بدأت الكينوا في الجزائر كزراعة مدمجة في إطار مشروع إقليمي أدخلتها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بمناسبة السنة الدولية للكينوا 2013 إلى عدة دول عبر مشاريع إقليمية، منها المشروع الذي جاء منه دخولها إلى الجزائر ودول شقيقة كالمغرب ومصر ودولة إيران وأخرى.
بداية التجارب كانت في سنة 2014 عبر 7 محطات في الجزائر، أغلبها كان في الشمال بالإضافة إلى 3 محطات في جنوب البلاد، منها بمنطقة جامعة وأدررا وبسكرة بحسب المهندسة الزراعية حليمة خالد، مديرة مزرعة البرهنة وإنتاج البذور بالأغفيان في دائرة جامعة بولاية المغير.
وأعطت مرحلة التجريب التي تواصلت لمدة عامين، نتائج إيجابية في الصحراء الجزائرية ومشجعة جدا، وكان للمشروع تتمة عبر برنامج آخر، بتعاون مباشر بين المعهد التقني لتنمية الفلاحة الصحراوية ومنظمة الأغذية والزراعة العالمية وساعد في ذلك الوسط الصحراوي الذي كان ملائما لإدماج هذا النوع من الزراعات الجديدة أو المدخلة.
هذا المشروع الذي حمل اسم تكثيف بذور الكينوا والتحسيس بها لدى الفلاحين، خلال سنة 2016، والذي كان مشروعا تكميليا لمسيرة زراعة الكينوا، ساهم كثيرا في إنجاح التجربة ومن خلاله تم تعيين 3 فلاحين نموذجيين في المنطقة، أنشئت من خلالهم أولى الحقول الإيضاحية في بسكرة بمنطقة المزيرعة وفي أم الطيور في المغير وسيدي عون في الوادي،وهذه كانت من التجارب السباقة في منطقة الجنوب ومن ثمة انتشرت التجربة وتوسعت.
وبحكم النشاط الذي عرفه حقل أم الطيور، بولاية المغير، احتضنت هذه الحقول العديد من الأيام الإعلامية ومن خلاله، انطلقت زراعة الكينوا لدى الفلاحين المحليين، بمنطقة وادي ريغ، وساعد حقل أم الطيور النموذجي كثيرا في مساعي نشر دمج هذا النوع من الزراعات المدخلة في نشاط الفلاحين المحليين.
وعلى مستوى المحطة بدائرة جامعة، وفي حقول فلاحية بمناطق أخرى في وادي ريغ، شهد نشاط زراعة الكينوا انتشارا كبيرا في وسط الفلاحين وتوسعت حقول الكينوا عبر كل من دائرة المقارين، وفي دائرة الطيبات ودائرة جامعة ومنطقة المرارة، بالإضافة إلى منطقة أم الطيور حتى وصل عددهم لحد الآن في حدود الـ10 فلاحين، ينشطون حاليا في هذا النوع من الزراعات وتتراوح المساحات الزراعية لديهم بين هكتار واحد و2 هكتار.
المكننة حتمية لتطوير التجربة
ويبقى الانتقال إلى مساحات كبيرة في زراعة الكينوا بالنسبة للفلاحين، مرتبطا بتوفر الآلات المساعدة على الحصاد والخاصة بتنظيف وتوضيب هذا النوع من النبات، هذا الأمر الذي أعاق تطوير التجربة، رغم أن هذه النبتة أضحت تلقى إقبالا كبيرا من طرف الفلاحين ووجدت صدى مجتمعيا بين الساكنة الذين أصبحوا أكثر طلبا عليها، كما لاقت قبولا كبيرا من طرفهم وساهمت أيضا الدورات التكوينية والدورات التدريبية في القاعة والأيام الإعلامية للتغذية، بالإضافة إلى الاحتفال مرتين باليوم العالمي للكينوا في الجزائر، حيث كان الاحتفال السنة الماضية عن طريق تقنية الزووم، بسبب ظروف الجائحة، كلها عوامل ساعدت في الترويج لهذه النبتة في العديد من المناطق عبر ولايات الوطن.
ومع ذلك فإن أكثر شيء يعيق تطوير زراعة الكينوا هو المكننة، لأن كل البوادر تؤكد على أن تسويقها لن يعترضه أي صعوبات بالنظر إلى الطلب الكبير عليها، كما أنها وعلى رغم سعرها المرتفع بالنسبة للمستوردة وبعض الكميات المنتجة محليا، إلا أنها تلقى بالمقابل إقبالا من طرف المواطنين.
وتبقى المكننة حلا لتحقيق ازدهار هذا النوع من الزراعات بالنسبة للفلاح المحلي، لأن المسار التقني لزراعتها، سهل بحسب تجارب الفلاحين والمهندسين الزراعيين، إلا أن عملية الحصاد والدرس وما بعدها تتطلب الكثير من الجهد.
ورغم ذلك فإنه من المهم ألا تتوقف تجارب الفلاحين الصغار في منطقة وادي ريغ والمناطق المجاورة في زراعة الكينوا، عند إمكانية تسويق هذا المنتج في السوق ولا بد أن يحاول الفلاح اعتماد زراعة الكينوا كزراعة معاشية ويحافظ على بذورها ويركز على استهلاكها في الوسط العائلي; لأن تحقيق هذه الخطوة في حد ذاته هدف، لأن هذه النبتة تحتوي على فوائد غذائية صحية مهمة جدا، لما فيها من فائدة كبيرة لمرضى السكري والمصابين بالسمنة ومرض فقر الدم، كونها غنية بالبروتينات والحديد والأحماض الأمينية، كما يُمكّن توفيرها محليا على مساعدة مرضى السيلياك لذلك يجب أن لا تكون نظرة الفلاح لزراعة الكينوا مجرد نظرة سوقية فقط.
في هذا السياق، هناك توجه أيضا نحو تشجيع المرأة الريفية للانطلاق في إنشاء وحدات تحويلية للكينوا للقيام بعملية توضب الكينوا ودرسها وغسلها وتنظيفها وتوضيبها يدويا، هذه الخطوة من شأنها تدعيم تثمين هذا النشاط بالإضافة إلى دعم العمل الجمعوي في الاستثمار في الكينوا، من خلال التأكيد على دور المرأة ونشاطها في هذا المجال للتوضيب والتسويق والمشاركة في المعارض الوطنية والدولية وإدماج الكينوا في أطباق محلية جزائرية والإبداع في إعدادها وطبخها والاستفادة من تجارب دول الجوار لتطوير زراعة الكينوا محليا والتي انطلقت نحو الزراعة التحويلية للكينوا.
وينتظر أن تتبنى وزارة الفلاحة هذا النوع من الزراعات، حيث وعدت الوزارة بحسب ما ذكرت المهندسة حليمة خالد، بعد لقاء نشطته في شهر فيفري المنصرم شهد تقديم ورقة عمل وعرف مشاركة ممثلين من عدة جامعات ومعاهد تقنية وفلاحين وخلصت ورشة العمل والمناقشات المنظمة إلى ضرورة تدخل وزارة الفلاحة من خلال تبني الكينوا كزراعة عضوية، صحية عبر مديرية الزراعة العضوية المستحدثة ومن خلالها يأمل المهنيون في إدراج زراعة الكينوا، بحسب الوعود التي تلقوها.
وفي مساع لتطوير زراعة الكينوا في الجزائر مؤخرا تم بمبادرة من المهندسة حليمة خالد ومهندسين وناشطين في مجال زراعة الكينوا في كل من تونس والمغرب التأسيس للملتقى العربي للكينوا، والذي يضم كل المهندسين والإطارات والباحثين المهتمين بالعمل على نبات الكينوا في الوطن العربي والذين تجمعوا، من أجل تشجيع زراعة الكينوا في البلدان العربية على اعتبار أن نفس المشاكل المتعلقة بنقص المياه والمياه المالحة والأراضي القاحلة وطبيعة الوسط الزراعي مطروحة في هذه البلدان، بالإضافة إلى التقارب في طبيعتها ومناخها.
وعلى مستوى المبادرات البحثية، فإن النشاط متواصل من خلال تقديم مداخلات عبر تقنية الزووم لطلبة الجامعة في إطار اتفاقيات مع الجامعة، ويلاحظ أن هناك إقبالا على دراسة نبات الكينوا والبحث فيه كميدان علمي جديد في الشق المتعلق بخصوصية ومميزات التجربة الجزائرية.
وبالعودة إلى ما حققته زراعة الكينوا من أشواط وبما أن الوسط ملائم لزراعتها، فإن الانتقال إلى تحقيق أهداف أكبر بالتفكير في إنتاج الكينوا وتوجيهها إلى التصدير متاح، خاصة أن الدول الكبرى المصدرة للكينوا في أمريكا الجنوبية وبعيدة جغرافيا، لذلك فإن في حال توفر نية حقيقية ورغبة في الاستثمار في هذا النشاط فإن النجاح فيه مضمون للتصدير باستغلال موقع الجزائر الاستراتيجي والعوامل المذكورة، كما يمكن أن تكون بلادنا موردا هاما لتصدير الكينوا نحو دول أوروبا ودول الخليج والدول التي تسجل طلبا متزايدا على الكينوا وبالتالي، يمكننا الذهاب بإنتاجها إلى تحقيق أهداف اقتصادية إستراتيجية.
الكينوا في أطباقنا المحلية
لم تتوقف تجربة الكينوا وسبل إدماجها في المحاصيل الفلاحية لدى الفلاح المحلي فقط بل توجه الترويج للكينوا المنتجة محليا إلى الأطباق المقدمة في الكينوا والتي تنوعت وأدرجت، ضمن النظام الغذائي للعديد من العائلات الفلاحية.
كما أن الكثير من زوجات الفلاحين والطباخين تفننوا وأبدعوا في إدماج هذه النبتة في قائمة الغذاء المدمج للاستهلاك في البيوت وذهب البعض إلى محاكاة الأطباق التقليدية من خلال الكينوا، حيث هناك منهم من اعتمد حتى أوراق نبتة الكينوا والتي تم اعتمادها في طبق الكسكس المحلي ومحاكاة طبق «البيطراف» الذي يعد من بين الأطباق المحلية المعروفة بمنطقة وادي ريغ، حيث يعوض البعض أوراق «السلق» بورق الكينوا، خاصة أن أوراق الكينوا تحتوي على عناصر مماثلة وغنية بالأملاح المعدنية والحديد..إلخ.
التنوع في إعداد أطباق الكينوا فيه إبداع وأيضا تعدد في طرق تحضيرها وكيفيات تقديمها بشكل جاذب، وعلى الرغم من استخدامها الشائع كطبق سلطة، إلا أن هناك من يعتمدها كبديل للكسكس بالإضافة إلى استخدامها كطحين لصناعة الخبز والحلويات وطبق الشوربة بالكينوا عوض القمح والعديد من الاستخدامات الأخرى التي تطرح في الأيام الإعلامية محليا ووطنيا.
ومن خلال تنظيم أيام تحسيسية لمرضى السيلياك بالتنسيق مع الجمعية الولائية لمرضى السيلياك على مستوى المحطات التابعة للمعهد التقني لتنمية الفلاحة الصحراوية ومنه اليوم التحسيسي الذي نظم بمحطة البرهنة وإنتاج البذور بحاسي بن عبد الله بورقلة والذي حاز على اهتمام أمهات المرضى وهدف إلى تعزيز سبل إدماج الكينوا في النظام الغذائي الخاص بهذه الفئة كما تم تقديم العديد من الأفكار لإعداد الكينوا بهدف إطلاع أفراد المجتمع على استخداماتها وتعزيز إمكانية إدماجها كطبق غذائي في نظام الغذاء لدى الأسر الجزائرية.
مردودية بـ32 قنطارا في الهكتار
بالنسبة لانطلاق تجربة الكينوا بورقلة كانت من خلال مزرعة حاسي بن عبد الله، سنة 2015، التي تم خلالها إدخال وتجربة أقلمة 16 صنفا، منها أصناف متقدمة ومتأخرة، كما شهدت هذه المحطة، عدة تجارب أجريت منذ 2015 إلى غاية العام 2021، بهدف اختيار أحسن صنف متأقلم مع المنطقة والخصائص المناخية وطبيعة التربة والمياه وتحديد موعد وتاريخ الزرع الملائم على حسب مناخ المنطقة وتحديد طريقة السقي المناسبة وأيضا تحقيق الهدف الأول وهو اقتصاد مياه الري وجدولة الري والتركيز على أهمية التسميد المعدني والعضوي.
أحسن إنتاج في الكينوا قدر بـ32 قنطارا في الهكتار كان لتجارب أجرتها محطة البرهنة فيما يخص الصنف المتأخر من الكينوا والذي أعطى مردودية إيجابية في التأقلم مع الخصائص المناخية ومميزات التربة والمياه في هذه المنطقة كما أوضحت وفاء موسي مديرة محطة البرهنة إنتاج البذور بحاسي بن عبد الله بورقلة.
وحاليا يجري العمل على إدخال ثقافة زراعة الكينوا لما لها من دور مهم في التغذية الصحية واستغلال الأراضي الهشة المعروفة بنسبة ملوحة المياه العالية بالإضافة إلى نشاطها في تنظيم عدة أيام دراسية وتقنية أخذت اهتمام الكثير من الطلبة والفلاحين من أجل الترويج لزراعتها.
كما أن هناك عدد قليل من الفلاحين بورقلة الذين قاموا بإدخال الكينوا بمساحات صغيرة كتجربة أولية وسعيا لتطويرها، خصصت المحطة موقعا إيضاحيا كما أن أبوابها مفتوحة لتقديم المرافقة الميدانية والتقنية في زراعة هذا المحصول محليا، خاصة أن من شأن دخول الفلاحين المحليين هذه التجربة والمساهمة في توفير حقول نموذجية، تحقيق الانتشار المطلوب للكينوا وتعزيز مساعي الترويج لزراعتها واعتمادها كغذاء صحي هام في النظام الغذائي للأسر الجزائرية.
رحلة إنتشار الكينوا
مرضى السيلياك وجمعية السيلياكيين، قطاع مهم في رحلة نشر الكينوا هذه النبتة المفيدة جدا لمرضى السيلياك باعتبارها غذاء خال من الغلوتين ويرجى تكثيف هذه الزراعة من أجلهم بالأساس أيضا، لأن الكينوا تبقى تثمينا للمناطق الهامشية والمياه المالحة وتوفير بديل مهما للقمح بالنسبة لمرضى السيلياك.
وتعد الكينوا نوعا آخر وجديدا أيضا بالإضافة إلى الذرة والأرز من الأغذية المهمة التي يمكن لمريض السيلياك الاعتماد عليها في نظامه الغذائي المتكيف ووضعه الصحي، حيث يمكن إدماجها في إنتاج الطحين المصنع بدون غلوتين.
رئيسة جمعية مرضى السيلياك بورقلة حنان بوغرارة ترى أن الكينوا، بديل حقيقي للقمح بالنسبة للمرضى، نظرا لما تتوفر عليه من فيتامينات، خاصة أن مرضى السيلياك يعانون من فقر الدم بالإضافة إلى أنها غنية بالحديد كما تعد غذاء خاليا من الغلوتين وهذا أهم شيء، إلا أن نبات الكينوا ليس متوفرا في السوق وإذا توفر في الغالب يتوفر بأسعار ليست في متناول مريض السيلياك.
كما أشارت إلى أن الكينوا كانت في السابق مادة مستوردة، إلا أن نشاط زراعتها محليا يشهد تطورا نوعا ما في منطقة الواحات ومع ذلك فإن أسعاره عند الفلاحين مرتفعة ويبررون ذلك بالإنتاج اليدوي لهذه المادة وعدم توفر المكننة بالإضافة إلى أن المساحات مازالت محدودة.
هذه الجمعية التي تأسست في 2019 وتحصي 130 مريضا مسجلا عبر ولاية ورقلة وأعدادهم في تزايد مستمر، يأمل المرضى من خلال تدخلاتهم في توسيع هذه الفلاحة محليا، من أجل توفير هذا المنتج بالنظر لأهمية فوائده وعناصره الغذائية حتى يكون في متناول كل المرضى وعبر الجمعيات، وبهذا الصدد أشارت رئيسة الجمعية إلى أن بعض الفلاحين قدموا كميات منتجة محليا وتم توزيعها على المرضى في وقت سابق، إلا أن العملية ينتظر أن تشهد خطوات جادة لإعادة النظر في أسعار بيعها، خاصة لمرضى السيلياك عبر الجمعيات المحلية أو حتى من خلال دعم القطاع للفلاحين الناشطين في هذا المجال من أجل توفيرها بأسعار أقل.
(عن مجلة التنمية المحلية)