احتضنت المكتبة الوطنية، أول أمس، في إطار تظاهرة منتدى الكتاب، ندوة للدكتور العيد بوده تحت عنوان “تحقيق المخطوط تجربة ومنهج”، حيث قدّم تجربته في تحقيق مخطوط الفوائد العظيمة للشيخ الامام المجاهد الحاج محمد بوده رحمه الله.
أشار الدكتور العيد بوده في بداية الجلسة، إلى أنّ مداخلته تندرج في سياق التعريف بدور المحققين الهواة في تحقيق المخطوط العربي، لافتا إلى أنّه أول من حقق هذا المخطوط الذي ظلّ مغمورا منذ أزيد من خمسين سنة.
وأوضح العيد بوده، أنّه تقدّم لتحقيق المخطوط لعدة أسباب منها: ضرورة التعريف والتذكير بالمسارات المشرقة للشيخ محمد بوده في مجال خدمة الدين الإسلامي واللغة العربية، والحفاظ على الهوية الوطنية خلال المرحلة الاستعمارية العصيبة، وهذا في سياق تسجيل الاعتراف الجميل، والسعي إلى إعادة الاعتبار لأعلامنا وفضلائنا الأفذاذ، إضافة إلى رغبته الشديدة في إحياء الميراث العلمي الذي تركه الشيخ شاهدا على مسيرته العلمية الدعوية، والذي يمَثّل كنزا تراثيا دينيا ما يزال في حاجة إلى الابتعاث التحقيقي والبحثي، لاسيما وأنّ الشيخ محمد بوده كان معلّما للقرآن الكريم زهاء أربعين عاما، بما ينسجم مع مساعيه الرامية إلى تنوير الناس من خلال إفادتهم في أمور دينهم، ونشر العلم النافع بينهم.
وأضاف بوده أنّ إعادة ابتعاث هذا المخطوط، يمثّل استكمالا لدور الشيخ في نشر العلم، الذي رفعه الله به بين العباد، في زمن لم يكن التنقل والإقامة في الصحراء أمرا يسيرا نظراً إلى التحديات المعيشية آنذاك. ناهيك عن قساوة الطّبيعة، وكذا الوضع السياسي الذي اتسم بإحكام المستعمر الفرنسي سيطرته على أرض الوطن، كما لفت المتدخل إلى أن عثوره على المخطوط في حالة جيدة، حفّزه أكثر على التقدم لإعادة قراءته وفق ما تقتضيه الأطر العلمية والمنهجية للتحقيق.
وقد انتظمتْ محاور مداخلة الدكتور العيد بوده في أربعة عناصر؛ حيث اشتمل أولها على المفاهيم الأساسية للموضوع؛ فيما يتّصل بتعريف المخطوط، وتعريف التحقيق. بينما تضمّن ثانيها تعريف صاحب المخطوط محل الموضوع، وهو الشيخ الإمام المجاهد الحاج امحمد بوده رحمه الله، المعروف بالطالب بوده. وجاء الثالث واصفا مخطوط الفوائد العظيمة شكلا ومضمونا، فيما يتصل بحالته، ونوع أوراقه، والمادة والخط الذي كُتِبَ بهما، ومضمونه ومصادره. أمّا الرابع، فخصّصه العيد بوده لوصف تجربته التحقيقية التي قامت على مرتكزات عدة؛ منها ضبط عنوان المخطوط، وتوثيق نسبته إلى مؤلفه، وتخريج نص المخطوط وضبطه بعد القراءة المتأنية، مراعيا الرسم الصحيح للحروف، ملتزما بعلامات الوقف والترقيم، ضابطا النصوص بالحركات الإعرابية والشكل. مع إضافة بعض العناوين التي لم تكن من أصل الكتاب، وقد أشار إلى ذلك في متن التحقيق. ويضاف إلى هذا تخريج وتوثيق النقول والنصوص من خلال ضبط الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية ونسبتها إلى مصادرها. مع نقل حكم الحفاظ عليها من صحة وتحسين وتضعيف أو ووضع ـ حسب ما قاله ذات المتحدث ـ كما ذكر المحقّق، أنه قام بتوثيق النصوص وأقوال العلماء، ثم انتقل إلى تخريج الأشعار ونسبتها لأصحابها وذكر البحر الشعري الذي ينتمي إليه كل نص شعري. ليشتغل بعد ذلك على ترجمة الأعلام سواء الذين تم تخريجهم من نص المخطوط، أو الذين تم التعرف عليهم خلال توثيق النصوص. وقد التزم في ترجمتهم بذكر كنية المُتَرْجَمِ له ولقبه واسمه، ونسبه، والفنون التي عُرِفَ بها، ومذهبه ومكانته العلمية وتاريخ وفاته.
وقال، إنّه عزّز تجربته التحقيقية بمكمّلات ثلاث لا غنى للمحقق عنها؛ يتمثل أولها في التعريف بمؤلف مخطوط الشيخ الإمام المجاهد الحاج الطالب محمد بوده رحمه الله، متوقفا عند اسمه ونسبه، ومولده ونشأته، وشيوخه، ومكانته العلمية، وتلامذته، ومؤلفاته، وجهاده خلال حرب التحرير، ثم حجه، فوفاته.
أما المكمل الثاني فيتحدد في دراسة المخطوط من خلال وصفه، وتحرير عنوانه تحريرا سيميائيا للوقوف على المنطلقات المنهجية والعلمية في صناعة العنوان لدى الشيخ، كما أشار إلى أنه حاول استقراء منهج المؤلف في تصنيف الكتاب. لينتقل في المكمل الأخير إلى إعداد الفهارس العلمية التي تعد مفتاحا ودليلا للكتاب المُحَقَّقْ، ولفت بوده إلى أنّه انتظم الفهارس في خمسة أَضْرُبٍ؛ تصدرها فهرس الآيات القرآنية، ثم الأحاديث النبوية، ففهرس الأشعار، فالأعلام، ففهرس الموضوعات.