بقلم: د. حمام محمد زهير
لقلب فنجان رخامْ
والقهوة أنثى لا تقبل الازدحامْ
وأنا صاحب الاثنين
أعفاني اليأس من رأب الصدوع
وتبييض السواد
من طعنات اللئامْ
أقول للذي لازال يهواني عطفا
على حزني القديمْ
اِتئدْ
فأنت تعلم كم أنت أنت
وتعلم كم أنت عندي
وتعلم كم هو صعب على الروح ابتذال الحياة
كما هو صعب على العين
ابتذال الدموع
والقلب يألف جرحا بعد جرج
سهام الكلامْ
لم ينفطر ولم يذكر
ولكنه حين اشتهى موته راح ينحت قبرا
كفوهة حبر على ورق من ظلامْ
وتلك الحروب التي خاضها عدلا وظلما
مضتْ.....
استعمل الشاعر أربع مسميات ( القلب، الفنجان الرخامي، القهوة، الشاعر) النظرة ارستقراطية والمعشوقة نبيلة كلها مترابطة أدت إلى شفائه من الصداع والطعنات والحزن المقيد مما يجعلنا نؤيد طرح أن المعشوق ( القلب ) مغيب تأثيره ، ولم يقم بأي شيء من العشق، ومبلغ العلم وقيمته وصعوبة الروح في ابتذال الحياة أو الدموع هي من المهمات الصعبة التي لا يعلمها القلب، لأن ألفة القلب وسهام الكلام والانفطار واشتهاء الموت كلها نواغص في طريق القلب أدت به إلى خوض حروب قائمة في متتالياتها كالمنام، فهو طوعا أراد أن يفضي عن تعدد موتى صديقه القلب فليت التمني يدركه مهما كان الموت معبرا و نافذة فهو حتما موت جميل، و شفق لا يزول هذا ما أراد قوله.
أنتربولوجيا
راودني (حنين الكتابة النقدية الانتربولوجية) على ما يكتبه أدباؤنا من جداريات شعرية قصصية، هي أشبه (بماقيل) يقال حتما واضطراريا في بعض الحالات، وفي البعض الأخر تخرج هكذا، دون واسع انتظار، ووجدتني في هاته العجالة ألامس مفهوم «االمربع الجميل» عند الشاعر اسماعيل عريف.
انطلق الشاعر «اسماعيل عريف» ، من القلب في محاولة جادة أراد من خلالها استنطاق «ما قيل القلب»، بأسلوب مختلف لم يألفه العامة من الناس الذين نظروا الى القلوب من زوايا مختلفة، لم يتوقف عندها الشاعر اسماعيل إلا في بعض من» التعرجات التخيلية له»، أهمها ربط القلب بالقهوة، ودلائل الطعن والقيمة النفسية، للذات الشاعرة ومنطق الحياة، وانهمار الدموع، من اجل هتك الحياة وانحصارها داخل حفرة القلب.
نعود إلى بداية التركيب، بدأ الشاعر قصه «بعلاقة متباعدة» بين القلق والقهوة وهي علاقة مجازية تقام إنسيا على أساس اطمئنان القلب لما يتخاطر القلب في لحظة تركيز يحيلها « فنجان القهوة» إلى نوع من الراحة المصطنعة في عالم المجاز هذا الذي تعافى من كل البلاءات، إلا من متراس القهوة الذي يظل يداعبه حينا وأطوارا وكأنه ينفي على رأسه كل الصدوع، رغم أن القهوة التي قال فيها إنها (هي هو)، مزيلة للصدوع. فقد ابلغنا مبلغ العلم بأنه معفى من الصدوع، وهو ما يجعلنا نتحدث عند البساطة بان صاحب المقاهي والذات العالقة في الكافيين المستوي على الراحة والبال الحس ، جميعهم إحساس بالاستقرار، فإن كان القلب (فنجان رخامي) فهو ملك للشاعر.
الحياة هي استمرار وتوليد من الحفر إلى الورق
أراد إسماعيل عريف من خلال هذا الطرح أن يبين «طبعه الرخامي العالي»، ومقام أنثاه التي تعيش منفردة بلا ازدحام تعتبر هذا المدخل جميل للتعريف بمكانة القلب والفنجان الرخامي، وكيف إنهما أبعداه عنه كل طقوس المعاناة التي تسبب فيها (المعاتبون والساكنون في بقيعة الظلام)، ينهي الشاعر «قضية التهويل « وعدد آثام اللئام العابثون معه، ثم يتوجه إلى محبوبه الذي تألم لماضيه وحزنه موجها له كلام في شكل حوار قائم على صراحة «خبراتية مختلطة» بنصح الأيلين المتساوين معه في العلم واللاعلم ، قامت على بعض المقاسات منها» صعوبة ابتذال الحياة» من قبل الروح وصعوبة ابتذال الدموع من العيون، وكل هاته المقروئية إنما ليحدد من خلالها أن القلب الذي يحمله هو قلب كبير يحوي كل صنوف القهر والانفطار، وحتى وهو في مرحلة متقدمة استدعى أن يشتهي قبرا يلفه الظلام بكل أريحية، لأنه قاسى وعانى بحسبه من ويلات سماها حروب، ولأن الزميل كفيل من مقت الحروب فقد أراد الشاعر أن يتناسى أو يهرب إلى قفر آخر، فلم يجد الى ذلك سبيل بل يستحضره موج من المداد ليكبت الفراغ والدموع هطيلة، ولكونه موهوبا من عطاءات الشعر فهو قد أوصى نفسه بأن لا تنقطع أن تغوير مسافاتها للحفر في الذات باحثا عن شيء يحيا فيه إلى الأبد، كلما حلت مرحلة أخيرة من اليأس الفاقد للوعي، لأن الحياة هي استمرار وتوليد من الحفر إلى الورق، فالقصيدة على غرابتها اللفظية سجلنا تداخلا بين مسميات المعاني تارة وتارة أخرى بين حقيقة أفعال القص داخل السياق العام له ورغم أننا أدركنا أن الشاعر أراد أن يقول أمنه من القبر قد تنطلق حياة أخرى تستعرض الزمن الجميل وبكل تفاصيله التي تبقى حبيسة الجمال الاخاد.