«الحرب الناعمة في عصر الإعلام الجديد وتداعياتها على الأمن المجتمعي».. هو عنوان الملتقى الوطني الأول الذي ينظمه قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة يحيى فارس بالمدية، والذي من بين أهدافه لفت الانتباه إلى مدى خطورة الحرب الناعمة على وحدة وانسجام المجتمع، ورفع درجة الوعي الأمني حول الحرب الناعمة، وخاصة في المجتمعات النامية التي «تفتقر إلى إمكانيات مجابهة» هذا النوع من الحروب.
ينظّم قسم علوم الإعلام والاتصال بجامعة يحيى فارس بالمدية، بالتعاون مع فرقة مشروع البحث التكويني الجامعي «تكنولوجيا الإعلام والاتصال للنظام الإعلامي الجديد والأمن المجتمعي في الدول النامية»، الملتقى الوطني الأول «الحرب الناعمة في عصر الإعلام الجديد وتداعياتها على الأمن المجتمعي»، وذلك في السابع من ديسمبر المقبل، فيما يمكن للباحثين إرسال ملخصاتهم إلى غاية الثلاثين من الشهر الجاري.
وحسب ما أكده لنا رئيس الملتقى، د.إبراهيم سعد الشاكر فزاني، فإن هذه التظاهرة العلمية تهدف إلى المساهمة في إثراء الجانب المعرفي حول الحرب الناعمة والأمن المجتمعي، وكذا لفت انتباه صانع القرار في الجزائر إلى مدى خطورة الحرب الناعمة على وحدة وانسجام المجتمع، وتقدير ورصد واقع الحرب الناعمة على الأمن المجتمعي في الجزائر، كما يرمي الملتقى إلى الرفع من درجة الوعي الأمني حول الحرب الناعمة، وخاصة في المجتمعات النامية التي تحتاج شعوبها إلى تحسين الواقع نحو الأفضل.
ويطرح الملتقى إشكالية «كيف تؤثر الحرب الناعمة في عصر الإعلام الجديد على الأمن المجتمعي؟» ويأتي هذا السؤال الإشكالي في وقت أدى التطوّر المستمر والمتزايد في تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة إلى إحداث تغيرات جوهرية في حياة الأفراد والمجتمعات والدول، وذلك عبر مجالات مختلفة: اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وسياسية، وأمنية. كما أحدث التقدّم الكمي والنوعي الهائل في وسائط الإعلام والاتصال الحديثة، ثورة في طريقة تبادل المعلومات والاتصالات، إذ أن «تراجع القيود التقليدية أمام إنتاج وتوزيع المعلومات مكّن منتجي ومستهلكي وسائل الإعلام الجديدة من التواصل، التنظيم، التعلم والمشاركة في مجتمعاتهم الأصلية بكفاءة لا مثيل لها من قبل، وهذا ما أدى إلى اختراق كافة الأنسجة الاجتماعية والإنسانية»، بحيث «تسلّلت وسائل الإعلام والاتصال إلى داخل البيوت، وجادلت العقول، وأثارت المشاعر والعواطف، وأصبحت في متناول الأطفال والمراهقين والشباب بفضل توفرها بسهولة، واستعمالها ببساطة».
وقد ساعدت ثورة الجيل التكنولوجي الرابع على تحويل المعركة إلى الميدان الناعم، وأدواته التكنولوجية والاتصالية والثقافية الأقل تكلفة والأكثر جاذبية وتأثيرا، فبرز ما اصطلح على تسميته «الحرب الناعمة»، التي تعتمد بصفة كبيرة على تكنولوجيا الإعلام والاتصال الحديثة، وهي «كل عمل ناعم يستهدف القيم والمعتقدات في المجتمع»، وجوهر الحرب الناعمة هو القوة الناعمة، التي «تنشأ من الجاذبية الثقافية لبلد ما، أي القوى غير التقليدية مثل السلع الثقافية والتجارية».
ويرى منظمو التظاهرة أن ما يميز الحرب الناعمة عن باقي الحروب الأخرى، هو «تركيزها على البعد الثقافي»، إذ نجد من أهم الوسائل التي تستخدمها المنتجات الثقافية (السينما، الموسيقى، الألعاب الإلكترونية وغير الإلكترونية...)؛ والإعلام (المنشورات، الإذاعة والتلفزيون، ووكالات الأنباء...)؛ الفضاء الافتراضي (تكنولوجيا الاتصال الحديثة لاسيما منها الأنترنيت، المواقع الإخبارية، منصات شبكات التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بالإعلام الجديد).
وتتمثل استراتيجية هذا النوع من الحرب في الاستمالة، والإغراء، والجذب، فهي تعتمد على ما يجري في عقل المتلقي، وهي القدرة على تشكيل تصورات الآخرين وتوجيه سلوكهم طواعية، فهي الجاذبية المؤدية إلى السلوك المرغوب والمطلوب من دون إكراه أو ضغط. وتؤدي الحرب الناعمة إلى إحداث تغيرات في المنظومة القيمية، لا سيما في المجتمعات النامية التي تفتقر إلى إمكانيات المجابهة، ما يؤثر على هويتها الثقافية، عن طريق برمجة الوعي الجمعي من خلال التأثير عليه بهدف السيطرة والتحكّم في سلوكياته، وتوجيهه نحو أفكار ونماذج سلوكية جديدة، وعلى هذا الأساس يشكل المجتمع الميدان الخصب والمناسب لنمو وتطوّر الحرب الناعمة، ومما يساعد على نجاح هذه الحرب انتشار الآفات الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وهذا ما ينعكس سلبا على الأمن المجتمعي، خاصة وإن كان الهدف النهائي لهذه الحرب ليس احتلال الأراضي والأقاليم، وإنما احتلال عقول الشعوب والتحكّم فيها عن بعد.
في هذا السياق كله، يأتي طرح هذا الملتقى الوطني لمعالجة ما ذُكر من واقع جديد في عصر الإعلام الجديد، وذلك من خلال تقصي وتحري الجوانب الخفية للحرب الناعمة، ورصد تأثيراتها على الأمن المجتمعي في الدول النامية، ومحاولة طرح الحلول الكفيلة بما يضمن أصالة، وحدة وتلاحم المجتمعات أمام هذا النوع من الحروب. ولمعالجة أحسن للموضوع، حُدّدت محاور للملتقى، على غرار الخلفية النظرية والفكرية للحرب الناعمة، والإطار النظري والمفاهيمي للأمن المجتمعي، وأساليب وأدوات الحرب الناعمة، وآثار الحرب الناعمة على الأمن المجتمعي، ونماذج وتطبيقات الحرب الناعمة في بعض الدول العربية، وأخيرا سبل مواجهة الحرب الناعمة.