نور الدين طيبي..شاعر ونائب رئيس اتحاد الكتاب الجزائريّين..من إصداراته «لك القوانين وما يشعر البحار» (2007) وقبله ديوان «زغرودة الماء» (2000)، الذي قال علاوة جروة وهبي فيه إنّ قصائده «تضعك في مواجهة شاعر يكتب الشعر ليقول فلسفته في الحياة وفي كل ما يعيشه الإنسان».. يكشف لنا طيبي في هذا الحوار بعض تفاصيل علاقته الحميمة والشعر: اللقاء الأول، ومواطن الإعجاب، ومواقف العتاب، والأهم من هذا وذاك أمله المطعّم بالإيمان في أن يكون، في الشعر، خلاص الإنسان..
- الشعب: بداية، وقبل الغوص في تجربتك الشّعرية الطّويلة..هلّا وصفتنا لنا اللحظة الأولى..اللّحظة التي التقيت فيها الشّعر لأول مرة، سواء كقارئ أو كمبدع؟
الشّاعر نور الدين طيبي: أول لقاء لي بالشعر كان بقصيدة «إرادة الحياة» لأبي القاسم الشابي. كنت حينها في السابعة من عمري، لكن كنت أحسن القراءة بفضل حفظي الجزء الأول من القرآن الكريم (جزء عمّ). أحسست بمتعة قراءتها وتفاعلت معها وأحسست بالغيرة من الشاعر، خاصة أنّي تمثلت فيها بطولات شهداء ثورتنا التحريرية الذين كنت قد اطلعت على سيرهم.
- قد يميل الأكاديمي إلى البحث عن تعريف، ولو إجرائي للشعر..كيف تعرفه أنت كشاعر؟ وما الشعر بالنسبة إليك؟
الشعر يا صديقي قمة التعبير الإنساني الصادق عن مكنونات الذات الإنسانية في تماهيها مع الكون، وتمثلها للجوهر الإنساني، فهو إذن مستعصٍ عن التعريف، وكل محاولة لذلك لا ترقى إلى أن تكون توصيفا في أحسن الأحوال. الشعر ماء الروح فهل يمكن أن نصل إلى تعريف كنه الروح في جوهرها؟ الشعر لغة الصفاء حين تخرج على دنيا الناس مسربلة بحلة من الرؤى الشفافة والحقيقة المتماهية مع إنسانية الإنسان وصدقه مع ذاته الشاعرة، بجمال الروح وعمق الإدراك. الشعر هو البهاء القابض على اللحظة، يحب يديم حياتها وينثره أملا على قحط الراهن وجبروت اليأس.
- ونحن نحتفي باليوم العالمي للشّعر، أي دور يمكن أن يلعبه هذا النّوع من الإبداع في عالم يبدو مترابطا ومفتّتا في آن واحد؟
العالم الآن مترابط في المأساة تعيش الشعوب فيه بهيمية لا حدود لها بفعل الانتصار للهيمنة، واختلاق أوهام التميز بالسلالات، وزحزحة المصطلحات عن معناها، بل تقديم المعنى وتضخيم الفقاعات. إنّها الحرب على الإنسان، المستخدم فيه انتماؤه لإنسانيته. هي الحرب على الجمال والروح، حرب على الشعر، حرب يقف فيها الشعر مدافعا عن قيم المحبة والعطاء الإنساني، عن الجوهر والمعنى. وما الحياة بدون معنى؟ الشعر جدار الصد أمام تسونامي الكراهية والتلفيق. الشعر بحر ينظف جسد الحياة ممّا علق بها من أدران. إنه زمن الشعر الخلاص وإلا فلنصلّ على روح البشرية الموغلة في الهاوية. في الفناء الذي لا يشي بحقيقته البشعة.
- سؤال يفرض نفسه في كل مرة..كيف هي حال الشعر عندنا؟ ولماذا يرتبط الشعر دوما بفكرة أنه استثمار ثقافي «خاسر» لأنّه «لا يبيع»؟
فرق كبير بين واجهة الشعر عندنا وحقيقة ما تبدعه أسماء الظل. الواجهات عندنا ككل الواجهات مغشوشة لا تقول حقيقة ما وصل إليه الشعر في بلادي، والذي هو إضافة حقيقية للمتن الشعري الإنساني. أتحدّث هنا عن تجارب راقية لم يحصل إلى القارئ منها إلا القليل، الشعر يا صديقي لا يقاس عند اللبيب بسعره في السوق في عالم السيجارة فيه أغلى من سعر الحليب والمخدرات أغلى من العسل. إنّنا مجتمعات تغلي وتتهافت على استهلاك ما يهلك، مجتمعات تتبع خطاب الغوغائية وتعتنق خواءه. فكيف لها أن ترتقي إلى خطاب الروح والكلمة الجميلة والرّؤى العميقة وجوهر المعنى؟ الشّعر لا يبيع لأنّ السّابقة عندنا رديئة وكرّس رداءتها برأيي منظومات قيمية مغشوشة أو غريبة عن حقيقتها الإنسانية.
- هل صحيح أنّ الشّاعر الجزائري في عزلة أو برج عاجي؟ هل يتوجّب عليه الانفتاح أكثر على مجتمعه؟
الشاعر كالشجرة وأرضه مجتمعه وحياة الناس، يتغذى منها وعليها تسقط ثماره متى نضجت لتنبت من جديد. فإذا تعالى وفصل جذوره عنها جف ومات، أتحدّث عن الشّعراء الحقيقيّين العارفين معنى أن تكون شاعرا، كذلك الأمر بالنسبة لكل النخب.
- ماذا عن الشاعر نور الدين طيبي؟ كيف يقيم حصيلته بعد هذه التجربة الطويلة في المجال الثقافي والإبداعي؟
بالنسبة لتجربتي فالحديث عنها يطول، أستطيع القول إني مازلت أجمل هاجس التجاوز. تجاوز ما سبق لي من نصوص، وتجاوز ما يكتب من نصوص غيري، مع الحرص على التميز المستمر والتفرد بصوتي أنا ورؤاي. ما زلت ذلك القارئ الذي يتحاشى تكرار نفسه أو غيره، أحترم الكتابة ولا أستسهلها. يبقى أن الحكم على تجربتي مجروح إذا صدر عني، هي مهمة الدارسين والتاريخ المنصف..أما عن تجربتي الثقافية فأنا مناضل ثقافي منذ وعيت، دوري كإنسان ينتمي لبلد وثقافة، ويدرك مسؤوليته نحو الناس والتاريخ، ويعرف ما يعني أن يكون منوطا بك أمام ضميرك أولا وبمعية كل مثقف حقيقي، أقصد دورك في تنوير الناس وخدمتهم في أهم ركائز أمنهم وغذاء روحهم وفكرهم أمام ما يسلط عليهم من مفاهيم مغلوطة وأفكار مغشوشة. إنّها مسؤولية النخبة ومهمة القوة الناعمة لأي مجتمع. أحاول أن أضيف حجرا إلى صرح ثقافة وطني، الذي أدين له ولشهدائه، بعد الله، بكل شيء..
- أخيرا، بصراحتك وعفويتك المعهودة: بماذا يحلم نور الدين طيبي؟
أحلم بعالم لا حروب فيه ولا ظلم. بإعلام لا يهدر الشعوب بل يصدقها، إعلام لا يكون بوقا لتجار السلاح والموت. أحلم بشعب يقرأ وبنخب تنتمي لشعبي لتخدمه لا لتستخدمه. أحلم أن يحبني وطني قليلا ممّا أفني نفسي فيه حبا. أحلم أن يفرّق الناس بين الأحلام والأوهام...
الشّاعر نور الدين طيبي:
الـشّـعـر قـمّة الـتّــعـبـير الإنسـاني الصّـادق
حاوره: أسامة إفراح
شوهد:394 مرة