«من كل صوب آتت، بكل منهج تجمّعت، بكل لمسة تنوّعت، بكل الألوان تزيّنت، وعبر همزة وصل التقت»: لوحات تجمع بين التراث والأصالة وبين مكنونات فنانين أبدعوا في تصميمها قطعة من أنفسهم، أرواحهم منشورة على جدران قاعة العروض «فرانتز فانون» برياض الفتح، هكذا يعرّف الفنان التشكيلي والمسؤول عن التنشيط عمر خيثر، من خلال هذا الحوار، قاعة العرض التي تجمع ــ يقول ــ في «كل شهر إبداعات كل فنان تلامست مشاعره مع الريشة والألوان»، مركّزا على معرض همزة الوصل الافتراضي والتجربة التي فرضها تفشّي فيروس كورونا.
- الشعب: تعود تظاهرة «همزة وصل» للفن التّشكيلي في طبعة جديدة ومتميزة، حدّثنا عن فكرة المبادرة وعن نسختها الافتراضية؟
الفنان عمر خيثر: مثلما عوّدنا متتبّعي نشاطات ديوان رياض الفتح عبر قاعة العروض الفنية (فرانتز فانون)، من معارض فنية متميّزة وثريّة، تعود «همزة وصل» في طبعتها الثانية بثوب جديد فرضته علينا جائحة فيروس كوفيد 19، أن يكون افتراضيا عبر منصّة رقمية في موقعنا الالكتروني: www.oref.dz تحسّبا لمنع انتشار هذا الوباء والوقاية منه.
- من يشارك في هذه الطبعة؟ وما هو الشّعار؟ ولماذا اختيرت هذه التّسمية؟
استلهمت تسمية «همزة وصل أي «trait d’union»، من مسيرة كبار فنانينا التلقائيين، وحرصهم على التواصل مع الجيل الجديد وتسليمهم مشعل الإبداع، ليحملوا بدورهم أجمل معاني تراثنا الثقافي، عاداتنا وتقاليدنا، أصالتنا وجذورنا، وهم عبارة على همزة وصل بينهم وبين الجيل الجديد. وهذه التسمية لها دلالة أخرى، وهي أن يكون هذا المعرض الجماعي همزة وصل بين الفن التشكيلي والجمهور.
«همزة وصل» معرض يجمع أكبر عدد ممكن من الفنانين من ربوع الوطن عالميين منهم، محترفين، في طريق الاحتراف، تلاميذ وحتى المبتدئين. بهذا المحتوى تكون الأهداف المرجوة بلغت بالاحتكاك وتبادل الخبرات، فإن الأروقة هي مدرسة دائمة للأخذ والعطاء بين الفنانين من جهة وتأمل الجمال واقتنائه لمحبي هذا الفن الراقي من جهة أخرى.
يشارك في المعرض 130 فنانة وفنان، تنوّعت أعمالهم بين المدارس المختلفة: الواقعية، الانطباعية، التجريدية، الطبيعة الصامتة، المنمنمات، الزخرفة، الخط العربي، الحروفيات، الصور الفوتوغرافية، النحت، وحتى اللوحات الرقمية في الفن المعاصر. شارك كل فنان بلوحتين لنضع بين أيدي المشاهد 240 تحفة فنية، بجودة رقمية عالية ليتسنى له التمتع بجماليات مكنوناتها وألوانها ومواضيعها.
- ما هي نظرتك إلى واقع الفن التشكيلي في الجزائر؟ وهل الانتعاش الافتراضي الذي عرفه مؤخّرا عاد على المجال بفائدة ما؟
لم يكن واقع الفن التشكيلي في الجزائر مشرفا بقدر تشريف الفنانين الجزائريين بلدهم بين الأمم الأخرى،الفنان يبدع بالفطرة والموهبة، رغم كل الاحباطات التي يتعرض لها بسبب سوء التسيير وعدم الاعتبار له، الكثير من الفنانين المبدعين اعتزلوا من شدة بؤسهم وعدم الاهتمام بهم من قبل جمهور ثقافته منعدمة في هذا المجال. ويعود هذا بالدرجة الأولى تاريخيا إلى التهميش والتجهيل الممارسين من طرف الاستعمار الغاشم على آبائنا وأجدادنا، فلم يجد الفنان الآن من يحس به أو يقدّر مجهوداته بما يحمله من جمال في نفسه، ويقع اللوم اليوم على مسؤولي هذا القطاع وحتى على الكثير من وسائل الإعلام، فهناك برامج تليفزيونية فنية وثقافية، غالبا ما ينعدم فيها حضور الفنان التشكيلي وحين يحضر فبهدف انجاز لوحة للبرنامج فقط، ولا تكون هناك مناقشة ثرية معه أو حول أعماله، حتى اقل شيء في البرامج الساخرة مثل الكاميرا الخفية تنعدم استضافة فنان تشكيلي، فنجد إما مغنيّين أو ممثلين..
للأسف لا مكان له في مجتمعنا لا في السراء ولا في الضراء، وللأسف الفنان التشكيلي ليس معنيا بالإعانة التي منحتها وزارة الثقافة للفنانين عن طريق الديوان الوطني لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
- في خضم جائحة كورونا المستجدة، كأن الفنان التشكيلي ليس له عائلة وأبناء..فكيف يعيش ويكون فاعلا في هذا المجتمع؟
«إنعاش» بدل «انتعاش» كلمة في مكانها، نعم هذا الفن يعيش في انعاش مستديم حتى على المنصة الافتراضية، الشيء الجميل هو أننا اكتشفنا موهوبين جدد عبر الانترانت، وفي هذا الحجر المنزلي وجد الفنان الوقت الكافي لاستخراج طاقاته الإبداعية وتقاسمها مع الزملاء ومحبي الفن عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
- يحتاج الفن التشكيلي إلى سوق لترويج الأعمال والتعريف بأصحابها، فهل عندنا سوق وطني؟
فعلا يحتاج الفن التشكيلي إلى سوق للترويج والتعريف بالفنانين، الكثير من لوحاتنا تقتنى من طرف الأوروبيين وغير أبناء الجزائر، لماذا؟ لأنّهم فهموا أن الفن الجزائري راقي جدا عكس أبناء الوطن، وسوق الفن في الجزائر للأسف الشديد، منعدما تقريبا.
- هل فكّرتم في الطّبعة القادمة للمعرض؟ وهل ستكون هناك طبعات افتراضية أخرى بعد انجلاء الأزمة؟
في الحقيقة ليس في برنامجنا معرض «همزة وصل» فحسب، هنالك 4 معارض كبرى على مدار العام يصادف كل واحد منها إحدى الفصول. «همزة وصل» من المفروض في فصل الشتاء لكنها تأخرت بسبب جائحة كورونا،
«زهور وألوان» يقام في فصل الربيع وهو معرض جماعي مخصص للفنانين الأطفال حتى سن السادسة عشر، ثم يليه معرض «طلة على البحر» في فصل الصيف مفتوح لكل الفنانين الذين يرسمون كل ما يتعلق بالبحر، وأخيرا «ألوان الخريف»، وهو معرض جماعي لفصل الخريف مخصص لتقنية الألوان المائية، وتتخلل هذه المواعيد الأربعة معارض فنية مختلفة فردية أو مزدوجة.
وكل المعارض التي ينظّمها ديوان رياض الفتح ستكون لها نسخة افتراضية حتى بعد انجلاء هذا الوباء إن شاء الله، حتى يتسنى لكل العالم الاستمتاع والتعرف على فنانينا وعلى مستواهم الراقي وإيصال الصدى، كما سيتسنى أيضا لمن فاتته الفرصة في المشاركة هذه المرة، أن يكون حاضرا معنا في الطبعات الموالية...
- ما هي رسالة المعرض إلى محبّي الفن التشكيلي وإلى القائمين على الوزارة الوصية؟
معرض «همزة وصل» له العديد من الأهداف التي سبقت وأن ذكرتها ومنها أيضا فتح الباب أمام لكل من يحاول الخوض في هذا المجال، لنشجعه على المواصلة ونمنح له فضاءً للتعبير الفني.
وأطلب بالمناسبة من المسؤولين على هذا القطاع التفاتة للفنان التشكيلي الذي يعاني الويلات، فأنا أرى المؤسسات الوطنية والفنادق الفخمة مزينة بلوحات مطبعية وأعمال فنانين أجانب والفنان الجزائري يكدس لوحاته في بيته دون وجود من يشتريها أو يهتم بها، وما هذا سوى مثال صغير عن المشاكل وللبقية حديث طويل.
- هل يمكن التّذكير بالطّبعة الأولى من المعرض؟
الطبعة الأولى لهمزة وصل كانت تجربة ناجحة جدا، كان لها صدى طيبا جدا من حيث التنظيم وجودة اللوحات، شارك فيها أكثر من 76 فنانا من كل أنحاء الوطن، وفي يوم الافتتاح نظمت فرقة اثران الموسيقية والمغنية هانية بختي بنت الفنان التشكيلي عبد الرحمان بختي حفلا ساهرا على شرف الفنانين المشاركين.