مـــــــــــــــــــــــــن السبّاقــــــــــــــــــــــين فــــــــــــــــــــــي الحركــــــــــــــــــــــة الوطنيــــــــــــــــــــــة المطالبــــــــــــــــــــــين بالاستقــــــــــــــــــــــلال مطلـــــــــــــــــــــع الثلاثينيــــــــــــــــــــــات
حسين عسلة، اسم أطلق على إحدى شوارع العاصمة التي نمر بها صباحا ومساء، لكنّنا بالمقابل نجهل الكثير عن المناضل التاريخي الذي قدّم الكثير من أجل استقلال الجزائر الحديث.
استوقفتنا هذه الشخصية مع شهادات رفقائه في النضال، والتي دونتها الجمعية التاريخية والثقافية 11 ديسمبر 1960، في إصدار بالتنسيق مع المنظمة الوطنية للمجاهدين بمناسبة ذكرى وفاته، وهذا عمل قيّم يساهم في كتابة التاريخ ونفض الغبار عن رموز الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954.
حسين عسلة من أوائل المناضلين في حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، كل الشهادات تجمع على وطنيته وإخلاصه في النضال ونبل أخلاقه.
كرّس حياته لتوعية الجزائريين استعدادا لتحرير البلاد من براثن الاستعمار لولا أن المرض سبقه وتوفي عن عمر لا يتجاوز 31 سنة، وخصّص له سكان الجزائر جنازة تاريخية شارك فيها آلاف الأشخاص، الذين جاؤوا من كل ناحية ليؤدوا له الوداع الأخير.
وجه بارز في الحركة الوطنية هكذا وصفه ابن عمه المجاهد رمضان عسلة، من السباقين للحركة الوطنية المطالبين باستقلال الجزائر مطلع الثلاثنيات، رغم ضعف صحته، قال: “إن حماسه والتزامه ووطنيته جلبت الإنتباه ضمن حزب الشعب الجزائري وحركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث مارس وظائف ومسؤوليات هامة الى غاية وفاته المبكرة في سن 31 سنة”.
وأضاف: “إنّ كفاح حسين عسلة ضد الاستعمار والنهج الذي سلكه لم يذهب سدى، فقد كان له الأثر البالغ على شباب الجزائر العاصمة وعلى شبان قرية مسقط رأسه، الذي انضم الكثير منهم الى صفوف حزب الشعب وحركة انتصار الحريات، وبعد ذلك في صفوف جيش التحرير الوطني”.
من السباقين للانضمام إلى حركة الاستقلاليّين
حسين عسلة من مواليد 20 مارس 1917 بقرية إغيل إيمولا بتزي وزو، قضى جزءا من طفولته في مسقط رأسه وتربى على يد والده عمار ولحاج، الذي يعترف بشجاعته وحكمته كل سكان القرية، حسب شهادة رمضان عسلة.
أدخله والده إلى المدرسة القرآنية والفرنسية في آن واحد، وهكذا تعلم المبادئ الأولى في اللغتين العربية والفرنسية، وفي 12 من عمره التحق بأخيه الأكبر أعراب الساكن في الجزائر، وكان رجل أعمال ومستشارا قانونيا.
واصل حسين عسلة دراسته الابتدائية بمدرسة فاتح إبراهيم أعالي القصبة، كما كان يتابع دروسا في اللغة العربية بإحدى المدارس الحرة.
كان يدرك أهمية التعليم كسلاح في الكفاح ضد العدو الفرنسي، فكان يحث الشباب على التعليم في أي لغة كانت، ولم ينقطع عن التعليم والتثقيف طيلة حياته، وكان يتحكم في اللغتين العربية والفرنسية، يقول ابن عمه رمضان عسلة.
كان من السباقين للانضمام إلى حركة الاستقلاليين وهو صاحب 19 سنة، حيث أسّس في 1936 مجموعة مكونة من الشباب الوطنيين في إقامته، بعدها ربط الاتصال مع محمد طالب، الذي جمع عددا من الشباب في 22 ديسمبر 1942 بمدرسة الرشاد 10 نهج ميدي بالقصبة، وعددهم سبعة شبان وهم محمد طالب، محمود عبدون، حسين عسلة، سيد علي عبد الحميد، أحمد بن شيخ حسين، علي حليت وعبد المالك تمام.
تقرّر خلال هذه الجلسة إنشاء منظمة شبان القصبة، التي نفّذت عمليات فدائية وتوسّعت فيما بعد إلى حي بلكور، حيث أنشئ قسم آخر للمنظمة، وكان هؤلاء قد انضموا الى حزب الشعب الجزائري ودعّموه بمناضلين متحمّسين وذوي كفاءات.
من بين العمليات التي شارك فيها حسين عسلة، تنظيم مظاهرة مع محمد طالب في 30 سبتمبر 1943، حضرها ما بين 400 إلى 500 متظاهر منادين بشعارات “تحيا الجزائر حرّة إلا الفاشية”، في 1944 عيّن عضوا في المكتب السياسي مع بعض أعضاء المنظمة لما تميز به من حيوية وانضباط وسهولة في ربط العلاقات مع الاخرين.
أدّى دورا فعّالا ضمن حزب الشعب منذ توليه المسؤولية رغم متاعبه الصحية، حيث كلّف بمهام حسّاسة من طرف قيادة الحزب داخل الجزائر وخارجه فيما بعد، تنقل عبر التراب الوطني من أجل تنصيب الخلايا السرية للحزب، خاصة في منطقة القبائل أين كان يلتقي المسؤولين المحليين أمثال علي حليت، منسق تيزي وزو، محمد أوشيش، مسؤول منطقة ذراع الميزان.
في هذا الإطار، كلّف ابن عمه رمضان عسلة، كاتب هذه السرية بتكوين خلية لحزب الشعب في بوغني، حيث كان موظفا في مصلحة البريد، وفي 1943 كلفه الحزب مع محمد لمين دباغين بمهمة التفاوض مع فرحات عباس، ورفقائه لوضع أرضية سميت بأحباب البيان والحرية، حسب شهادة محفوظ قداش، عقدت الجلسة في منزل الأستاذ المحامي بومنجل في 02 نهج فيالار الجزائر.
في 1944 تنقّل حسين عبر كامل الجزائر لنشر المبادئ التي يتبناها الحزب ويدافع عنها، ساهم في إنشاء جريدة الحزب عنوانها “L’Action Algérienne”، وكان من بين كتابها حسين لحول، مصطفى لشرف، بن علي بوكرت، قدور سطور، محمد غرسي، وحسين عسلة، كانت توزع سريا صدرت ما يقارب سنة أثّرت تأثيرا كبيرا في أوساط الشباب.
كان حسين عسلة يبعث بنسخ من الجريدة إلى ابن عمه رمضان في بوغني، حيث تقرأ من طرف الآلاف من المناضلين والمحبين في قرى القبائل، توقفت عن الصدور في 1945.
رغم الاضطرابات الصحية التي كان يعاني منها حسين لحول، وهي مرض القلب، إلا أنه كان لا يتردّد ولا يتأخر عن كل العمليات في مواجهة المخاطر من بينها تنظيم مظاهرات 1 ماي 1945، مع مجموعة من رفقائه.
ألقي عليه القبض في المظاهرات رفقة أحمد مزغنة وسجن، وعندما اكتشف أنه يعاني من مرض خطير نقل إلى مستشفى مصطفى باشا، لكنه تمكّن مع رفيقه من الهرب من المستشفى بداية 1945 للالتحاق بقادة الحزب وجدا في انتظارهما سعيد عمران على متن سيارة.
توجّه أولا نحو منزل ابن عمه محمد بن أحمد عسلة الكائن بـ 3 نهج الدكتور رو، لأنه كان ينزف دما من فمه وأنفه نتيجة التعب الذي أصابه أثناء هروبه. عندما تحسّنت حالته بعد أيام، أخذه صديقه سعيد عمراني إلى مكان آخر، حيث دخل في السرية التامة لينشط مع بعض القياديين، الذين تمكّنوا من الإفلات من الشرطة الفرنسية، وفي 1946 أصدرت الحكومة الفرنسية عفوا شاملا لصالح الأشخاص الذين شاركوا في أحداث ماي 1945.
في أكتوبر 1946، وبتكليف من قيادة الحزب سافر عسلة إلى فرنسا لإعادة تنظيم الفدرالية هناك، خلال سنوات 1946-1947 قرّر الحزب خوض معركة الانتخابات البلدية والبرلمانية تحت مظلة حركة انتصار الحريات الديمقراطية.
ترشّح للمجلس البلدي للجزائر العاصمة وفاز بالأغلبية في المدن الكبرى الجزائر، قسنطينة، عنابة، بجاية، تلمسان وتيزي وزو، رغم ضغوطات الإدارة الاستعمارية، شغل منصب نائب رئيس بلدية الجزائر وبعد مؤتمر حزب الشعب / حركة انتصار الحريات الديمقراطية المنعقد في فيفري 1947 ببلكور، تقرّر إنشاء منظمة خاصة شبه عسكرية لتحضير وتدريب المناضلين القادرين استعدادا للكفاح المسلح.
شارك حسين عسلة في هذا المؤتمر، وكانت آخر أعماله النضالية من أجل تحرير الجزائر، ونهاية 1947 تأزّمت حالته الصحية بسبب مرض القلب الذي كان يعاني منه مدة سنتين، أدخل مستشفى مصطفى باشا، لكن لم يتمكّن الأطباء من إنقاذه وتوفي في 10 جانفي 1948 وعمره 31 سنة.
حضر تشييع جنازته العديد من مسؤولي الحزب والمناضلين والمحبين وآلاف الأشخاص من كل الشرائح الاجتماعية، ألقى كلمة تأبينية محمد خيضر، عضو المكتب السياسي لحركة انتصار الحريات الديمقراطية ونائب البرلمان باسم أعضاء المكتب السياسي.
صفـــــــــــــات وتضحيـــــــــــــــــات
وذكر محمد خيضر في الكلمة التأبينية خصال الفقيد والمسيرة النضالية التي سلكها، وأشاد مدير مدرسة الرشاد عبد الحكيم بن الشيخ الحسين، بالصفات والمزايا الحميدة للفقيد والتضحيات التي قدّمها من أجل الجزائر.
دفن المرحوم حسين عسلة في مقبرة القطار في 12 جانفي 1948، يقول ابن عمه: “عاش حسين حياة قصيرة لكنها مليئة بالتضحيات والكفاح من أجل القضية الوطنية، إنه لم يكن يفكر في نفسه إطلاقا ولم يفكر حتى في إنشاء أسرة، كان يرد على الذين يكلمونه في هذا الموضوع: أنا أعيش وأكافح من أجل أسرتي الكبرى: الجزائر”.
وقال عنه رفيقه سيد علي عبد الحميد: “بذل حسين عسلة كل ما في وسعه في إعادة هيكلة المناضلين والتحسين من مستواهم السياسي، إنه الرجل المناسب حقا ذو فعالية نادرة، مصمم وصارم، إنّه نموذج في مواقفه وتحاليله، يجيد المجادلة وإقامة الحجة بالدليل والإقناع، كان من مؤسسي وقيادي المنظمة الخاصة”.
حلـــــــــم الأجيـــــــــــال السّابقــــــــــــة
وأضاف: “مناضل القضية الجزائرية يستحق حقيقة أن نخرجه من طي النسيان أين يرقد الكثير من وجوه الحركة الوطنية، إن إحياء ذكرى رجل عزيز أعطى كل ما لديه من أجل تحقيق الحرية لشعبه والإستقلال لوطنه، لشرف يؤدي بنا إلى الإنحناء أمام روحه وأرواح أمثاله من المناضلين...إنّهم حقا المثل الأعلى لتلك الشبيبة الرائدة الناضجة قبل الوقت، والتي حققت حلم الأجيال السابقة”.
وفي شهادة للمحامي المجاهد عمار بن تومي، قال: “كان يقول لي أثناء أحاديثنا أنت محظوظ لأنّك ستشاهد تحرير الجزائر أو على الأقل بداية ثورة التحرير، لقد كان متأكّدا أن مرضه لن يترك له إلا قليلا من الوقت، لهذا كان له نشاط فياض في كل الميادين وخاصة في العمل النضالي”.
وأضاف: “لقد عرفته في 1941 عندما إلتحقت بفريق كرة السلة لمولودية الجزائر، حيث كان من المسيّرين مع عملاق آخر في الحركة الوطنية محمود عبدون، ومن بين اللاعبين معي في الفريقي عبد المالك تمام، الذي سيصبح وزيرا للمالية بعد الإستقلال”.
ووصف المجاهد تومي، المرحوم حسين عسلة بأنّه نقي النفس هادئ له فنيات التواصل يحسن الحديث مع الناس سواء أثناء المباريات أو التدريبات في المقهى أو في إطار العمل، كان يساعد أخاه الأكبر أعراب في تسيير وكالة عقارية وخدماتية تراه يسوق دائما الحديث حول الحالة المزرية، التي يعيشها الجزائريون نتيجة ظلم واستبداد الإستعمار.
وقال: “إنّه يحسن الحديث إلى التاجر والعامل والطالب، المعرب أو المفرنس أو الأمازيغي أينما وجد يعتبر نفسه في مهمة ويؤديها بكل ثقة وإيمان راسخ في حتمية انتصار الشعب على الإستعمار”.
وقال أيضا: “لا يمكن إحصاء عدد المناضلين الذين جلبهم حسين عسلة إلى صفوف النظام ثم إلى حزب الشعب الجزائري ومن بعده حركة انتصار الحريات الديمقراطية، لم يتوقّف عن تثقيف نفسه بنفسه، أتذكّر كيف ألح على متابعة الدروس في معهد العلوم السياسية والإدارية في 1944، وكيف كان يطلب منّي دفاتري لقراءتها وأخذ المعلومات التي تهمه منها، فكان لا ينسى شيئا تعلّمه أو قرأه أبدا”.
وأضاف: “تعرّفت عن حقيقة الرجل أثناء مظاهرات عيد الفطر يوم 30 سبتمبر 1943 للاحتجاج عن اعتقال فرحات عباس وعبد القادر السايح، ومن أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، كان محترما من الجميع حتى من خصوم الحزب، وقد كانت له مصداقية وسمعة طيّبة لدى الراحل فرحات عباس، وكثيرا ما كان يجالسه ويستأنس بآرائه ويشيد بسلوكه وأخلاقه”.