يمكن اعتبار عصرنا الحالي بأنه عصر الإعلام والمعلومة بامتياز.. مدى صحة هذه الفرضية يدفعنا إلى القول، إن أي مشروع لا يأخذ بعين الاعتبار الشقّ الإعلامي مشروع مصيره الفشل والنسيان.. من أجل ذلك، ارتأينا أن نسلّط الضوء، حين تطرقنا إلى تثمين التراث المادي واللامادي اقتصاديا، على مدى حضور الإعلام والدور الذي يلعبه.. واستأنسنا في ذلك بآراء الكاتبة والفاعلة الثقافية والأكاديمية حبيبة العلوي، التي تتمسّك بالنظرة الكلّانية للثقافة وكل ما يحيط بها من مبادرات.
تحدثنا المبدعة والأستاذة بجامعة الجزائر حبيبة العلوي عن مدى حضور التراث بأنواعه في مختلف وسائل الإعلام، تقول: «لا أعتقد أنّ هناك حضورًا كميّا ونوعيّا مقبولا في إعلامنا الجزائري للمادّة التراثية سواء الماديّة منها أو اللاماديّة؛ حضورًا يستقل عن المناسباتيّة التي تفرضها تغطية التظاهرات الثقافيّة الرسميّة التي تحتفي بالتراث على غرار شهر التراث مثلا؛ أي أن متابعة التراث إعلاميّا عندنا تأتي بصفة بعدية راعية وحريصة على مرافقة التظاهرات الثقافيّة لا قبليّة استباقيّة تشتغل على تحريك الرأي العام عموما للانتباه مثلا إلى ضرورة رعاية هذا الإرث المشترك للجزائريين». وإذا كانت حبيبة لا تنفي الاجتهادات الفارقة لبعض الإعلاميين «المميزين بشغفهم بهذا الميدان»، ممّن قدّموا مواد وملفّات نبّهت السلطات الرسميّة والرأي العام على إهمال عدد مهمّ من المواقع الأثريّة الجزائريّة، أو حتّى تخريبها، غير أن «الاستثناء لا يصنع الفارق، قد يفهم من كلامي هنا أنّي أقول بوجود تقصير إعلامي، غير أنّي شخصيّا أتفهّم هذا التقصير وأفهمه ضمن سياق عام يتسّم بإهمال وتهميش للمادة الثقافيّة في فضاءاتنا الإعلاميّة».
لا حديث عن رؤية اقتصادية للتراث
دون سياسة ثقافية شاملة
وجهنا إلى حبيبة العلوي سؤالا مباشرا، حول إمكانية الحديث عن جدوى الاقتصادية للتراث دون خطة إعلامية مرافقة، فأجابت: «في الواقع يمكننا أن نتحدّث مطوّلا عن الجدوى الاقتصادية للتراث خصوصا، والقطاع الثقافي بشكل عام، ولكن ثمّة فرق بين التحدّث والتمكين والإنجاز؛ لا يمكننا أن نصل إلى نتائج في باب التعامل مع القطاع الثقافي عموما بوصفه دعامة اقتصادية، إلاّ إن عملنا على تبنّي سياسة عامّة وسياسة ثقافيّة خاصّة تدمج أكثر من مجال في دعم هذه القطاع الثري والمتشعّب».
وترى حبيبة العلوي أن دور القطاع الإعلامي كقوّة فاعلة على المجتمع وعلى أصحاب القرار؛ يتوجّب أن ينظر له كشريك في هذه الإستراتيجية، فدور الإعلام حسبها «يتراوح بين حماية المادة التراثية المنتهكة سواء من إهمال المسؤولين أو اعتداء المواطنين، وبين الضغط على الهيئات الوصيّة قصد دفعها لتطبيق وعودها على الميدان، وبين التعريف بهذا التراث وتقديمه للداخل والخارج حتّى يمكن أن يبرز كمورد يسيل لعاب المستثمر الجزائري وغير الجزائري في إطار تشريعات طبعا تحمي السيادة الوطنية على المواقع.. لا يمكن في الواقع أن نحقق كل ذلك في غياب تكوين إعلامي جدّ متخصّص وعالي المستوى».
المواطن فاعل ثقافي بارز في مشروع حماية التراث
والاستثمار فيه
وعن الدور الذي بات يلعبه الإعلام الجديد ووسائط الاتصال الحديث في هذا المجال، ترى محدثتنا أن ثمّة دورا بارزا وناشئا لهذه الوسائط؛ يمكن أنّ يعوِّل عليه أي فاعل ثقافي أو مواطن غيور على تراث بلده.. وتذكّر بما سبق قبل سنوات من تنديد واسع «بالإهمال المؤسس لقصبة الجزائر، الذي دفع مؤسسة اليونسكو بالتلويح بحذفها من قوائم التراث العالمي، وما يقال عن قصبة الجزائر يصدق على غيرها من مواقع مصنّفة وغير مصنّفة، وهنا استغلت مواقع التواصل الاجتماعي لحشد الرأي العام وكشف مواطن التقصير خاصّة بعدما سجّل أكثر من تجاوز تقني في مباشرة العمليّات الكبرى للترميم التي لم تستند في الغالب إلى المؤهلين من الخبراء والحرفيين»، تقول حبيبة العلوي، لكن تبقى فعاليّة هذه الفضاءات «آنية وترتبط أكثر بسياقات التعبئة والحشد، التي لا تجد أثرا على الميدان إلاّ إذا التفّ حولها مختصون وخبراء وفاعلون يضمنون متابعة المطالب إلى حين تحريك الهيئات الوصيّة».
وفيما يتعلق بالوضع الحالي للتراث خصوصا، والثقافة عموما، واضطلاع الإعلام بدوره فيهما، ترى محدّثتنا بأنه لا يوجد «تشبيك للطاقات في الجزائر»، إذ «مازلنا نشتغل بمنطق متجزّئ يراعي استقلالية القطاع الثقافي عن القطاع الإعلامي والقطاع الصحّي والقطاع التعليمي والبحثي»، وتضيف: «سياساتنا العامّة لا تقوم على رؤية موحّدة ومشروع مجتمع يراعي ضرورة التعاون بين جميع القطاعات في خدمة أهداف كل قطاع».. وتخلص إلى أنه «في اليوم الذي نصل فيه إلى قناعة تمّكنا من صيغ خطط جزئيّة تنخرط في روح الخطط العامّة وأهدافها، سيمكننا فعلا أن نطبّق الخطط الجزئيّة، وفي غياب هذه الروح الجماعيّة في العمل، تبقى خططنا وقوانيننا وسياساتنا المكتوبة على الورق بشكل مثالي.. معطّلة لآجال جادّة !».