنّ الجامعة بمخابرها هي أوّل مؤسّسة تضطلع بمهمة دراسة هذه الأعمال الفائزة وإخضاعها لمفحص القراءة والبحث، ومن ثمّة المساهمة في ما نصطلح عليه بانفتاح الجامعة الثّقافي على المجتمع، وخصوصا وأنّ الجامعة هي محل إنتاج المعرفة عن طريق الأسئلة، وسؤال الإبداع هو ما يجب أن يسود في الجامعة كونها تمثل الحلقة الأقوى في عملية انبعاث العقل واشتغاله.
ولأنّنا لا نجد صدى لمثل هذه المبادرة التي تتناول هذه الأعمال بالدّرس والاحتضان، فيمكن تفسير ذلك بالتّقصير في حق المبدعين وتجاهلهم، وفي هذا تقصير أيضا في أداء المخابر الجامعية التي وجدت أساسا لترقية البحث العلمي، فالنصّ الذي يثير الانتباه ويجلب النّظر، هو نصّ جدير بالدّراسة لأنّه استطاع أن يكشف عن جانب مميّز في طريقة إنتاجيته ومستوياته التركيبية والجمالية والدلالية، ولعلّ الاهتمام بمثل هذه الأعمال الفائزة قد يحرّك البحث الجامعي نحو آفاق تتسم بالجدّة من حيث تناول أعمال بكر تختزن تجارب وظِّفت فيها أقصى الطاقات لإنتاج نص يزاحم وينافس ويمتلك خصوصية.
إنّ الحكم على الأعمال الأدبية الفائزة مثلا أو غيرها، لا يمكن أن يكون من باب: أنّها ضعيفة دون تناولها بالقراءة والبحث، فالحكم بالضّعف على الأقل يكون من باب تشريح هذه الأعمال، وبالتّالي سوف تكتشف أعمال أخرى ذات مستوى وترقى إلى أن تكون مادّة للبحث والدّرس.
إنّ ما طرحته أستاذ نور الدين يثير سؤالا مهمّاً في مسار البحث الجامعي. هل الطالب معد فقط لتلقي المادّة الأكاديمية مجرّدة من أي نفَسٍ جمالي / انساني؟
إنّ الطالب الجامعي يحتاج إلى ترقية ذوقه ليستطيع أن يتحصّل على عفوية المشاركة في إنتاج المعرفة، والأهم من ذلك العفوية في مناقشة المعطيات عبر الأسئلة وقلق المعرفة، ولهذا فهو بحاجة إلى تنمية كل الجوانب الجمالية والمعرفية القريبة من الواقع الإنساني المعيش، والأدب أو الإبداع على العموم هو ما يساهم في ذلك بدرجة أكبر، وبعد ذلك تكون عملية تقييم الأعمال ضمن منظور قرائي يهتم بما هو منجز ليتجاوز إلى المرغوب والمأمول.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024