في عيد الاستقلال.. عهد الشهداء لا يحول ولا يزول..

يا علــي.. موت واقف

بقلم: الدكتورة حليمة قطاي

 لطالما مثّل الاسم الجزائري العزّة والأنفة العربية، الجزائريّ الذي لا يملك إلا تاريخه كتعريف له، ولا هويّة إلا فعله المقاوم الذي إن زال زلّت؛ ولعلّ أكثر عبارة تعبّرُ عن هذا الشموخ حتّى في شكل وصورة الموت؛ هي عبارة: “يَــا عْلِيْ موْتْ وَاقَفْ”، تلك العبارة المؤسّسة لسيميائيّة العزّة والخلود، فالبطولة أن تبقى كسيف – راشقا- في عين عدوّك، حين ينادي الرّفاق على الرّفيق: متْ واقفا واثقا مثل شوكَة في عين السّجان، ولا تشفِ غليل عدوّكْ، وأبقِ رأسكَ شامخًا وإنْ تخلّل الجسدَ كلُّ رصاص العدوّ وحقدُه، فمنطلق الثّورة في الروح الجزائريّة ماثل كأسلوب حياة؛ الثّورة بما هي عملية تغيير راسخ كما يعبّر عنها مالك بن نبي، تبدأ من الإنسان في ذاته وتنطلقُ في كلّما حوله..
يراودني هذا الحديث في المخيال وأنا أراقب، ككل جزائريّ وككل متابع في العالم، مواقف الجزائر الّتي لا تتغيّر ولا تتزعزع بتهديد أو وعيد، الجزائر التي تُكال لها التّهم والذرائع لأجل أن تكون رقما في قطيع المطبّعين والخائنين.
وفي الذّكرى الثالثة والسّتين للاستقلال والحريّة، أحبّ أن أشير إلى قيمة هذه الثّورة العظيمة والثمن المبذول، لا في أذهاننا نحنُ الأبناء المنتمين كأعراف إلى هذا الجذع الخالد من الممانعة والثّورة فقط؛ بل من خلال استذكار هذه الثورة كثيمة متداولة وعن العظمة والاستحقاق خاصة في العامين الأخيرين، بعنوان “طوفان الأقصى”، فكلّما كان البذل أكثر في مقابل الطّغيان والتغوّل الأكبر في العصر الحديث، أعطى المحلّلون والمنّظرون والمعلّقون مثالا لهذا الصّمود بهذه الثورة العظيمة وبالبذل الذي قدمته في مقابل نيل حرّية الأرض والشرف، ولم يكن للجسد ولا للإنسان من قيمة حتى نيل الحرية كاملة؛ بل إنّه في مقابل ذلك أبيدت قرى بأكملها، وحذفت عائلات من سجلّات البلديات؛ بل أنهت قبائل بما فيها كقبيلة العوفية عام 1932 حيث قتلت فرنسا في مجزرة واحدة 1200 جزائريا، وإحراق قبيلة أولاد رياح في كهوف الظّهرة لتخويف كل من يقف مع المقاومة، حين تحالفوا مع مقاومة بومعزة، فقتلوا 760 شخصا في ليلة واحدة، وأحرقوا المواشي والدواب ولم يبقوا على الحرث والنّسل، وإبادة عرش الزعاطشة بما فيه مما يمثل الحياة، لينهي عبّاد الظلام حياة المئات المقاومين من أهل قبيلة الزّعاطشة نظير مقاومتهم ورفضهم للاحتلال، ويعلّق رؤوس الأبطال على مشارف القرى، ويحرّق آلاف الأشجار من واحات النخيل؛ وفي الأوراس يقضي على قبيلة كاملة في وادي عبدي؛ فتتساوى الصور ويتقلص التاريخ بما فيه فيصبح صورة واحدة.
وكان من المناظر المؤلمة الّتي لم تشهدها الكاميرات ولا تناقلتها القنوات كما يحدث اليوم مع غزة، وما أشبه الصورتين حد التماهي؛ لأن المستلب واحد في تنظيره للقتل والإبادة، صور الأطفال المحترقين وهم ملتصقين بصدور أمهاتهم في حال رضاعة من أفضع الصور التي تحدث عنها بعض الصحفيين الإسبان، أو علّق فرنسيون بأنهم تجاوزوا همجية البرابرة الذين جاؤوا لتحريرهم وتحضيرهم.
هناك صور كثيرة متشابهة لا ينساها التاريخ ولا تسقط من الذاكرة كما لن يسقط ما يحدث في غزة وإن سكت وصمت إنسان العالم الحرّ الذّي بدا متعنّا متجاوزا كل فلسفاته منهيا كل عدالاته اليوم فإنّ التّاريخ لا ينسى، ولا يُسقط هذه الصور، ولا يجمّل تلك البشاعات؛ ولهذا يظلّ فعل المقاومة مستمرا عند الجزائري فعلا راسخا في الدبلوماسيّة الجزائرية المقاومة بفعلها كلّ أشكال التغوّل والطّاغوت في العالم المدّعي للحريّة والإنسانيّة الزّائفة.
نحنُ لا ننسى، وسنظلّ نقاوم بشتى صور الرفض والممانعة، نحن أبناء اليوم الذين يعوّل المهربون من التّاريخ لحظاتهم الزائفة  لن ننسى كما يدّعي كل استعماريّ نازيّ بائد: “الكبار يموتون والصغار ينسون”، بل إن الأجيال القادمة ستؤسس لطوافين تشعل ماءَها نيران الذّاكرة المستعرة، وسنقرأ أيامنا لأبنائنا في الجلسات في الحكايا والأشعار والمسامرات، قصيدا وروايات، قصصا للكبار وأغنيات.. كل يرسخ فعل المقاومة بما يعرف، فعل المقاومة الذي هو غريزة في كلّ جزائريّ...وستأتي أجيالٌ تطالب بحق الذين انتهت حياتهم على يد قاتلي التّاريخ؛ مهما اختلفت الجغرافيات أو تخالفت أجناس البشر فقدر الجزائريّ أن يكون مقاوما.. وستجيئ أيام تاريخنا الرّافض للظّلم لتذكّرنا ولترسّخ فعل المقاومة ورفض العنجهيات ولتبيح بقوة كسر الجبابرة، “إننا سننتصر لأننا نمثل المستقبل الزّاهر، وستهزمون لأنكم تُريدون وقف عجلة التّاريخ التي ستسحقكم.. “، وما أشبه اليوم بالبارحة.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19814

العدد 19814

السبت 05 جويلية 2025
العدد 19813

العدد 19813

الخميس 03 جويلية 2025
العدد 19812

العدد 19812

الأربعاء 02 جويلية 2025
العدد 19811

العدد 19811

الثلاثاء 01 جويلية 2025