جاهزية المستشفيات والأطباء لمواجهة التداعيات
يؤكّد الارتفاع الملحوظ في عدد الإصابات اليومية بفيروس كورونا دخول الجزائر موجة رابعة، يصنع اللقاح فيها والالتزام بالإجراءات الوقائية فارقا في منع بلوغها الذروة أو تجاوزها شدة وقوة سابقتها، وبين معادلة الوعي ولامبالاة وجرعة الحماية والأمان بقي ضعف نسبة الإقبال على مراكز التلقيح أكبر مخاوف الأطباء والمختصين، بالرغم من جاهزية الأطقم الطبية والمستشفيات لمواجهة تداعياتها على مجتمع يتمسك بـ«عنجهية” غير مبررة ليبتعد عن طريق “السلامة” بتردده في اختيار الحل الأنجع والأنسب لتعايش سليم وصحيح وغير مؤذ مع الوباء.
في حديثهم إلى “الشعب” اتفق مختصون على أنّ التلقيح أول حل للحد من قوة الموجة الرابعة ومنع بلوغها شدة الثالثة، فيما أكدوا توفر مادة الأوكسيجين والأدوية من مضادات تخثر الدم والمضادات الحيوية المتعلقة بالبروتوكول العلاجي لفيروس كورونا، وكذا استعداد الأطقم الطبية لمواجهة أيّ طارئ صحي وتحضير المستشفيات ومصالح خاصة لاستقبال المصابين الجدد بكوفيد-19.
بوعمرة: بداية الموجة الرابعة
اعتبر الباحث والمختص في الطب الوقائي بمستشفى تيبازة، البروفيسور عبد الرزاق بوعمرة، في اتصال مع “الشعب” التطورات الأخيرة للوضع الوبائي تأكيد لدخول الجزائر الموجة الرابعة، وبالنظر إلى وصول الإصابات الجديدة عتبة الـ 300حالة وامتلاء مصالح الإنعاش، نستطيع القول بأننا في بداية الموجة التي كانت منتظرة ومتوقعة من المختصين والخبراء، ما سمح للأطقم الطبية على اختلاف أسلاكها –حسبه- التحضير ماديا ومعنويا لمجابهتها.
وتم تخصيص مستشفيات لاستقبال الإصابات الجديدة بكوفيد 19، كما سيتم فتح مستشفيات أخرى حسبما تقتضيه معطيات ومؤشرات الوضع الوبائي، ففي كل ولاية ستخصّص مصالح كوفيد من أجل إتاحة الفرصة للتكفل بمن يعانون أمراضا أخرى.
ولاحظ البروفيسور ارتفاع عدد الإصابات اليومية بكوفيد 19 إلى 299 ثم انخفاضه إلى 245 أمر يستدعي الانتظار قليلا وعدم التهويل، لأنه معطى يجعلك لا تتبع جيدا الوباء، فمن المفروض عند صعود المنحنى من 245 إلى 299 أن ترتفع في اليوم الموالي لكننا لاحظنا أنها انخفضت وهو ما يصعب من مهمة تحديد الوضع الوبائي بدقة، لكن الأكيد حتى الآن هو بداية الموجة الرابعة.
في ذات السياق، أكد أهمية توفير الأسرّة الكافية لاستقبال المرضى خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار سيطرة المتحور “دلتا” على هذه الموجة، فقد كانت للجزائر تجربة كافية في الموجة السابقة من المتحور الهندي، حيث نعلم جيدا تسببه في أعراض معقدة وكذا حاجة مرضاه إلى الأوكسجين بصفة كبيرة، وهو ما جعل الوزارة الوصية تعمل على تحضير المستشفيات للتكفل بحالات الإصابة الجديدة التي تتطلب بقاءها تحت المراقبة الطبية بصفة آنية، وبالحالات الأخرى من المرضى.
وكشف المتحدث أولوية التلقيح على اعتبار أنه أنجع حل للحد من شراسة وقوة الموجة الرابعة، خاصة مع احتمال تسجيل موجة خامسة يسيطر عليها المتحور الجديد “أوميكرون” الذي سيكون انتشاره سريعا جدا، فقد أثبتت الأبحاث الجينية أنّ قوة انتشاره خمس مرات أكبر من قوة انتشار المتحور “دلتا”، لذلك ستكون أسابيع فقط كافية ليتحول إلى المتحور المسيطر في الجزائر، ففي فرنسا مثلا ينتظر المختصين هناك موجة سادسة لهذا المتحور الجديد الذي انتشر في 77 دولة في العالم.
أما عن سبل الوقاية والحماية في الفترة الحالية من الوباء، قال بوعمرة إنها نفسها الاحترازات والتدابير الوقائية السابقة، معتبرا ارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي أو مسافة الأمان أهمها، لكن الأهم هو التلقيح خاصة الجرعة الثالثة التي أثبتت فعاليتها في المرحلة الحالية على تعزيز مناعة الجسم ضد كوفيد 19 وحماية المصاب بالفيروس من الأعراض المعقدة، مثمّنا في نفس الوقت تعزيز وزارة الصحة جرعتي اللقاح بجرعة ثالثة لأنها تجعل اللقاح بصفة عامة ذو فعالية أكبر، فكثير من البلدان حددت مدة التلقيح بأربعة أشهر بعد الجرعة الثانية من أجل تلقيح مواطنيها في أسرع وقت ممكن.
وأشار في حديثه إلى أهمية الجواز الصحي مهم جدا لتحفيز غير الملقحين على أخذ جرعة الحماية، وقال أنّ “ما قامت به فرنسا باعتبار التلقيح تطعيما هو إجبار على التلقيح فمن قبل كان يمكن للاختبار السلبي لكوفيد 19 أن يمنح صاحبه الموافقة على دخول بعض الأماكن في غياب الجواز الصحي.
على عكس ذلك، عند اعتباره تطعيما، ففي هذه الحالة لن يكون الاختبار السلبي كافيا لدخول الأماكن التي تفرض إجبارية الجواز الصحي بل سيكون الوثيقة الوحيدة لدخولها حتى وإن كان “بي سي آر” سلبي، حيث يتم قبول الشخص بالجواز الصحي ولا شيء غيره، واقترح في الوقت نفسه تبني نفس هذه الخطوة من أجل تسريع وتيرة التلقيح خاصة وأنه السبيل للحد من قوة وشراسة أي موجة.
بعض التدابير الاحترازية فقط
بالإضافة إلى الإجراءات الوقائية مع “دلتا” و«أوميكرون”، وللحدّ من قوة الموجة لا بد من العمل على تطبيقها واحترامها في كل مكان، وقال بوعمرة إن ضعف الإقبال على التلقيح والتراخي الكبير في احترام الإجراءات الوقائية يوحي بموجة رابعة قوية قد تضاهي درجتها الموجة الثالثة وموجة خامسة أخرى سيكون دخولها سريعا إن بقي الوضع على ما هو عليه من لامبالاة واستهتار.
وعن إمكانية العودة إلى الحجر الصحي، أوضح أن الإستراتيجية الوطنية لمجابهة كورونا مرتبطة بالوضع الوبائي، وهي أساس تخفيف ثم رفع الحجر المنزلي بعد التحسّن الذي عرفته، في الأشهر السابقة، لذلك وفي حالة ارتفاع حالات الإصابة ستأخذ اللجنة العلمية لمتابعة فيروس كورونا المؤشرات الجديدة بعين الاعتبار.
وفي السياق، ستتم العودة إلى بعض التدابير الاحترازية التي ساهمت في تحسين الوضع الوبائي من قبل، كخفض عدد المدعوين إلى قاعات الحفلات التي تعتبر مكانا مغلقا مما يحوله في غياب التهوية بسبب فصل الشتاء إلى بيئة ملائمة لانتشار العدوى.
لذلك تعتبر التهوية، مع ارتداء القناع الواقي مهمان جدا للحد من انتشار العدوى، إلى جانب تنظيم الأسواق الأسبوعية ووسائل النقل من أجل التخفيف من آثار الموجة الرابعة واستقرار الوضع الوبائي.
تلقيح الأساتذة أولى
أما فيما يتعلق بتمديد العطلة المدرسية إلى أسبوع أو أسبوعين آخرين، أكد البروفيسور أنّ الأبحاث العلمية أثبتت أنّ إصابة الطفل بفيروس “كورونا غالبا ما تكون أعراضها خفيفة بعيدة عن أي تعقيدات صحية، لذلك وبدل التفكير في تمديد العطلة المدرسية لا بد من إقبال الأساتذة وكل مشرفين على العملية التربوية على التلقيح، خاصة من هم في اتصال مباشر مع التلميذ، موضحا أنه من المشاكل المطروحة حاليا الضعف الكبير لنسبة التلقيح في قطاع التربية.
ويرى المختص في الطب الوبائي أنّ أخذ الأساتذة والمشرفين التربويين جرعات اللقاح مع التطبيق الصارم للبروتوكول الصحي الخاص بالمؤسسات التعليمية سيكون كافيا لإبعاد الخطر عن المتمدرسين، فحتى وإن سجلت حالات إصابة وسطهم أثبتت الحالات المسجلة أنها ليست خطيرة، وقد سجلنا في الموجة الثالثة حالات إصابة خطيرة لكبار السن استدعت تزويدهم بالأوكسجين، بينما إصابات الأطفال كانت أعراضها خفيفة، وهو نفس ما سجل في عدة دول أخرى، معتبرا تلقيح الأساتذة والمشرفين والإداريين خطوة محورية وأساسية للتخفيف من انتشار الوباء وكسر سلسلة العدوى في واحد من القطاعات المعروفة بالاختلاط الكبير.
بن عامر: الأوكسجين ومضادات التخثر متوفرة
وفي تشريحه لآخر تطورات الوضع الوبائي، قال رئيس مصلحة الطب الداخلي بمستشفى رويبة، البروفيسور مصطفى بن عامر في اتصال مع “الشعب” أنها تشهد ارتفاعا في عدد الإصابات اليومية وكذا عدد الوافدين من المصابين بالفيروس على المصالح الطبية في المستشفيات، لكن ليس بنفس الحدة التي عرفتها الموجة الثالثة في نفس الفترة من بدايتها في العام الماضي، فإلى اليوم بداية الموجة الرابعة ليست بنفس الشدة في الوضعية السابقة، فيما لاحظ بن عامر أن المصابين بالعدوى هم من كل الفئات العمرية يمثل الأشخاص في سنّ متقدمة النسبة الأكبر، مع ثبات نسبة الوفيات.
أما فيما يتعلق بالأوكسجين المادة الحيوية التي عرفت إقبالا كبيرا عليها في الموجة السابقة، أكد بن عامر أنّ الوضع الحالي متحكم فيه بالنظر إلى الحالات المسجلة، وتوفر هذه المادة بعيدا عن أي مشكلة مرتبطة بتوفرها، حتى في حالة ارتفاع عدد الإصابات، فعلى اعتبار التجربة السابقة اتخذت الدولة عدة خطوات لتوفيرها، حيث لجأت إلى استيراد مكثفات الأوكسجين، وهو ما جعل الأطقم الطبية تعمل في راحة تامة دون تسجيل أيّ نقص، أما فيما يتعلق بالأدوية المتعلقة بالبروتوكول العلاجي لفيروس كورونا خاصة المضادة لتخثر الدم والمضادات الحيوية، أكد البروفيسور توفرها، ما يعني –حسبه- توفر كل وسائل الحماية للطاقم الطبي كالأوكسجين والأدوية.
وفي ذات السياق، ألح المختص في الأمراض الداخلية على ضرورة التلقيح ولاحظ أنه مقارنة مع توفر اللقاح بكميات هائلة بقي الإقبال على التلقيح ضعيفا، موضحا مساهمة عدة أسباب في عزوف المواطن عن التلقيح من بينها انتشار بعض الإشاعات حول الآثار الجانبية للقاح، إلى جانب إصابة بعض الملقحين بالفيروس، وكذا انتشار الاعتقاد بتأثيره على الخصوبة بالرغم من تطمينات المختصين بعدم وجود آثار للقاح خاصة على الخصوبة بقيت هذه الأفكار منتشرة وسط المجتمع.
وكشف بقاء النسبة المئوية للملقحين وسط المواطنين والأطقم الطبية في خانة الضعيفة جدا، مشيرا إلى أنّ الدولة قامت بدورها في توفير اللقاح بكميات معتبرة وهو ما جعل المعادلة غير متكافئة بين توفر اللقاح وقلة الإقبال عليه، فما على المواطن إلا الذهاب إلى مراكز التلقيح لأخذ جرعة الحماية الأولى، والثانية والثالثة لتعزيز المناعة.
وعن الطريقة المثلى للرفع من وتيرة الإقبال عليه، قال البروفيسور بضرورة تكثيف حملات التحسيس والتوعية من أجل حث وتحفيز المواطنين على أخذ جرعة اللقاح، فبالرغم من أنّ إطارات الدولة والشخصيات العامة أخذوا جرعاتهم تحت أضواء الإعلام بقي الإقبال ضعيفا، فهل تمكن رافضو التلقيح والناشطون ضد التطعيم من التأثير على الموطنين سلبا وثنيهم عن التلقيح.
وروّجت بعض المخابر لانتهاء فعالية اللقاح بعد فترة معينة ما يجعل الشخص مرغما على أخذ جرعة لقاح أخرى، وهو ما ساهم في تردد البعض في أخذ جرعة التطعيم، ولاحظ أنّ إصابة الملقحين بالفيروس زاد من تشكيك البعض في اللقاح كحماية من الإصابة، لذلك يرى أنّ تكثيف الحملات التحسيسية، والإقبال على التلقيح والتزام الإجراءات الوقائية ستساهم لا محالة في الحدّ من قوة الموجة الرابعة، خصوصا أنّ العملية الوقائية غير مكلفة وأثبتت فعاليتها ضد الفيروس.
أما فيما يتعلق بالعودة إلى الحجر الصحي، فأكد بن عامر أنه طرح مشكلا في مختلف المجتمعات عبر العالم، لذلك كان الأولى الحد من التجمعات من خلال خفض إعدادها، فمثلا زادت هذه الأيام حفلات نهاية السنة وعليه من الضروري خفض عدد الأشخاص في القاعات مع توفير وسائل الوقاية، خاصة في الفترة المقبلة للحد من قوة الموجة الرابعة لمنع وصول شدتها نفس شدة الموجة السابقة.
كتفي: “ليس الخيار الأنسب”
ومن جانبه، يرى أستاذ الطب التنفسي والأمراض الصدرية ورئيس مصلحة كوفيد بمستشفى الرويبة البروفيسور عبد الباسط كتفي في اتصال مع “الشعب”، أن الوضع الوبائي يعرف ارتفاعا وتزايدا مستمرا في عدد الإصابات الجديدة وهو ما يتماشى مع توقعات المختصين والأطباء، حيث دخلت الجزائر الموجة الرابعة من الوباء وتتجه شيئا فشيئا نحو الذروة، مؤكدا أنّ التحكم فيها ممكن بوعي المواطنين والتزامهم بالإجراءات الوقائية، إلى جانب الإقبال الكثيف على التلقيح فيمكنه أن يصنع فارقا مهما في الوضعية الوبائية وشدة وقوة هذه الموجة، مع حثه المواطنين على ارتداء القناع الواقي لنجاعته في الحد من انتقال العدوى وبالتالي من خطورة الموجة، فكل هذه العوامل بصفة خاصة التلقيح هي الحل الوحيد لتجاوز الأسوأ.
وأرجع كتفي قرار العودة إلى الحجر الصحي أو المنزلي إلى السلطات المعنية، مؤكدا رفضه هذا الخيار، لأن الغلق أصبح من الماضي فدول العالم تلجأ إلى التلقيح والانفتاح في الوقت نفسه، أيّ التعايش مع الوباء مع الأخذ بكل الإجراءات الوقائية يكون التلقيح أولوية الأولويات فيها من أجل بلوغ النسبة المنشودة في المجتمع، بالإضافة إلى الإقبال أيضا على التلقيح بجرعة ثالثة لتعزيز المناعة، وهو ما سمح باستمرارها في بناء بلدانها واقتصاداتها، ما يجعل الحل في التلقيح وليس الغلق.
وفي الوقت نفسه، قال البروفيسور إنّ الطريق الصحيح لتفادي الأسوأ هو السير نحو إقبال كبير لمختلف شرائح المجتمع على التلقيح، ولن يتأتى ذلك –حسبه-إلا بفرض الجواز الصحي ليكون الوسيلة التي تسمح للمواطنين بدخول الأماكن العمومية، ومنع غير الملقحين من نشر الوباء وبالتالي كسر سلسلة العدوى.
ويرى المتحدث أنّ اللقاح هو الحل الواقعي والعلمي والمتبع عالميا لذلك لا بد من إشراك الجميع في حملات التوعية والتحسيس، خاصة الإعلام لترسيخ فرض الجواز الصحي، أما فيما يتعلق بتأثير تطورات الوضعية الوبائية على السنة الدراسية أوضح أن الغلق ومنع التلاميذ من الدراسة كان فعالا في بداية الوباء لأنّ الفيروس كان مجهولا للعلماء والخبراء، بالإضافة إلى غياب حلول أخرى، بينما لا يمكن اليوم اعتبار هذا الإجراء الحل الأنسب.