سلط الضوء على مسار الشهيد النضالي وتصحيح بعض الوقائع التاريخية
استعرض صالح لغرور، شقيق الشهيد عباس لغرور في مؤلفه الذي يعد مرجعا للطلبة والباحثين، أحداثا من تاريخ ثورتنا التحريرية، منها المؤلمة، كما سماها والمتمثلة في الصراعات الأخوية، منبها إلى أنه مهما بلغت تلك الصراعات يجب أن لا تصل بنا الى المساس بانتصارات ثورتنا بأية صفة كانت، قائلا: «فقد وقعت أحداث مماثلة في جميع العالم، هذا ما يجب أن يعرفه الجيل الصاعد».
صدر كتاب عن الشهيد عباس لغرور عن دار الشهاب سنة 2016 ، في 300 صفحة مقسمة إلى 14 فصلا، تطرق فيها الكاتب للوسط العائلي والاجتماعي الذي نشأ فيه الشهيد وشخصيته استنادا لشهادات رفقائه ممن بقوا على قيد الحياة ومحاربته للجهوية، والمطالب الوطنية، وشهادات الفاعلين في اندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، كما تناول العمليات المنسقة في تلك الليلة عبر كل مناطق الجزائر، ورد فعل الاستعمار من توقيف وتعذيب وتهجير واغتيال، وفي الفصل السابع تحدث عن جبال الأوراس النمامشة في مواجهة القوات الفرنسية، والالتزام المغاربي للمنطقة الأولى وفصل آخر بعنوان:» الولاية الأولى انتزاع مشعل الثورة وبداية الصراع على السلطة، ساعة المؤامرات».
في هذا الصدد، أكد الكاتب أن الثورة الجزائرية حققت هدفها الأول وهو تحرير الوطن بعدما يقارب قرنا ونصفا من الزمن، من احتلال غاشم لا مثيل له، وبحسبه فإنه يبقى علينا استكمال تحقيق هدفها الأساسي وهو بناء دولة قوية بثقافتها ووحدتها واقتصادها وباستكمال مسيرتها في البناء الديمقراطي.
أضاف أن هذه الصفحات ليست تاريخا أو مذكرات، لأنه ليس كاتبا ولا مؤرخا فهي تحتوي فقط على قليل من النصوص التي تستحضر مسار الشهيد عباس لغرور وتهدف أولا، وقبل كل شيء إلى تبديد الضباب عن جزء بسيط من أحداث تاريخ ثورتنا في منطقة لم تستفق بعد لكتابة تاريخها رغم دورها الريادي ومكانتها في السلسلة الطويلة لتاريخ وطننا، على حد قوله.
بالمقابل، اعتبر التاريخ عملا مقيدا بحكم خضوعه لمجموعة من العوامل التي يصعب التحكم فيها، منها الانحياز لأسباب شتى كإستغلاله كأداة لأغراض معينة، تقادم الأحداث بفعل الزمن، الإخفاء بفعل عامل الزمن، الإخفاء المتعمد لبعض الحقائق، ذاتية الكاتب وحتى المؤرخ ( انتماء عائلي، سياسي، جهوي).
التاريخ ليس تلخيصا للذاكرة
أوضح في هذا المضمار أن، التاريخ يعتمد نسبيا على ذاكرة الفاعلين والشهادات والسجلات والوثائق الرسمية أو غير الرسمية، قائلا: «يبقى التاريخ الحديث هو الذي يبنى على أساس الوقائع أولا وأخيرا وهو وحده الذي يقارن، وينظم الأحداث بحسب تسلسلها الزمني حتى وإن عرفنا خلال كل العقود الأخيرة، أن التاريخ لم يكن ولن يكون بأي حال من الأحوال مقتصرا على تلخيص الذاكرة».
قال أيضا أن عمل المؤرخ شيء والشهادة التاريخية شيء آخر مختلف تماما، فإذا كان الأول لا يسعى سوى الى الإثراء والنهل من الثاني، فمن الواضح أن هذا الأخير لا يستطيع إدعاء القيمة التاريخية لأسباب متعددة، كما أن الشهادات والمذكرات يجب أن تكون موضوع اهتمام كبير من طرف مؤلفيها، كونهم المحركين الرئيسيين للأحداث في أغلب الأحيان إن لم نقل الأساسيين فيها.
بحسب صالح لغرور فإنه، من غير قصد لا يسترجعون إلا الأحداث التي يحكمون عليها بالإيجابية متجنبين في معظم الأحيان تدوين الحقيقة، كما جرت فعلا ، ومتأثرين في ذلك بالعاطفة وهذا من طبيعة البشر، أضاف يقول.
يرى الكاتب أن الشهادات مقتضبة ومتحيزة أيضا، وذات أبعاد وقيم غير متكافئة وترتبط بعامل الوقت الذي يلعب دورا لا يستهان به في التأثير فيها، فالذاكرة كما يعلم الجميع عرضة للضعف ورهينة للانفعالات الإرادية وغير الإرادية علاوة على استخدام التاريخ لأغراض سياسية لتجنب إستياء السلطة المهيمنة. كما أن أصحاب الشهادات التاريخية يقدمون أحيانا بدون شعور على ممارسة نوع من الرقابة الذاتية، تجنبا للحديث، عما يثير الإزعاج حتى تكون الشهادات ثانوية أو أقل تأثيرا وذلك ما يقلل من الوثوق فيها.
أكد في هذا السياق أن، لكل وثيقة أو كتاب أهميتهما التي لا يمكن إنكارها، الفرق يكمن في الدقة وفي المنهجية المعتمدة والمطبقة للتحقق، من أهميتها والمصداقية هي الجزء المهم في الفهم الشامل لها، فالوثائق وحتى تلك الأكثر رسمية تبقى خالية من الأخطاء التي تقع في كثير من الأحيان بطواعية تامة من طرف أصحابها أو أصحاب السلطة المهيمنة، حيث نجد مقاطع من جمل وتواريخ، أرقام وحتى أسماء اقتطعت عن قصد مع الاحتفاظ بما يرونه مناسبا أو ما يخدم مصالحهم، على حد قوله.
منبها إلى أن بعض المؤرخين الذين لم يكونوا طرفا في الأحداث، يثبتون أحداثا دون إعطاء المصادر الدقيقة لها، معتمدين في ذلك على تحليلاتهم الشخصية، وهذا التصرف قد يؤدي الى الفهم الخاطئ، خاصة عندما يتعلق الأمر بأحداث أساسية. من جانب أخر، يلاحظ أن مذكرات بعض الفاعلين تصدر بعد موتهم ربما لرغبتهم في تجنب أو مواجهة انتقادات محتملة.
أما موضوع أرشيف العدو قال المؤلف، فيجب قراءته وفحصه بحذر وبدقة فقد يكون أحيانا مفخخا، موضحا فيما يتعلق بالشهيد عباس لغرور أن عمله يعتمد أساسا على الذكريات العائلية وشهادات القلة القليلة من مرافقي عباس من الذين استطاع الاتصال بهم، والشهادات والمقالات المنشورة في الكتب التي تناولته والتي تمكن من الإطلاع عليها.