تكريمات تصنعها صحافة متسرعة ومواقع التواصل ونقاد مكلفون بمهمة
المشكلة المطروحة هنا تجد جذورها في الثقافة السائدة وليس في الجامعة فحسب، إذ هنالك ثقافة سائدة تريد ألا يكون فضل لأي شخص في البلاد عدا لشخصين: الذي تزكيه أجهزة الدولة فتسلط عليه الإعلام، والذي تتم تزكيته من طرف الأجانب؛ مغربا ومشرقا، وآنذاك فقط يصبح الكاتب الحائز على جائزة محل إعجابنا واحترامنا، وآنذاك فقط ننتبه إلى إدراجه ضمن الأعمال المدروسة في الجامعة والتي تشكل مواضيع لرسائل التخرج في الدراسات المعمقة.
يمكننا الاعتراف بأن ساحتنا النقدية الأدبية في الجزائر تعاني من أمراض عديدة نستغرب كثير ظاهرة أن جل البلدان العربية ـ وجل بلدان العالم في الحقيقة ـ قد وجدت علاجا لها جميعها. أمراض مثل العمل غير الاحترافي وعدم الجدية في التناول النقدي للأعمال الأدبية أو للمواضيع التي يتناولها أصحابها، وعدم وضوح الرأي حول الأعمال الأدبية وسقوط من هم مؤهلون للحكم على الأعمال في مغبة إتباع السائد من الرأي الذي تصنعه الصحافة المتسرعة ومواقع التواصل الاجتماعي وكذلك النقاد المكلفون بمهام معينة أو حتى أولئك المأجورون، وهي عدم جدية منشأها الرئيس عدم الإيمان بالجدوى (ذلك العدو اللدود لحياتيْ الفكر والفن)...وهنا نعود إلى مشكلة الثقافة السائدة التي ذكرناها، قبل أن ننتقل إلى الخصوصية التي تنفرد بها الجامعة.
ثقافة أخرى تسود بشكل غريب عجيب هي تلك التي لا تريد الدخول في عمق الأشياء، وتستعيض عن كل ذلك بأحكام عمومية اجتزائية حول كل شيء، وهنا يدخل الكسل المعرفي إلى العقل...وهنا يمكننا توجيه أصابع الاتهام للجامعة بشكل مباشر؛ إذ أنه غالبا ما يتم التعويل على الجامعة كمؤشر للذوق لا كمستهلك سلبي للأحكام - وهي الحال التي نرى الجامعة عليها اليوم -
إذا نظرنا إلى الجوائز الأدبية في المطلق نجدها إيجابية في معظم جوانبها؛ فهناك جوائز تمنحها السلطة الرسمية أو الدولة، وأخرى تمنح من قبل مؤسسات خاصة، وكلها تفيد الكاتب والكتاب معا، فهي عادة ما تخضع للمتابعة الإعلامية والنقد من قِبل الوسط الجامعي والثقافي وجمهور القراء.
ولدينا مؤشر جيد في الجدل الذي يدور منذ سنوات حول الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» مثلا، والتي هي ظاهرة صحية وإيجابية من حيث خلق جدوى متابعة الكتب والكتاب والترجمة، وهي حاليا من أبرز التظاهرات الثقافية ذات التغطية الواسعة إعلاميا خاصة بسبب ما تحظى به من مراقبة من الأوساط الأدبية والإعلاميين والقراء، إذ نلاحظ عكوف الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي عليها منذ أن تعلن عن قائمتها الطويلة، بل كثيرا ما يكون أعضاء لجنة التحكيم نفسها موضع نقاش وجدل وتعليق، وتتم مناقشة أدنى القرارات التي تتخذها اللجنة. والجميل في كل ذلك هو أن الجامعة بطلبتها وأساتذتها يلعبون دورا هاما جدا في هذا الأمر، ويشكلون طرفا نشطا في العملية.
هذا الجو ينعكس إذن مباشرة على النقد الجامعي من حيث تأطير الطلبة سواء في مذكرات الماستر الكثيرة التي تنجز في الجامعات الجزائرية، وكذلك من حيث رسائل الدكتوراه الأكثر عمقا، وهي ظاهرة إيجابية في معظمها، ولكنها تتحول إلى ظاهرة سلبية بسبب نقص ضبط العمل النقدي الذي يعجز إزاء هذا الضغط الإعلامي على الذوق السائد فيصبح يتبع إيقاع الآراء المنتشرة بدلا من اتخاذ الموقع الواجب عليه: موقع ريادة الرأي وتسيير الأحكام الذوقية عن طريق الدراسة المنهجية.
فالجوائز إذن مؤشر على الأعمال المدروسة وكاشف لأصحابها في الفضاء الجامعي، ولكنها أيضا سبب للتسرع الذي لا يتماشى مع العمل الجامعي المفترض أن يتصف ببعض التأني والعمق والتحليل الموضوعي العلمي البعيد عن الطابع الطارئ للنقد الصحفي النقد التفاعلي الذي يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي.