التشريع الوسيلة الأنجع للتصدي لـ «الاستعمار الرقمي»
تناول وزير الاتصال الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، في مؤلفه، الجديد الموسوم: « بأي قانون نتحكم في النت»، إشكالية القوانين والضوابط التي تتيح سلامة وأمن الإبحار على شبكة الانترنت، في ظل تسارع التكنولوجيات الحديثة والتنافس الشديد للمؤسسات الاقتصادية الرقمية للدول المتقدمة والرأسمالية وسعيها لبسط سيطرتها على عالم المعلوماتية والأسواق والتجارة الالكترونية وفرض هيمنتها على شعوب الدول الناشئة والعالم الثالث، من خلال مراقبتها للحياة الخاصة لشعوب هذه الأخيرة.
يسلط الكتاب الصادر هذه السنة باللغة الفرنسية عن المؤسسة الوطنية للنشر والإشهار، في 218 صفحة، « الضوء على مخاطر ما أسماه رأسمالية المراقبة»، هذا الخطر الجديد الذي يحدّق بالشعوب في عصر التطور الرقمي، والذي تمتهنه القوى والمؤسسات المصنعة للتكنولوجيات الحديثة وعلى ٍمختلف وسائل التواصل الاجتماعي وشبكة الأنترنت، في محاولة منها للسيطرة على التجارة والاقتصاد في صيغتهم الالكترونية الجديدة.
تناول بلحيمر في كتابه دراسة تحليلية لمخاطر مراقبة المعلومات، و لمحاولات فرض الهيمنة على شعوب الدول في طريق النمو من خلال مراقبة المعلومات والحياة الشخصية لرواد الأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وكذا منصات التجارة الالكترونية.
ولم يقتصر الكاتب على التحذير من هذا الاستعمار الرقمي الجديد، الذي يعرف انتشارا ممنهجا، تحت راية «رأسمالية المراقبة، المعرفة، بحسبه أيضا «الرأسمالية المنحرفة»، والتي تعتمد في انتشارها على « الثراء والقوة و التحكم في التكنولوجيات الحديثة في الاختراعات الرقمية، التي تطور بها الشبكة ووسائط التواصل الاجتماعي «- بل يرى أن هذه الأنظمة المراقبة تمتلك نقطة ضعف إذا استغلت جيدا وبذكاء، قد تقلب الموازين ضدها.
ويشير الكاتب هنا أنه لا «ازدهار خارج الشرعية أو القانون»، و أن الأمر يحتاج من المجتمعات المستهدفة «نظرة تعتمد على القوانين النابعة من « ثوار ديمقراطية مهددة، مشرعين، مواطنين ومختصين، منخرطين، وواعين أن وحدها «الديمقراطية قادرة على الحفاظ على حقوق الشعب.»
ويرى بلحيمر أن قوانين حماية الحياة الشخصية الخاصة والمنافسة في ذلك عنصران حيويان، لكن غير ناجعين، مؤكدا «أن القانون الذي لم يقل كلمته الأخيرة بعد، هو من قد يضع حدا لتمادي «رأسماليي المراقبة « في مشروع استعمارهم الرقمي، كونهم «يخشون القانون، و يخافون من المشرعين، و يخافون أيضا أن يطالب المواطنون بمسار محايد، معتبرا أن على المشرعين و المواطنين أن يتحدوا حول «مشروع حماية المستقبل الرقمي للديمقراطية».
ويبقى التصدي إلى «رأسمالية المراقبة»، من خلال سن القوانين الحامية للخصوصية الفردية وللمعلومات الشخصية المتداولة عبر النت، هو حماية ضد التبعية الاقتصادية الجديدة التي تحاول القوى المتحكمة في التكنولوجيات الحديثة والرقمنة فرضها على الآخرين، وأكثر من هذا هو حماية للهوية الثقافية، والحريات الفرديةوالاستقرار الاجتماعي والأمني لشعوب الدول النامية من مخاطر الاستعمار الرقمي الجديد.