خصّصت الجولة التراثية الثالثة التي تشرف عليها مديرية الثقافة والفنون لبومرداس للموقع الأثري مغارات “ماركون” الواقع بقرية “احمادن” بلدية اعفير بأقصى شرق الولاية وهذا بحضور مختصين في التراث وممثلين لجمعيات تنشط في مجال حماية الموروث الثقافي المادي واللامادي، حيث شكلت الزيارة الاستكشافية فرصة للاطلاع على أهم ما يكتنزه المعلم من آثار ورسومات تحاكي نشاط وحياة الانسان مع تعاقب الحضارات.
تواصل مديرية الثقافة والفنون لولاية بومرداس خرجاتها الميدانية لمختلف المعالم والمواقع الأثرية القديمة التي لا تزال مجهولة ولم تكشف بعد عن أسرارها الباطنية، وما تكتنزه من كنور تاريخية وهذا في إطار سلسلة الجولات التراثية والتاريخية المسطرة لهذا الغرض، فبعد التوقف عند الموقع الأثري “حجرة زق الطير” بقرية الطرفة ببلدية يسر والمعلم الديني العريق زاوية سيد اعمر الشريف ببلدية سيدي داود التي استفادت من أشغال تهيئة، جاء الدور في الجولة الثالثة على مغارات “ماركون” الواقعة بقرية احمادن ببلدية اعفير المكتشف حديثا مع تسجيله ضمن قائمة الجرد الاضافي للممتلكات الثقافية سنة 2020، على أمل تصنيفه وطنيا مستقبلا.
وحسب المعطيات الأولية المسجلة في الموقع والظاهرة من خلال النقوش والرسومات الصخرية، فإن مغارات “ماركون” الثلاثة يرجح أنها تعود لألاف السنين، وكان قد استوطنها الانسان الأول، وهذا استنادا إلى الشواهد والتحف الأثرية، أهمها طاحونة الزيت المنقوشة ومغارات صغيرة للسكن، حيث تحوي المغارة الأولى على نقش بالجدران، المغارة الثانية تحمل اسم “حجرة الأسود”، وهذا في اعتقاد أن المغارة كانت تسكنها الأسود، وذلك في عهد الدولة الحمادية في الفترة من 1014 إلى 1152 ميلادي، ولهذا السبب أخذت القرية اسم احمادن، أما المغارة الثالثة التي تتواجد بها مطاحين الزيت فإنها متكونة من حجرتين يفصل بينهما نفق صغير تسمى “ثاغافورت” بالأمازيغية أي الغرفة.
وبهذه المناسبة، أكّدت مديرة الثقافة لولاية بومرداس دليلة عواس “أن مصالحها بصدد العمل مع الجهات الوصية بوزارة الثقافة من أجل تصنيف الموقع كمعلم وطني أثري، والعمل على حمايته، وأيضا مباشرة أشغال حفريات واستكشاف في المكان لمعرفة مزيد من المعلومات والحقائق التاريخية بناء على الشواهد الدالة، وهذا بالتنسيق مع الهيئات الأكاديمية والجامعية المختصة”، خاصة وأن ولاية بومرداس لها تجربة مميزة بفضل نتائج البحث والتنقيب التي قامت بها فرقة علمية متخصصة من معهد علم الاثار بجامعة الجزائر 2 التي قامت بعدة جولات استكشافية بموقع مرسى الدجاج بزموري البحري.
وكانت الجولة التراثية الثانية، قد خصّصت للوقوف على المعلم الديني زاوية سيدي اعمر الشريف ببلدية سيدي داود، بعد أن استفادت من عملية الجرد الاضافي للممتلكات الثقافية للولاية شهر جوان الماضي، حيث تدعّمت مؤخرا بأشغال تهيئة وتجديد مع التشديد على إبقاء الشكل الهندسي والنمط العمراني الأصيل لهذا المعلم التاريخي، الذي يعود تاريخ انشائه إلى الفترة العثمانية، وكان مزارا لعدة شخصيات دينية وثورية منهم الأمير عبد القادر والأمير خالد الجزائري، ولعبت دورا مهما خلال الثورة التحريرية.
وبالموازاة مع برنامج الجولات الاستكشافية لمختلف المعالم والمواقع الأثرية غير المستغلة، شرعت مديرية الثقافة لبومرداس بالتنسيق مع المكتبة الرئيسية للمطالعة العمومية، في تنظيم جلسات تراثية، بالتنسيق مع الفاعلين في الميدان من باحثين ومهتمين بالتراث، وهذا لتقييم ودراسة نتائج العملية والعمل على غرس ثقافة حماية الموروث الثقافي المادي واللامادي الذي تزخر به الولاية، رغم بقاء جزء كبير منه خارج الاهتمام الفعلي ومعالم تاريخية أخرى تعاني من غياب مشاريع فعلية، لترميمها وتقديمها كوجهة سياحية بامتياز من أهمها قصبة دلس العريقة.