جودي أتومي : مسيرة مجاهد ورؤية لنفض الغبار عن الموروث
قام المجاهد والكاتب جودي أتومي الذي نشر كتابه السابع تحت عنوان « النساء المناضلات في الحرب التحريرية الوطنية»، بتنشيط محاضرة بالمكتبة العمومية الرئيسية للمطالعة ببجاية، أمس الأول، وذلك على إثر الدعوة التي تلقاها من جمعية المحافظة على التراث، حيث التحق بمدرسة التجارة بالجزائر العاصمة، في شهر ماي من سنة 1956 أثناء إضراب الطلبة وصدور نداء جبهة التحرير الوطني، الذي دعا إلى الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني، قد صرح الكاتب في هذا الصدد، « التحقت بمركز قيادة الولاية الثالثة الذي يعد مقرّ الكولونيل عميروش، ولكن لسوء حظي لم يكن هذا البطل الذي كنت منبهرا بشخصيته هناك لقد كان عبقريا، وكان من حسن حظ الجزائر تعداد رجل بمثل تلك الصفات النادرة في صفوفها.
بعد هذا، عاد الشاب جودي إلى الجزائر العاصمة ليتصل به جيش التحرير الوطني بعد مرور بضعة أشهر، من أجل إعادة الالتحاق بأكفادو، وقد كان الحظ حليفه هذه المرة إذ أصبح رفيق الكولونيل وحتى أمينه مع أشخاص آخرين في بعض الأحيان، وأضاف متحدثنا: « كان الكولونيل عميروش يدور حول أنحاء الولاية الثالثة في أسبوع واحد، بمعدل 10 ساعات مشي يوميا، وعلى خلاف حراسه الشخصيين، كثيرون هم من لم يكونوا قادرين على تحمل تلك الوتيرة.
بعد عملية « المنظار» وسقوط الكولونيل عميروش في ساحة المعركة، تعرضت الولاية الثالثة إلى خسائر جسيمة، حيث تم اغتيال ثمانية آلاف مناضل من أصل إثنى عشر ألف، وقد استدعى الأمر جهودا كبيرة من أجل إعادة حشد القوات ومواصلة الكفاح إلى غاية الاستقلال.
بعد ذلك، ووفقا لما صرح به جودي أتومي، عُيّن المجاهد كعضو في لجنة وقف إطلاق النار من أجل السهر على تنفيذ إتفاقيات إيفيان، وبعد قيام استفتاء 03 جويلية، رأى أن مهامه قد اكتملت، فطالب بتاريخ 05 أوت بتسريحه من أجل مواصلة حياته المدنية ومساره المهني في القطاع الصحي، حيث كان مقتنعا، على غرار أشخاص آخرين، بضرورة مواصلته لدراسته وبلوغ مستويات أعلى، وكان له ذلك حيث تحصل على شهادة ليسانس في القانون من كلية رين الفرنسية، ليعود إلى أرض الوطن لمتابعة مشواره. في سنة 1985 أصبح رئيس المجلس الشعبي الولائي لولاية بجاية إلى غاية 1990، وبعد التقاعد، خصص المجاهد وقته للكتابة من أجل إعادة إحياء وترسيخ الأحداث التاريخية.
سبعة كتب
« لقد رويت الوجه الحقيقي للكولونيل عميروش وحاولت إعادة اعتباره له، بعد كل الجدال الذي دار حول شخصيته، وبعد ذلك قمت بنشر كتاب ثاني وبعدها ثالث عنه. لقد كاد جودي أتومي أن يصبح كاتب السيرة الخاص والمعترف به للكولونيل، وقد ذاع سيطه على هذا النحو، وقد علمنا أن اثنين من إخوانه في النضال قد اتصلوا به وأعلموه بسر عظيم، « لقد كان مهدي شريف وعبد الحميد جوادي، الشخصين الأخيرين اللذان كانا على علم بالسر الذي كان يحيط بجثمان الكولونيل عميروش، وقد أطلعاني عليه وطلبا مني التصرف كما ينبغي حيال ذلك، وكان هذا موضوع كتابي الرابع. بعد مرور مدة زمنية، قمت بنشر كتاب خامس في جزأين، وبعدها أثنيت على فضل المستدعين من قبل الجيش الفرنسي، الذين رفضوا الاستجابة للنداء الخاص بالتجنيد، سواء تعلق الأمر بالفرنسيين أو الجزائريين، حيث بلغ عدد هؤلاء ما يقارب 000 15 مواطن جزائري، رفضوا الالتحاق بصفوف الجيش الفرنسي، حتى أن كثيرا من الملتحقين هجروا صفوف العدو ليلتحقوا بالجيش الشعبي الوطني، ومعهم معلومات قيّمة وخبرة عسكرية لا يستهان بها.
وعند الإشادة بالجنود الفرنسيين الذين رفضوا محاربة الجزائر، حكا المجاهد جودي أتومي شهادة مثيرة للمشاعر، حيث قال: « لقد كنا ملاحقين من قبل الجنود الفرنسين، وكنا نحاول جاهدين الفرار من المنطقة المحاصرة وإيجاد ملجأ يأوينا، وبعد أن مشينا لعدة ساعات، حاولتُ مع شخص آخر كان برفقتي عبور الطريق الوطني، من أجل بلوغ مكان آمن بعيدا عن العدو الذي كان يلاحقنا، ولكن لسوء حظنا وجدنا أمامنا جنديا فرنسيا كان يحمل رشاشا. ظننت أن تلك كانت نهايتنا، لكن الجندي الفرنسي على خلاف ما توقعناه، أشار إلينا بيده و دعانا إلى العبور ومواصلة طريقنا. كنا متأكدين من أن ذلك كان مجرد خدعة، و لكننا كنا على يقين من أنه لم يكن لدينا أي خيار آخر، فعبرنا الطريق و نحن ننتظر متى سيقوم الجندي بإطلاق النار علينا، ولكن ذلك لم يحصل فقد تركنا الجندي نعبر من دون مهاجمتنا. بعد الاستقلال حاولت جاهدا معرفة هوية ذلك الجندي الفرنسي، وقمت بالبحث عن معلومات من أجل إيجاده، كنت أود أن أجعل منه صديقا وأخا لكونه وبكل بساطة أنقذ حياتنا.»
الإشادة بدور النساء المناضلات
من جهة أخرى وفيما يتعلق بكتابه الجديد الذي نشره في الآونة الأخيرة، فقد أشاد المجاهد جودي أتومي بالدور الذي لعبته النساء في الثورة التحريرية قائلا، « لو لا مساهمة النساء ومساندتهن لنا في الحرب لما كنا حققنا الاستقلال، وأضاف: « لقد قمت عبر هذا الكتاب بتسليط الضوء على هاته البطلات اللواتي بقي دورهن مخفيا، وهذا قبل أن يصرح بكل ثقة أنّ: « المرأة هي التي تربي مواطني الغد. لقد لعبت النساء دورا أساسيا في الثورة، إذ كنّ سندا أساسيا للمجاهدين»، وبعد هذه التصريحات، ذكّر الكاتب بالتضحيات التي قدّمناها في سبيل الوطن: « لقد تعرضن لأبشع طرق التعذيب والإهانة، خاصة زوجات المجاهدين.
ومن دون الدخول في التفاصيل ذكّر بالمجازر وعمليات الاغتصاب والترحيل وكل أنواع الابتزاز، التي مورست على السكان بصفة عامة والنساء بصفة خاصة، كما أنه ذكر نفيسة حمود التي تعد الطبيبة الأولى للولاية الثالثة. نساء كثيرات أخرى التحقن بالـجبل، حتى أن بعضهن حملن السلاح وكافحن إلى جانب المجاهدين، أكثرهن قُطّعن إلى أشلاء من قبل القواة الجوية الفرنسية التي كانت تطلق قنابلها الجهنمية. لقد كانت النساء، سواء في المدينة أو في القرية، يشجعن المجاهدين ويبعثن الرعب في قلوب الجنود الفرنسيين عند إطلاق زغاريدهن أثناء المعارك، بالإضافة إلى هذا، فقد كن في الصفوف الأولى أثناء المظاهرات التي كانت تهدف إلى المطالبة باستقلال الجزائر.
وعلى وجه الخصوص مظاهرات 11ديسمبر 1960 بالجزائر العاصمة، وباقي المظاهرات في كل أنحاء الجزائر. كما ذكر الكاتب في هذه المناسبة زليخة أوداي التي تحدثت عنها الأديبة الجزائرية المعروفة دوليا، آسيا جبار التي هي أكاديمية و أستاذة جامعية، في روايتها التي تحمل عنوان: « إمرأة بلا قبر». وهنالك نساء أخريات على غرار جميلة بوحيرد وحسيبة بن بوعلي وزهرة ظريف، وغيرهن ممن شاركن في العمليات التي تمت على مستوى المدن. وفي ختتام محاضرته، عرض المجاهد على الشاشة صور عشرات من النساء المجاهدات، اللاتي سقط جلّهن في ساحة المعركة، وأعطى لمحة عن قصصهن وأحيى ذكراهن.
وبعد ذلك، تم منح الكلمة إلى الجمهور قصد فتح النقاش، حيث قام بعض المجاهدين والمجاهدات على غرار رشيد وطاح والسيدة مباركي بإفادة الحضور بمعلومات أخرى تكميلية، تعلقت بذاكرة مجاهدات أخرى، كما لو قصدوا القول أن العمل الخاص بجودي أتومي ليس سوى مجرد خطوة أولى، في سبيل إحياء ذكرى هاته النساء اللواتي بقين في الظّل، وأن هناك عملا