لقطات من معرض الجزائر الدولي للكتاب

لقاءات.. نقاشات.. ومبدعون شباب يبشّرون بمستقبل واعد

قصر المعارض: أسامة إفراح

معرض الجزائر الدولي للكتاب.. حدث ثقافي بات الأكبر في المشهد الجزائري، وموعدا ينتظره الجزائريون والناشرون المحليون والأجانب، ويعدّون له العدّة، كما صار بمثابة الدخول الأدبي الذي يراهن عليه الكتاب والمبدعون. منذ انطلاق التظاهرة، عملنا في جريدة «الشعب» على مواكبتها عن قرب، وجالت بين أروقة المعرض وأجنحة العارضين، ورافقت الندوات واللقاءات والتكريمات، والتقطت لقطات من الصالون، كتابة وتصويرا، حرصا منا على نقل وفيّ للمعلومة إلى القارئ.. هي جولة في عُجالة، نأخذكم من خلالها إلى جنبات هذا الحدث الثقافي المتميز، الذي لم ينقضِ منه سوى النصف.
لتكن البداية من ضيف شرف التظاهرة، الصين، التي تضمن وفدها قامات أدبية وفكرية، على رأسها الأديب العالمي «مو يان»، أو «ذاك الذي لا يتكلم».


نوبل.. الأول في تاريخ المعرض

كانت زيارة الكاتب الصيني العالمي «مو يان» للجزائر، ونزوله ضيفا على معرض الكتاب الدولي، سابقة يجدر التنويه بها، ليس فقط لكون هذا الكتاب حائزا على أسمى وأرقى جائزة عالمية أدبية فحسب، بل أيضا للمنهج وطريقة التفكير التي يقترحها علينا هذا الأديب المخضرم. لقد رأى «مو يان» نفسه مكرّما في الجزائر بوسام الأثير، وقد حظي باستقبال، سواء من الرسميين أو المبدعين والمهتمين، يبدو أنه سيبقى راسخا في ذهن هذا المبدع الذي يعتمد على كل ما يقابله ليوظفه في صنع خياله الأدبي.
لقد كان للقاء بـ»مو يان» أهمية بالغة، فمن خلاله تعرفنا على جزء من الإبداع الأدبي الصيني، وما له من قيمة مضافة في مجال الإبداع الإنساني، خاصة وأن الصين قد مرّت بظروف تاريخية، سياسية وثقافية، متباينة وأحيانا صعبة جدا.. لقد كتب هذا الأديب عن الاحتلال، عن المقاومة، عن الأصالة، عن الأسطورة، عن الماضي، عن الحاضر، وعن المستقبل. كتب عن الطفل، عن الرجل والمرأة والكهل والشيخ.. نقل لنا صورا من الريف عاشها وعرفها جيدا، كما حاول أن ينقل إلينا المدينة وإن اعترف بصعوبة هذه المهمة.
كنا قد سألنا «مو يان» عن الشيء الذي بقي يحزّ في نفسه بعد أربعة عقود من العطاء الأدبي، وعشرات الأعمال في مختلف الأجناس الأدبية، فأجابنا بأنه محب للمسرح، عاشق له، وأنه لم يقدّم في مسيرته كلها سوى عملين مسرحيين.. وأكد لنا أنه سيخصص جزءًا من مجهوده المستقبلي للمسرح، لأنه يحسّ بالتقصير تجاه الكتابة للفن الرابع. قد يكون هذا مجرّد كلام يعكس أمنية أديب أو كاتب، ولكنه هنا كلام حائز على جائزة نوبل.
مهم أيضا ما قاله: «مو يان» عن الجائزة التي أعلت اسمه في سماء العالم: لقد اعتبر «مو يان» أن جائزة نوبل ما هي إلا جائزة من الجوائز، تهمّ صاحبها ولا فائز بها، ولكنها لا تعني أن الحائز عليها هو بالضرورة أحسن من زملائه ومثيليه، كما أن الجوائز الأدبية تختلف في فلسفتها ومنطقها عن المنافسات الرياضية، ففي الرياضة يمكن البرهنة على أننا أفضل، وفي سباق يمكن إثبات أننا الأسرع، ولكن ذلك غير ممكن في التنافس على جائزة أدبية ما، مع ما يشوب ذلك من نسبية وذاتية. وهذا ما يجعلنا نتساءل حول جدوى السياسة التي يعتمدها قطاعنا الثقافي مؤخرا، من إعطاء الأولوية للحائزين على الجوائز.. خاصة وأن هذا الكلام هو كلام حائز على جائزة نوبل.

استنطاق التاريخ

معرض الجزائر الدولي للكتاب ليس فقط كلّ ما سبق ذكره، بل هو أيضا موعد لاستحضار نضالات الشعب الجزائري، وليس اعتباطا أن اختير توقيت هذا الصالون بحيث يتوازى والاحتفال بالذكرى السنوية لاندلاع ثورة التحرير.
لقد اعتاد مرتادو الصالون على حضور عديد الندوات واللقاءات، والاستماع لشهادات مجاهدين ومناضلين، والاستفادة من محاضرات جامعيين وباحثين ومؤرخين، وقد لمسنا في هذه النشاطات أمرين اثنين: الأول هو أن مجال التنقيب في التاريخ يبقى يبهرنا ويفاجئنا في كل مرة، وكلما اعتقدنا أننا وصلنا إلى النسخة النهائية لهذا الحدث أو ذاك، يتبدى لنا معطى جديد يجعلنا نقوم بعملية «تحيين» لمعلوماتنا، تماما كما نقوم به مع تطبيقات هواتفنا. ولا يمكن لهذا الأمر، إلا أن يكون إيجابيا، لأننا بذلك نقترب أكثر فأكثر من معرفة تاريخنا أفضل.
الأمر الثاني هو النقاشات التي تلي هذه المداخلات، والتي تكون في أحيان كثيرة مكملة للمداخلة بل ومثيرة لنقاط بالغة الأهمية، كما أنها تدلّ في أكثر من مرة على مستوى راق لدى الجمهور في مجال التاريخ، خصوصا ما تعلق بتاريخ الجزائر الحديث وثورة نوفمبر المجيدة. إن هذا الاهتمام مؤشر صحي، يعبر على أن الجزائري لم يتخلّ عن ماضيه، ما يجعله يتطلع إلى مستقبله بشكل أكثر ثباتا.

مواعيد على الشابكة

ظاهرة أخرى انتشرت مؤخرا، ساهم في ظهورها تفاعل الفئات الشابة مع وسائط التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة المواعيد المخصصة للقاء في صالون الكتاب. يجد المتصفح للشابكة، وبالأخص موقع التواصل الاجتماعي الأكثر انتشارا في أوساط مستعملي أنترنت الجزائريين وهو الفايسبوك، يجد مواعيد تدعو القراء ورواد الصالون ومحبي الكتاب إلى اللقاء في فضاء هذه التظاهرة، ولعل هذه الظاهرة الجديدة من شأنها أن تسهم في الإقبال على الصالون وذلك لعدة أسباب: السبب الأول هو أن الحركة الجماعية أو التصرف الجماعي يكون عادة أكثر تأثيرا وانتشارا من التصرف الفردي. والسبب الثاني هو دفع المترددين إلى زيارة الصالون اتباعا لتصرف الجماعة. أما السبب الثالث فهو لوجيستيكي، إذ لم تكتف بعض هذه المواعيد بمجرد الدعوة إلى اللقاء، بل تعدّت ذلك إلى تنظيم رحلات إلى الصالون، خاصة وأن هذا الأخير يتقاطر عليه زوار ورواد من مختلف مناطق هذا الوطن القارة.

التكنولوجيا.. لها وعليها

جميلة هي مبادرة محافظة صالون الجزائر الدولي للكتاب بتخصيص تطبيق للهواتف النقالة من شأنه أن يسهّل على روّاد المعرض مهمة البحث عن الكتب ودور النشر المشاركة.
هو تطبيق سهل التحميل من على «غوغل بلاي»، موجه لهواتف الأندروييد، تحت تسمية «سيلا 2018»، وقد تم تحميله بشكل لافت منذ انطلاق التظاهرة. ويمكّن هذا التطبيق من العثور على الكتاب بحسب عنوانه أو كلمة دالة منه أو مؤلفه، كما يقترح خرائط تبين توزيع العارضين وأرقام أجنحتهم.
لقد جرّبنا هذا التطبيق واعتمدنا عليه في أكثر من مناسبة، وقد ساعدنا في ربح الوقت وإيجاد العديد من العناوين ودور النشر. مع ذلك، لا يخلو التطبيق من الشوائب، خاصة فيما يتعلق بأرقام أجنحة العارضين التي لاحظنا أمثلة عن خلط لها، كما وجدنا كتبا مذكورة ضمن قوائم دار نشر رغم وجودها فعليا لدى دار نشر أخرى. ويكفي على المؤسسة التي أطلقت التطبيق أن تقوم بتحيين له، وهي عملية ممكنة جدا ومتداولة في عالم تطبيقات الهاتف النقال.

فضاء للتلاقي

ليس صالون الكتاب تظاهرة لاقتناء الكتب فقط، أو لحضور المحاضرات والندوات ومختلف اللقاءات الثقافية.. هو أيضا فضاء للتلاقي، للتعارف، للتواصل، ولنسج علاقات اجتماعية جديدة. ليس عيبا أن نقول هذا الكلام عن صالون الكتاب، ببساطة لأن أي تظاهرة ثقافية كانت أو علمية أو رياضية، يكون لها هدف رئيس تُبنى عليه وتتمحور حوله، ويكون لها فوائد ثانوية ولكنها مهمة ومرافقة للتظاهرة: فوائد اقتصادية، اجتماعية، وأحيانا سياحية وإشهارية. إن الملاحظ على صالون الكتاب أنه يساهم في نسج علاقات اجتماعية عديدة بين الأفراد، على اختلاف أشكال هذه العلاقات، لأن هذا الفضاء هو للأسف من الفضاءات القليلة عندنا التي تسمح للجزائريين بالتلاقي حول هدف سام وفكرة راقية وهي الكتاب.
بعبارة أخرى، ليس عيبا أن يكون هذا الفضاء هو فرصة أيضا للقيام بنشاطات أخرى، إلى جانب اقتناء الكتب، بما في ذلك الاستفادة من خدمات جانبية يجدها الزائر للمعرض، ومن ضمنها الإطعام.. الملاحظة الواجب ذكرها هنا هي ضرورة مراجعة أسعار هذه الخدمات، فسعر مادة غذائية في الصالون يضاهي أحيانا سعرها في المطار الدولي أو فندق خمس نجوم، مع فرق كبير في الخدمات.. هي مجرد ملاحظة لا غير.

الشباب والكتاب.. من الاستهلاك إلى الإنتاج

في السابق كان يتردد على أسماعنا السؤال حول مدى إقبال الشباب على الكتاب، وإن كان ذلك ينحصر في الكتاب العلمي أو الأدبي أو الديني أو غيره من الأنواع. ولكن السنوات الأخيرة أظهرت أن للشباب دورا آخر، يبدو أكثر إيجابية، إذ تحوّل هؤلاء من مجرّد مستهلكين للكتاب، على أهمية هذا الأمر، إلى منتجين للكتاب، وبالأخص في المجال الأدبي.
كثيرة هي دور النشر التي راهنت على كتاب شباب خصوصا في مجال الرواية، أغلبهم ينشر للمرة الأولى، ولا يتعلق الأمر بالعشرات، بل بالمئات من الأمثلة. هو على الأقل ما يؤكده الأديب والأكاديمي واسيني الأعرج، الذي قال إنها المرة الأولى في الجزائر التي يرى فيها إنتاج الشباب من الروايات تحديدا يصل قرابة 200 رواية أو أكثر في سنة واحدة، وهو بالنسبة لواسيني دليل على وجود حركة ثقافية وروائية كبيرة: «لا نتحدث عن القيمة الفنية ولكن الحركة في حد ذاتها إيجابية»، يقول صاحب «الأمير»، مضيفا: «كم نصا من بين هذه النصوص يصلح لكي يُقرأ؟ هذا نقاش آخر.. لقد قرأت حوالي عشر روايات إلى حد الآن، وأنا سعيد جدا بها، ومن بينها يمكن القول إن هناك خمسة روايات ذات مستوى عربي وجيد، وهذا من كل الأنواع».
إن اقتحام الشباب هذا النوع من المجالات من شأنه بعث دم جديد في مشهد ثقافي بات يعاني كثيرا من الرتابة، ليس فقط بتغيير الأسماء والوجوه، بل بتغيير الرؤى وزوايا المعالجة والتطرق لمختلف القضايا التي تهم القارئ، والكتابة عن واقع جديد هو ابن اليوم، ويختلف في بعض الأحيان بشكل جذري عن الواقع الذي كتب عنه الآباء المؤسسون للرواية الجزائرية.
وإذا وجبت الإشادة بعديد دور النشر التي رافقت هؤلاء المبعدين الشباب وراهنت عليهم وغامرت معهم، فإن من الواجب الإشارة أيضا إلى وجود دور نشر أخرى، نتمناها قليلة العدد، لا تعرف ما يسمى لجان القراءة، تقوم بالأسف باستغلال كتابها ونشر الغث والسمين والصالح والطالح، وكل ما يهمها هو الربح المادي، بل وتعدى الأمر إلى ممارسات لا تمت لأخلاق النشر بصلة، وهو ما قد نعود إليه لاحقا.

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19633

العدد 19633

الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
العدد 19632

العدد 19632

الإثنين 25 نوفمبر 2024
العدد 19631

العدد 19631

الأحد 24 نوفمبر 2024
العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024