المجاهــــد محمــــد بــــن صـــــدوق لـ “الشعــــــب”:

هذه تفاصيل عملية إعدامي للخائن علي شكّال

سهام بوعموشة

 

^ لـــــــــــــــــــو عـــــــــــــــاد بــــــــــــــــــي الزّمـــــــــــــان للــــــــــــــــوراء لمـــــــــــــــــــا تـــــــــــــــردّدت فــــــــــــــي  تصفيتــــــــــــــــه مــــــــــــــــرّة أخــــــــــــــــــرى

 المجاهد محمد بن صدوق، ابن مدينة عنابة، فدائي اتحادية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، كلّفه مسؤولو الثورة التحريرية المباركة، باغتيال الخائن علي شكال بملعب كولومب بباريس يوم 27 ماي 1957 هذه المهمّة البطولية حفرت اسمه بأحرف من ذهب في سجل بطولات المناضلين الجزائريين بالمهجر. حدّثنا المجاهد محمد غفير المدعو “موح كليشي”، كثيرا عن هذا الفدائي البطل ابن مدينة عنابة، فقرّرنا زياراته بمنزله في البليدة لمعرفة تفاصيل هذه العملية البطولية، وكيف كان مصيره بعد إلقاء القبض عليه.

 المجاهد بن صدوق يروي لأول مرة لـ “الشعب”، عملية اغتيال الخائن شكال تنفيذا لتعليمات قادة الثورة التحريرية بتصفية هذا الخائن، الذي كان عميلا للاحتلال الفرنسي.
ما تزال ذاكرة المجاهد والفدائي محمد بن صدوق تحتفظ بكل التفاصيل عن هذه الحادثة، وكيف حصل على مسدس لتنفيذ العملية بدلا عن زميله، المكلف بمهمة اغتيال الخائن شكال، لكنه لم يحضر تنفيذ العملية، يروي المجاهد بن صدوق، الأحداث بكل تفاصيلها وبأسلوب مترابط يحاول عدم إغفال أي تفصيل.
ولد بن صدوق، بعنابة بتاريخ 31 أوت 1931، أراد الالتحاق الثورة التحريرية، وعمره 21 سنة، لكن الظروف لم تسمح له، فقرّر السفر إلى فرنسا ليواصل دراسته.
كان المجاهد بن صدوق مجنّدا إجباريا في الجيش الفرنسي، وأراد أن يقدم خبرته في استعمال الأسلحة للثورة، وكله إيمانا بالجهاد من أجل تحرير بلده، لكن الحظ لم يسعفه في الالتحاق بصفوف جيش التحرير الوطني.
يروي الفدائي باتحادية جبهة التحرير الوطني لـ “الشعب”: “وصلت إلى مدينة ستراسبورغ، وجدت عمالا جزائريين يشتغلون هناك، كلّهم ينحدرون من الريف، وأنا من المدينة شاب جميل، يافع ومتعلم، التقيت مسؤولين من جبهة التحرير وسألتهم عن الثورة ومن يشرف على تدريب مناضلين، فطلبوا مني الالتحاق بخلية جبهة التحرير الوطني بفرنسا سنة 1955، كُلّفت بقراءة الجرائد للمسؤولين وإخبارهم بما تتضمّنه من أخبار، لأنّي أحسن اللغة الفرنسية، لكن هذا العمل لم يقنعني، كنت أريد العمل المسلح وتساءلت في قرارة نفسي إن كان النضال في جبهة التحرير يعني قراءة الجريدة فقط، أين السلاح؟”.
ويضيف المجاهد: “رفضت قراءة الجرائد، كان هدفي المشاركة في العمل المسلح، لكن أحد المسؤولين باتحادية جبهة التحرير تفطّن لحماسي، وقال لي عن ماذا تبحث؟ أجبته بصريح العبارة: “أريد تنفيذ عمليات مسلحة لصالح الثورة، وأتقن استخدام الرشاش، طلبت منه إرسالي إلى الجبال  وإلى تونس لأتدرّب من أجل القيام بواجبي اتجاه بلدي، فأجابني بأنّ العمل المسلح متاح في باريس وطلب مني الذهاب هناك”.
ويواصل بن صدوق حديثه: “طلبت منه أن يدُلني على مسؤول هناك اتصل به فأعطاني اسم عبد الكريم شوشي، هذا الأخير كان معي في الكشافة وكنت مسؤوله، انتقلت الى باريس للبحث عن المناضل عبد الكريم، فالتقيته في أحد المقاهي، سألني عن سبب قدومي لباريس فأخبرته، فربطني مع أحد المناضلين يدعى عمراني، وكان لاعبا في فريق كرة السلة بعنابة، ثم مع محمد عيساوي، مسؤول مجموعة الصدمات، بالمنظمة الخاصة المكلفة بالعمليات المسلحة، وهم ينحدرون من منطقة جرجرة”.
ويشير محدّثنا إلى “أنه بعد اغتيال المناضل صالح بوشمال، كلّفه مسؤولو جبهة التحرير بفرنسا بتعويضه، حيث عمل في فرقة المنظمة الخاصة، وكانت مهمته مراقبة مكان نزول المظليين الفرنسيين. وبعد طلب عبان رمضان من مسؤولي اتحادية جبهة التحرير الوطني بفرنسا خلق جبهة ثانية للثورة على أرض العدو، عن طريق القيام بأحداث شغب، كُلّف المجاهد بن صدوق، بتنفيذ عمليات فدائية وإطلاق الرصاص على المظليين، ما أدّى إلى حالة ذعر وفوضى، وبالتالي إرباك العدو والضغط عليه”.
يقول بن صدوق: “كلّفت بهذه العملية، اخترت يوم أحد لأنه يوم عطلة، نظمنا المجموعة لتنفيذ عمليات فدائية، عندما التقيت عيساوي طلب مني توزيع المهام: المجموعة الأولى تهاجم المظليين، والمجموعة الثانية تتوجه نحو الملعب الفرنسي كولومب بباريس، لكن العملية لم تنفّذ، بحسب ما خطط لها”.
ويضيف في شهادته: “اختبرني أحد المسؤولين باتحادية جبهة التحرير إن كنت قادرا على تنفيذ عملية فدائية تستهدف مصفاة روان، مررت بمحطة البنزين، نظر إلي عيساوي وسألني: من أين يأتي البنزين؟ ثم غادر، ذهبت الى مسؤول المحطة وسألته عن منبع البنزين، فأجاب أن منبعه من روان، ثم يصب في المحطة، ذهبت الى روان يوم الأحد لأنّي أشتغل طيلة الأسبوع، شاهدت المحطة وصمّمت مخطط الهجوم، ثم غادرت وفي اليوم التالي التقيت المناضل عيساوي، واطلعته على المخطط فطلب مني الاحتفاظ به”.
اغتيــــــــال الخائــــــــن شكّــــــــال
 يوم الأحد 26 ماي 1957 نفّذ الفدائي محمد بن صدوق، الذي كان يبلغ آنذاك 27 سنة، عملية جريئة استهدفت الخائن علي شكال، عند المدخل الرئيسي لملعب “كولومب” (باريس)، في ختام نهائي كأس فرنسا لكرة القدم، الذي جمع فريقي “تولوز” و«أنجي”، بحضور الرئيس الفرنسي روني غوتي، ومحافظ الشرطة المجرم موريس بابون.
ورغم انتشار الحرس الرئاسي والبوليس السري والمخابرات في كل مكان فقد تمكن المناضل بن صدوق، من قتل الخائن شكال، أمام أعين الرئيس الفرنسي والوزراء المرافقين له.
يروي بن صدوق: “توجّهت بمفردي نحو ملعب كولومب بباريس، كان المسؤول محمد عيساوي، خارج الملعب يراقبوني من بعيد دون أن أنتبه له، كان من المفترض أن يقوم بمهمة اغتيال الخائن علي شكال، مناضل آخر لكنه لم يحضر للموعد فذهبت مكانه بأمر من مسؤول اتحادية جبهة التحرير بفرنسا المناضل محمد عيساوي”، ويشير المجاهد إلى أنه تحصل على المسدس الذي نفّذ بها عملية اغتيال علي شكال من أحد المناضلين.
في هذا الشأن يقول: “كنت أتغذى مع أحد المناضلين وأخبرته إن كان بحوزته سلاحا يعيره لي فأجاب نعم، وسلّمني المسدس الذي بقي بحوزتي عشرة أيام، وكنت فرحا بحيازة هذا المسدّس.
بعد انتهاء المباراة، أسرع الفدائي بن صدوق للخروج قبل مغادرة الموكب الرئاسي من الملعب، وغلق الأبواب لمنع المناصرين من الخروج، وهذا خوفا من تفتيشه والعثور على المسدس من نوع ماب 7-65 بجيب معطفه ويلقوا عليه القبض، خاصة وأن الملعب كان مكتظا بالجمهور، لكن الشرطة الفرنسية أغلقت الأبواب كي تسمح للرئيس الفرنسي روني غوتي بالمغادرة.
يقول المجاهد بن صدوق: “مررت بالمنصة الرسمية شاهدت جمهورا غفيرا، كنت فضوليا، سألتهم لماذا أنتم واقفون هنا، أجاب أحدهم: “ننتظر مشاهدة الرئيس عند مغادرته الملعب”، فقررت البقاء مع الجمهور لمشاهدته أيضا كفضول، فرأيته وهو يغادر وبجانبه شخص بطربوش أحمر، وكان هو الخائن علي شكال، وكان معهم محافظ الشرطة للمقاطعة الفرنسية”.
ويضيف الفدائي: “ركب الرئيس الفرنسي سيارته وبقي علي شكال رفقة محافظ الشرطة موريس بابون، ورئيس بلدية باريس ينتظرون سيارتهم للمغادرة، ومن حسن حظي أن السيارة كانت ورائي مركونة في حظيرة الملعب، اقتربوا من السيارة شاهدت المناضل عيساوي، من بعيد أشار إليّ بحركة برأسه، لم أتمكّن من إخراج المسدس من جيبي فضغطت على زناد المسدس من تحت سترة معطفي لتنطلق الرصاصة بطلقة واحدة فقط، وتصيب الخائن شكال في قلبه فيسقط ميتا بين يدي بابون ورئيس بلدية باريس”.
ويواصل المجاهد في سرد شهادته: “استدار المجرم موريس بابون من خلفه، فانتبه إلى أنّني أنا الفاعل وأمر رجال الشرطة بتوقيفي، فانهالوا علي ضربا، وعثروا على المسدس الذي قتلت به شكال، في جيب معطفي أخذوني الى مركز الشرطة، أين خضعت للاستجواب”.
وعندما سأل الفدائي محمد بن صدوق، لماذا لم يقتل الرئيس الفرنسي روني غوتي، رغم أنّه كان بجانب الخائن شكال، كان جوابه أن جبهة التحرير الوطني كلفته بمهمة محددة وهي قتل الخائن علي شكال لا غير.
نشرت الحادثة في الصحف الفرنسية والعالمية وصور اعتقال الفدائي محمد بن صدوق، حيث أحدثت ضجة عالمية، وسارعت فرنسا إلى محاكمة المجاهد بن صدوق، الذي وضع في السجن كسجين الحق العام وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، لكن أطلق سراحه مباشرة بعد استرجاع السيادة الوطنية.
مـــــــــــــن هــــــــو الخائــــــــن شكّــــــــال؟
الخائن علي شكال كان محاميا ونائب رئيس الجمعية الجزائرية بالبرلمان الفرنسي آنذاك، استخدمته فرنسا للتشويش على جبهة التحرير الوطني، مثل بوعلام باشاغا.
حاول اقناع الجزائريين بالتخلي عن الثورة، وادّعى أن الجزائريين يتبرأون من الثورة، وحاول إضعاف جبهة التحرير بحزب مماثل لتمييع الثورة، وطرح نفسه بديلا عن جبهة التحرير الوطني الممثل الشرعي والوحيد للجزائريين.
أسبوع قبل اغتياله، كان شكال في الأمم المتحدة بصفته نائب رئيس الجمعية الجزائرية للبرلمان للدفاع عن أطروحة “الجزائر فرنسية”، وادّعى أن الجزائريين كلهم مع فرنسا، والمجاهدون الذين في الجبال خارجون عن القانون يقومون بأعمال معزولة.
المحــــــــــــــــاكمــــــــــــــــة
 يقول المجاهد: “عندما ألقي عليّ القبض وجدوا مخطط الهجوم على مصفاة البنزين بحوزتي، سألني محقق الشرطة عنه، ففكرت في جواب مقنع  يخلصني من المأزق، وكي لا أفشي أسماء زملائي..تبادر إلى ذهني فكرة ابتداع اسم سليمان، أخبرته بأنه كان رفقتي شخص يدعى سي سليمان، سألني الضابط عن مصدر المسدس الذي كان بحوزتي، واتضح انه مسروق وبيع في حي بارباس، وسلم لأحد المناضلين”.
ويضيف الفدائي: “أخبرته أن المسدس اشتراه سي سليمان بعدما سلمته المال، وسألني الضابط الفرنسي كيف تعرّفت على سي سليمان، أخبرتهم بأني تعرفت عليه في تلمسان، كان جنديا معي في الجيش الفرنسي، ثم التقينا في مكان يدعى بيان كور، هذا المكان يشتغل فيه الكثير من الجزائريين”.
ويواصل المجاهد بن صدوق: “انتقل ضباط فرنسيون الى عنابة ثم تلمسان للتحقيق في القضية، فعثروا على ثلاث أسماء متشابهة باسم سليمان، أحضروا صورتين لشخصين باسم سليمان ثم صورة ثالثة لشخص يدعى أيضا سليمان، لم يعثروا عليها ومن حسن حظي أن الصورة الثالثة أنقذتني، كانت ثلاثة فرق تحقق معي الى غاية السابعة مساءا يوميا طيلة شهر كامل، ثم يعيدوني الى السجن، طلب وزير العدل الفرنسي نقلي الى جلسة المحاكمة”.
ويروي بن صدوق: “عند استجوابي حول مقتل الخائن علي شكال، أخبرتهم أنّي شاهدت صورته في الجريدة مع تصريح يدعي فيه أن الجزائريين يتبرأون من الثورة، وتنصيب نفسه بديلا عن جبهة التحرير الوطني، فقلت لصديقي سي سليمان: إذا كتب لي والتقيت بهذا الخائن علي شكال سأقتله”.
ويشير محدثنا إلى أنه كان يحاول دائما عدم الكشف عن انتمائه لجبهة التحرير الوطني، والإدعاء أن ما قام به قراره الخاص ولا علاقة له بالمجاهدين، كما حاول إقناعهم بأنه طالب جزائري ليس له اي اتصال مع جبهة التحرير الوطني.
لكن رغم نفي ارتباطه بجبهة التحرير الوطني، اكتشف أمره بسبب رسالة عثرت عليها الشرطة الفرنسية عند التحقيق عنه، فأظهروا له رسالة من تلمسان، تتحدث عن نيته في القيام بأعمال شغب ضد الإدارة الاستعمارية، يعود تاريخها إلى سنة 1950 عندما كان عمر الفدائي بن صدوق 20 سنة، ويعمل جنديا في الجيش الفرنسي بقسنطينة، حيث اتهم بأنه منخرط مع الثورة منذ 1951، وقرروا مثوله أمام محكمة الجنايات.
يقول بن صدوق: “تبادرت لي فكرة مدعيا أن سي سليمان متواطئ معي، وطلبت إحضاره لجلسة المحاكمة، أخبروني أن الوقت لا يسمح والمحاكمة خلال 48 ساعة، تفاوضت مع قاضي التحقيق وطلبت منه منحي الرسالة لأمزّقها، وهكذا تسير المحاكمة بشكل عادي، اتفقنا وانتظرت يوم الغد لحضور المحضر القضائي ليسلمني أمر المثول امام محكمة الجنايات، لكنه نسي تسليمها للمحامي أولا كإجراء قانوني، والحمد لله نجوت من حكم الإعدام”.
بقي المجاهد بن صدوق في السجن محروما من قراءة الجرائد خمس سنوات في عزلة تامة، حيث تنقل من سجن لآخر، من سجن الصحة ثم فران ثم روان، تولوز، فوا، ثم سجن المركزية إلى غاية الاستقلال. أُفرج عنه بعد توقيع اتفاقيات إيفيان وإعلان وقف اطلاق النار، ونقل إلى مسقط رأسه بعنابة لملاقاة عائلته، أين استقبل بحفاوة كبيرة لبطولاته في النضال إبان الثورة، والتي سمع عنها أبناء مدينته بونة، فحملوه على الأكتاف.
كُلّف بعد الاستقلال بقطاع الشباب وساهم في تنظيم المنظمات الشبابية، يقول المجاهد إنه لو أعيد الزمن إلى الوراء لتنفيذ عملية اغتيال الخائن شكال لأعادها مرة أخرى.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19622

العدد 19622

الخميس 14 نوفمبر 2024
العدد 19621

العدد 19621

الأربعاء 13 نوفمبر 2024
العدد 19619

العدد 19619

الثلاثاء 12 نوفمبر 2024
العدد 19618

العدد 19618

الإثنين 11 نوفمبر 2024