تنظر المحكمة الدستورية في أول حالة خلافية بين السلطات الدستورية، منذ استحداثها بموجب دستور 2020، وستفصل في الإخطار الذي تلقته من قبل رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل والوزير الأول نذير العرباوي بشأن مدى توافق بعض التعديلات الواردة على مشروع قانون المالية مع روح ونص مادة دستورية.
لجأت الغرفة الثانية للبرلمان والحكومة إلى المحكمة الدستورية، لحل الخلاف القائم بينها وبين الغرفة الأولى للبرلمان (المجلس الشعبي الوطني)، بشأن التعديلات التي أدرجت على 4 مواد من مشروع قانون المالية، وتمت المصادقة عليها، الأربعاء الماضي.
ولأن المواد 23، 29، 33 و55 التي تضمنت تعديلات جاء بها نواب بالمجلس الشعبي الوطني، وصادقوا عليها، لقيت اعتراضا من قبل أعضاء مجلس الأمة، بسبب عدم توافقها مع المادة 147 من الدستور. ونظرا لتحرك الحكومة، فقد تم اللجوء إلى القضاء الدستوري، لحل الخلاف بين جزء من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية.
وكان يمكن اللجوء إلى اللجنة متساوية الأعضاء بين غرفتي البرلمان لمعالجة المواد محل الخلاف، لو كانت هذه الأخيرة متوافقة كليا مع روح ونص الدستور، لكن تم اللجوء إلى المحكمة الدستورية، لأن الأمر يتعلق بالموافقة من عدمها مع مادة دستورية، لذلك تم اللجوء إلى القضاء الدستوري.
والفصل في الخلافات بين السلطات الدستورية، ومنع أي انسداد، يعتبر إحدى أقوى صلاحيات المحكمة، التي لم تكن ضمن مهام المجلس الدستوري في السابق، ما ولد وقتها فراغا قانونيا أثناء وقوع الخلافات داخل السلطات الدستورية أو فيما بينها، مثلما حصل في حادثة إغلاق مقر المجلس الشعبي الوطني من قبل بعض النواب سنة 2018.
وعليه، ستنظر المحكمة الدستورية في أول حالة خلافية، بشأن مدى دستورية بعض المواد من مشروع قانون المالية 2025 المصادق عليه، السبت الماضي، بعدما تلقت إخطارا من قبل رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، والوزير الأول نذير العرباوي، السبت 16 نوفمبر.
وجاء في بيان لمجلس الأمة، أن «صالح قوجيل رئيس مجلس الأمة، قام بإخطار المحكمة الدستورية بخصوص تعارض التعديلات التي طالت و/أو جاءت بها المواد 23، 29، 33 و55 مع نص المادة 147 من الدستور».
ولأن مجلس الأمة لا يملك حق التعديل، فعليه أن يرفض المشروع كلية أو يخطر المحكمة الدستورية، ليختار عبر رئيسه الذي يملك صلاحية الإخطار، اللجوء إلى القضاء الدستوري، حول قابلية التعديلات المدرجة.
وأعلنت مصالح الوزارة الأولى، أن «الوزير الأول، نذير العرباوي قام بإخطار المحكمة الدستورية، للتفضل في النظر في دستورية التعديلات التي أدخلت على نصوص المواد 23، 29، 33 و55 من مشروع قانون المالية 2025، اعتبارا لعدم توافق هذه التعديلات مع روح ونص المادة 147 من الدستور».
هذه المادة الواردة في الباب الخاص بالبرلمان، تنص على أنه «لا يقبل أي اقتراح قانون أو تعديل قانون يقدمه أعضاء البرلمان، يكون مضمونه أو نتيجته تخفيض الموارد العمومية، أو زيادة النفقات العمومية، إلا إذا كان مرفوقا بتدابير تستهدف الزيادة في إيرادات الدولة، أو توفير مبالغ مالية في فصل آخر من النفقات العمومية تساوي أو على الأقل، المبالغ المقترح إنفاقها».
وتحدد المادة 193 من الدستور، الجهات التي تملك صلاحية الإخطار وهم رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الأمة أو رئيس المجلس الشعبي الوطني أو من الوزير الأول أو رئيس الحكومة حسب الحالة، كما يمكن إخطارها من 40 نائبا أو 25 عضوا في مجلس الأمة.
وبدءاً من تاريخ تلقيها الإخطار «ستتداول المحكمة الدستورية في جلسة مغلقة، وتصدر قرارها في ظرف 30 يوميا من تاريخ إخطارها، وفي حالة وجود طارئ، وبطلب من رئيس الجمهورية يخفض هذا الأجل إلى 10 أيام»، وفقا للمادة 194 من الدستور.
وستكون المحكمة الدستورية، مقيدة بنص الدستور عن النظر في مدى توافق المواد المتعلقة بالغرامات الجزافية وقيمة الضرائب مع نص المادة 147 من الدستور، لتفصل بقرار ملزم غير قابل للطعن.
ولا يتعلق إخطار المحكمة الدستورية من قبل رئيس مجلس الأمة والوزير الأول، بحالة للدفع بعدم الدستورية، وإنما بخلاف بين السلطات الدستورية.
لأن الدفع بعدم الدستورية هو إجراء يسمح لأي متقاض أمام الجهات القضائية التابعة للنظام القضائي العادي أو الجهات القضائية التابعة للنظام القضائي الإداري أن يتمسك بأن الحكم التشريعي أو التنظيمي الذي يطبق على النزاع ويحدد مصيره، ينتهك حقوقه وحرياته التي يضمنها الدستور.
ويُبلَّغ الدفع بعدم الدستورية إلى المحكمة الدستورية بناء على إحالة من المحكمة العليا أو مجلس الدولة، وتلقت المحكمة في السنتين السابقتين 35 إحالة أًصدرت بشأنها قرارات.