فتح التّمويل للخواص لإنتاج جيد
على الرغم من رصيدها المميز الذي أنتجته عشية الاستقلال، ونافست به أرقى الأفلام في المهرجانات الدولية ونالت من خلالها جوائز قيمة، لم تواصل السينما الجزائرية هذا النهج بعد ثمانينات القرن الماضي، حيث راوحت مكانها ولم تخض زمام المغامرة إلا في السنوات الخمسة الأخيرة. ومن خلال بعض الأفلام المحتشمة التي لم ترق الى المستوى المطلوب حسب أغلب النقاد، إشكالية “أفول” نجم السينما الجزائرية وواقعها الحالي يعيد اليوم وبإلحاح إلى الواجهة، مجموعة من الأسئلة تبحث عن مكامن الخلل، فهل يعود في الأصل إلى أزمة سيناريو؟ أو غياب لجنة قراءة النصوص؟ أم الأزمة هي أزمة ممثلين سينمائيّين جديرين بخوض المغامرة؟
هذه الأسئلة أعدنا طرحها على الأستاذ “محمد غرناوط”، وهو من المهتمين بعوالم المسرح، السينما ووسائل الاتصال الحديثة.
في بداية حديثه والتي عاد فيه إلى تاريخ السينما الجزائرية، قال الأستاذ “محمد غرناوط”:
«أعتقد أن السينما الجزائرية كانت تحتل دائما مكانة مرموقة سواء على المستوى المحلي أو الدولي وحتى أثناء فترة الاحتلال تمّ إنجاز عدة أفلام لأكبر المنتجين العالميين منها فيلم “تارازان” مثلا، وهو فيلم أمريكي صورت مجريات أحداثه سنة 1932 في حديقة الحامة بالجزائر العاصمة، ثم تبع هذه المحطات ولوج أبناء الجزائر هذا الفن، حيث كان من بين أبرز المخرجين الطاهر حناش الذي كان يخرج الأفلام الوثائقية مثل مناظر من الجزائر كمنطقة الصحراء، منطقة القبائل وفي 28 فيفري من سنة 1947 عرض بمدينة قسنطينة فيلما بعنوان “قسنطينة، سيرتا القديمة” بمساعدة “لويز ارغوباست”، والموسيقى كانت لـ “محمد إيغربوشن”،كما أنتجت بعض الأفلام خلال الحرب التحريرية بعدسة عدة مخرجين أمثال “رونيه فوتييه” و«كليمون بيير”، ثم سنة 1958 صوّر فيلم “جميلة” للمخرج “يوسف شاهين”.
ويضيف المتحدث في نفس السياق: “..لكن بعد الاستقلال عرفت الجزائر قفزة نوعية في الإنتاج السمعي البصري، وكادت في فترة من الفترات القصيرة منافسة السينما المصرية من ناحية جودة بعض الأشرطة التي عرضت في المحافل الدولية على غرار فيلم “وقائع سنين الجمر” الذي تحصّل على السعفة الذهبية لمهرجان كان الدولي سنة 1975، حينها كانت للجزائر نخبة من المثقفين في هذا الميدان كالمخرجين “أحمد راشدي”، “عمار العسكري”، “مرزاق علواش”، “مصطفى بديع”، “سيد علي مازيف” وغيرهم من زامن العصر الذهبي الذي كانت الجزائر آنذاك تتوفر على أكثر من400 قاعة سينما، بالإضافة إلى قاعات”السينماتيك” التي تعرض بها الأفلام بخمسة حصص يوميا بثمن رمزي لا يتعدى (2 دج) مع تنظيم أسابيع للسينما الإيطالية، الروسية والفرنسية..كما كانت توزّع مطويات لهاته الأفلام هذا مع الجمهور العريض، أما الطلبة فكانت النوادي السينمائية بالتعاون مع معاهد اللغات وحتى التلفزيون كان يؤدي دورا كبير في التحسيس والتعريف بالسينما، حيث كانت حصة خاصة من إعداد الأستاذ أحمد بجاوي “النادي السينمائي”، بالإضافة إلى دور المنظومة التربوية من خلال حصص للتقنيات التربوية كالرسم والمسرح وعروض سينمائية..”.
وفي سياق البحث عن الحلول والإجابة عن الإشكاليات المطروحة يضيف “ محمد غرناوط” : “..اليوم وإذا ما أردنا النهوض بالفن السابع وإعادة بعثه في الجزائر، وقبل التطرق لإشكالية النقد والنص ولجنة القراءة وغيرها، يتوجب علينا توفير العديد من الشروط من بينها التكوين الجاد وكيفية تحسينه لكل من الفنان، التقني الكاتب والمخرج..وهذا ما يدفعنا للتساؤل وفي نفس السياق عن دور الجامعة والمعاهد المتخصصة كمعهد “برج الكيفان” والمدرسة العليا للفنون الجميلة وغيرها في الجزائر، مع إعادة النظر في كيفية الإنتاج وفتحه على الخواص مع الأخذ بعين الاعتبار كيفية التمويل. فتح قاعات السينما المغلقة وكيفية إخضاعها وجعلها تستجيب للمعايير الحديثة، إعادة الاعتبار لعلاقة الجمهور بالسينما، فعزوفه عن قاعات السينما واستقالته من مطلب الحاجة إليها يجعلنا نطالب بتشخيص جدي للتعرف عن الأسباب ومعالجتها، علاقة المجتمع بالثقافة وكيفية الاعتناء بها منذ وجود الفرد في الأسرة، والمدرسة، والجامعة..فهذه الأهداف الضرورية تبقى هي المقدمات الوحيدة للأخذ مجددا بزمام الأمور، والخوض في غمار عالم سينمائي مبني على أسس سليمة، وقادرا على المنافسة حتى نعيد إلى السينما الجزائرية مجدها المفقود”.