يرى الدكتور حمود صالحي، أستاذ العلوم السياسية، بجامعة كاليفورنيا، أن النشاط المكثّف الذي تشهده الدبلوماسية الجزائرية كان ضرورة فرضتها ظروف استثنائية تمر بها البلاد والمنطقة من حيث ازدياد حجم التحديات التي تواجهها، هذا من جانب، أما من الجانب الآخر فهو يعود إلى أهمية تنشيط دور الدبلوماسية الجزائرية في المحافل الدولية كقوة فاعلة إقليميا وعالميا.
أكد الدكتور حمود صالحي، أن الجزائر عادت إلى تفعيل دبلوماسيتها التقليدية، مستفيدة من سمعتها كصانع سلام وخبرتها في التعامل مع الإرهاب والمصالحة الوطنية.
وأضاف المحلل السياسي في اتصال مع «الشعب»، أن الجزائر كغيرها من دول المنطقة تواجه العديد من التحديات والتهديدات من مصادر مختلفة، فالظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة تفرض على الجزائر التصدي لها بالطرق التي تتوافق مع إستراتيجيتها الكبرى لحماية مصلحتنا الوطنية، وبالإضافة إلى بناء قوة عسكرية قوّية، اتخذت الجزائر أيضًا من نشاطها السياسي المكثف، الطريقة الدبلوماسية كوسيلة لحل النزاعات بشكل ودّي وسلمي ومن خلال مساندة جهود المصالحات الوطنية، كما هو الشأن في ليبيا ومالي، واحترام سيادة الدول في اتخاذ القرار الذي يخدم مصالحها الوطنية.
وأوضح صالحي، أن الدور الذي لعبته الدبلوماسية الجزائرية جلبت الاحترام، ويأتي هذا من عدة زوايا غير متوقعة، لنأخذ فرنسا على سبيل المثال، التي لم تتردّد في إجراء اتصالات مع الجزائر عبر وسطاء لمواجهة بعض مشاكل الساحل.
ففي الأشهر الماضية، ظهرت تقارير تشير إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من رئيس النيجر إقناع القيادة الجزائرية بأخذ دور بارز في مالي. فمع نقل القوات الفرنسية العسكرية إلى النيجر من مالي، اعتقدت فرنسا أن الجزائر هي الخيار الأفضل لمالي لإحلال السلام في البلاد.
كما أدرك الليبيون أيضًا أنهم سيستفيدون أكثر مع شراكتهم مع الجزائر. وترجم ذلك في العديد من الاتفاقيات الاقتصادية التي وقعتها ليبيا مع الجزائر في عدة مجالات أبرزها في ميدان الغاز والزراعة.
بعد ذلك كانت هناك إثيوبيا التي تقيم معها الجزائر علاقات قوية منذ عقود، حيث طلبت أديس أبابا مساعدة الجزائر في نزاعها على مياه نهر النيل، ودعت وزير خارجية الجزائر والجالية بالخارج لينقل لقادة الجامعة العربية نية إثيوبيا الحقيقية في «الوصول إلى حل عادل لتوزيع مياه نهر النيل.» ولجوء إثيوبيا لوساطة الجزائر يرجع بالأساس إلى علاقات هذه الأخيرة المميّزة مع كلّ من السودان ومصر، وليس من المستبعد أن تكون أديس أبابا قد طلبت مساعدة الجزائر في حل نزاعها الحدودي مع السودان، كما جاء في أحد التقارير.
أخيرا وليس آخرا، تتوقع القوى المتضامنة مع فلسطين أن تلعب الجزائر دورًا رئيسيًا في قيادة العالم العربي ضد سياسات التطبيع التي انتهجتها بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني، فالجزائر هي الدولة العربية الوحيدة التي اتخذت خطوات ملموسة ضد عضوية إسرائيل في الاتحاد الإفريقي.
من الدبلوماسية التقليدية إلى الرقمنة
كما أشار المحلل السياسي، إلى أن هذه الانجازات يجب الافتخار بها. لكن يجب أن ندرك أيضًا أن الدبلوماسية التقليدية مرّت بفترات غاب صوتها في المحافل الدولية، وذلك لأسباب موضوعية قد تكون لحديث آخر. ولكن حتى تكون أكثر فاعلية يجب أن تحرص الجزائر على استغلال المؤسسات في تفعيل النشاط السياسي الخارجي حتى تضفي صورة الاستمرارية في الدور القيادي الذي نراه اليوم. فالتركيز على المؤسسات والأجهزة الفكرية في بلورة القرار السياسي على مستوى السلطة التشريعية والجامعات ومراكز الفكر سيدعم سياسة الجزائر الخارجية ويبقيها فعالة في المحافل الدولية على غرار الملتقيات التي تعقد في الجزائر والأبحاث التي قام بها طلبة الدكتوراه في دبلوماسية الرقمنة، كل هذه الأعمال تعد مخبرا جاهزا لدفع الدبلوماسية الجزائرية إلى إدخال الرقمنة كنموذج لتسويق سمعة الجزائر خارجيا. أضف إلى هذا جملة من البحوث التي أشرف عليها أساتذة جامعيين أكفاء حول الصراعات الدولية والتخصصات في السياسات المقارنة التي تقدمها جامعاتنا، كلها تعد كنزا آخر لبلورة وتقييم أهم أسس السياسة الخارجية لدول تتعامل معها الجزائر مشيرا إلى أن ما نراه اليوم من عودة الى الأسلوب التقليدي ما هو إلا خطوة يجب أن تتبعها خطوات أخرى حتى نضمن استمرارية هذا النشاط وفي ظل إستراتيجية الجزائر الكبرى الهادفة إلى خدمة مصالح الوطن.
المحلّل السياسي د. حمود صالحي لـ«الشعب»:
تنشيط الدبلوماسية الجزائريـة حتمية لمواجهة تحدّيــات المرحلة
عزيز.ب
شوهد:676 مرة