يعتبر الباحث في شؤون التاريخ الأستاذ يزيد بوهناف، أن الدولة الجزائرية حريصة جدا على نقل تاريخها للأجيال القادمة غير مدخرة في ذلك أي جهد، حيث يأتي إحياء مختلف المحطات التاريخية من أعياد ومناسبات دليل على هذا الاهتمام وفرص كثيرة لتجديد العهد والوفاء والاعتزاز بالانتماء التاريخي والجغرافي والروحي للوطن، وذلك حسب بوهناف انطلاقا من الوعي بالمسؤولية والاستعداد الدائم للدفاع والذود عنه.
بدأ الأستاذ الباحث يزيد بوهناف الذي يشغل منصب عضو المجلس الشعبي الولائي لباتنة والنائب البرلماني السابق المختص في تاريخ الجزائر تصريحاته لـ»الشعب» بالتأكيد على أن «من لم يع التاريخ في صدره، لم يعرف حلو العيش من مره ومن عرف أخبار من قبله، أضاف عمرا جديدا إلى عمره.
وانطلاقا من أن الكتابة تظل الرهان الدائم لتوطين الأفكار وغرس القيم في سبيل بناء الأمة والسمو بها إلى مصاف القدسية التاريخية، يؤكد بوهناف أن كتابات الذاكرة الوطنية وثورة نوفمبر المجيدة قد حظيت بالاهتمام من طرف الباحثين على مختلف مشاربهم، وذلك لتفعيل مشاريع دراسة لتاريخ المقاومة الشعبية بمختلف مظاهرها من 1830 / 1919، والحركة الوطنية 1919 / 1954، وثورة التحرير 1954 / 1962، من خلال استنطاق شهادات صناع التاريخ، والبحوث المعمقة والوثائق المطروحة.
مجهودات كبيرة في نشر المؤلفات التاريخية
ويستدرك محدثنا بالقول، إن كتابات الذاكرة الوطنية وثورة نوفمبر المظفرة لم تتطرق في الحقيقة لكل تفاصيل الثورة وجزئياتها ولم تحص كل واردة وشاردة، وتكشفت اللثام عن كل الملاحم والبطولات التي خطها الجزائري واحتوتها الأرض.. بل هي لا تعدو أن تكون سوى قليل من كثير مما يجب الإلمام والإحاطة به خصوصا إذا ما قورنت هذه الكتابات بما خطته الأقلام الفرنسية التي لا تتوقف عن الإصدارات اليومية حول الثورة وبعضها من وجهة النظر الفرنسية ومن جانب الحقيقة.
وما ساعد على هذه الكتابات الأحادية الجانب والرؤية حسب بوهناف هو المجال الخصب في ذلك في ظلّ الفراغ الكبير الذي تعانيه الكتابات الوطنية من طرف مؤرخينا والتي تعود إلى أسباب ذاتية وأخرى موضوعيه.
سيلا «الحدث الأدبي الدولي
الأبرز لعرض آخر الإصدارات التاريخية»
ويعتبر الصالون الدولي للكتاب حسب بوهناف الحدث الأدبي الدولي الأبرز بالجزائر كل سنة، وهو فرصة لعرض آخر الإصدارات التاريخية التي تكون بدورها مجالا لفتح نقاش جدي وصريح حول مجريات الثورة التحريرية وترسيخ الذاكرة الجامعية والحفاظ عليه من خلال مثل هذه المعارض التي تتبّع بورشات ونقاشات ثرية من طرف الباحثين والمختصين
وقد حاولت دور النشر الجزائرية من خلال صالون الجزائر الدولي الكتاب وغيرها من المعارض الوطنية، أن تولي اهتماما كبيرا وترفع بكتب الذاكرة الجماعية للجزائريين إلى المكانة التي تليق بها من خلال تخصيص جناح خاص بها يقصده الباحثون والمهتمون والأكاديميون، فظلا عن استضافة دور نشر أجنبية تهتم بقضايا الذاكرة الوطنية على غرار دور النشر التونسية والمغربية.
غياب أرشيف الثورة حال دون التطرّق لتفاصيلها
ويفصل ضيف الشعب في هذه النقطة بالقول، إن إقامة ندوات فكرية وبيع بالإهداء لمختلف المنشورات، يساهم في التعريف بآخر إصدارات التاريخ ويشجع على اقتنائها، غير أنه يحرص باعتباره باحث دكتوراه في التاريخ على الاعتراف بأن ذاكرة الجزائريين الجماعية والثورة المجيدة لم تحظ بالقدر الكاف من الكتابة من جهة ومن الترويج من جهة أخرى في ظل ما تملكه الكتابات الفرنسية عنها من أرشيفات ووسائل نشر هائلة تساعدهم على توجيه سكة تاريخ الجزائر، وذلك رغم مجهودات دور النشر الجزائرية ومنشورات متحف المجاهد والمركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954، إلا أن الباحثين والقراء على تزايد مشاربهم لازالوا يتطلعون إلى دراسات حديثة وكتابات تليق بموروثنا التاريخي.
ويختم بوهناف حديثه في هذا الخصوص، بالإشارة إلى دور الجمهور الجزائري والقراء والذين ـ حسبه ـ أصبحوا مولعين بالقضايا التي تشكل جدلا في صيرورتها التاريخية، وهي التي لا تجد حيزا كبيرا لها بالصالون الدول للكتاب، حيث يرى القارئ المنشورات التاريخية بالصالون الدولي أو المكتبات العامة تكرارا لكتابات سابقة لم تثر قضايا جديدة تستهوي الباحث أو القارئ على حدّ سواء الأمر الذي شجّع دور النشر للبحث عن مستهلك لكتب الطبخ والأطفال وغيرها.