ستكون سنة 2021، شاهدة على التقسيم الإداري الجديد، الذي أصبح بموجبه للجزائر 58 ولاية، بعدما كانت «البلد القارة» ومنذ آخر تقسيم إداري لها لسنة 1984 تضمّ 48 ولاية.
هذا التقسيم الجديد، جاء في وقت تعيش فيه البلاد تحوّلات اقتصادية واجتماعية عميقة، تماشيا والذهاب نحو بناء «الجزائر الجديدة» التي وعد بها الرئيس عبد المجيد تبون منذ اعتلائه كرسي الحكم نهاية سنة 2019. 58 ولاية، يعني بروز تحديات جديدة، يعني محاولة من السلطة الاهتمام أكثر بالمنطقة الصحراوية التي عانت التهميش بكل تجلياته، زاده تعقيدا عامل المسافات الشاسعة، غير أن السؤال المطروح اليوم هل أن استحداث 10 ولايات جديدة بالجنوب الكبير سيكون له الأثر الإيجابي مستقبلا، خاصة ما تعلق بالتنمية؟ وهو السؤال الذي سنحاول الإجابة عنه من خلال هذا التقرير.
10 ولايات جديدة
«حكاية» التقسيم الجديد بدأت في 10 ديسمبر 2019، عندما صادق البرلمان بغرفتيه على القانون المتعلق بالتنظيم الإقليمي، والذي يتضمن ترقية 10 مقاطعات إدارية إلى ولايات، لكن التصديق على القرار صدر في 2021، وتمت بذلك ترقية العشر مقاطعات الإدارية للجنوب إلى ولايات كاملة الصلاحيات، في استجابة لمطلب من مطالب سكان الجنوب الذين هتفوا وصدحت حناجرهم طويلا لنيل حقوقهم المهمشة.
قبل أن تتحوّل 10 مناطق الجديدة إلى ولايات كاملة الصلاحية، سبقها إجراء من السلطة بجعلها ولايات منتدبة، وهو أمر يراه الكثير من المختصين إيجابيا جدا، خاصة وأن الانتقال التدريجي سيسمح للمسؤولين بإبعاد عامل الصعوبات الإدارية، وهو ما حدث فعلا ولأول مرة في الجزائر، حيث كان التقسيم الإقليمي في البلاد يتميز بإنشاء ولايات جديدة مباشرة دون المرور عبر ما يسمى بالولايات المنتدبة. هذا الإجراء كما يراه المختصون، جاء لتقريب الإدارة الإقليمية من المواطنين التّابعين لاختصاصها دون عناء التنقل لمسافات تقدر بمئات الكيلومترات لاستخراج وثيقة ما. ويشمل التقسيم الجديد كلا من تيميمون وبرج باجي مختار الحدوديتين مع مالي، وبني عباس مع المغرب، وإن قزام مع النيجر، وجانت مع ليبيا. أما أولاد جلال، وإن صالح، وتقرت، والمغير، والمنيعة، فتقع في قلب الصحراء.
لامركزية القرار ومحاربة البيروقراطية
يعتبر هذا التقسيم الجديد بمثابة تذليل الصعوبات في تسيير الولايات إداريا، حيث تسهل على المواطن عملية استخراج الوثائق وممارسة حياته اليومية بصفة جيدة، الى جانب فتح عديد المرافق التربوية من مدارس وجامعات ستغني الطلبة هناك عناء التنقل إلى الشمال للدراسة.
ومعلوم أن مناطق الجنوب الكبير، ظلت تشتكي نقص التنمية بشكل كبير جدا، إضافة إلى نقص في البنى التحتية التي تكاد تكون غائبة عن المنطقة، لهذا جاءت هذه الترقية، حيث من المنتظر أن يتم مباشرة أول إجراء وهو التسريع في وتيرة إنجاز المشاريع وتوفير مباني إدارية محلية، تشرف على مختلف المشاريع التنموية. علما أن سكان الجنوب يعانون من غياب كبير للمرافق الصحية والتربوية وضعف كبير في النقل، نظرا لشساعة المساحة الصحراوية وصعوبة التضاريس، حيث الأرض هناك عبارة عن رمال، وما تخلفه من زوابع وعواصف، وزحف يغطي في الغالب الطرق، وفي أحيان أخرى تتسبب الزوابع والكثبان في إخفائها عن العيان، ما يصعب مهمة العمل في هذه الظروف.
إلى ذلك، فإن نقص المشاريع المتعلقة بتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب سيكون في صلب اهتمامات الولاة الجدد، الذين تنتظرهم تحديات ضخمة. علما أن المنطقة صحراوية جافة تتطلب إنجاز مشاريع ضخمة لتزويد الساكنة بالمياه الصالحة للشرب أو الموجهة للزراعة والفلاحة، والتي ستكون أيضا في الواجهة من خلال استغلال شساعة الأراضي وتوجيهها للزراعة لتغطية احتياجات سكان الجزائر في الشمال، خاصة وأن الرئيس قد أولى عناية خاصة للفلاحة للنهوض باقتصاد البلاد، والجزائر تعيش مرحلة اللجوء إلى انعاش اقتصادها بعيدا عن اقتصاد الريع الذي يعتمد بنسبة 98 بالمائة على عائدات النفط. حيث تعمل مختلف القطاعات على تجسيدها، والوفاء بالتزامات رئيس الجمهورية.
أول ما جهر به الرئيس تبون في حملته الإنتخابية، وهو في الحكم حاليا، هو محاربة سرطان البيروقراطية الذي ظل عاملا أساسيا في هدم اقتصاد البلاد، وتغلغل الفساد في الإدارة، حيث ستكون عملية استحداث 10 ولايات جديدة فرصة سانحة لتقريب الإدارة من المواطن، وإعادة تقسيم الولايات والدوائر بحسب المناطق، إلى جانب تصحيح الآليات المتبعة، وإيجاد موارد مالية خاصة بها، الى جانب تعزيز لامركزية التسيير.
توازن في توزيع الثروات
ولو أنه لا يختلف اثنان على أن الهدف المرجو من ترقية 10 مقاطعات الى ولايات جديدة جاء لتحسين الإطار المعيشي اليومي لسكان الجنوب، من خلال ترقية الخدمة المقدمة للقاطنين هناك في كل المجالات، في مقدمتها توفير مناصب الشغل من خلال خلق مشاريع استثمارية والعمل على تشجيع الشباب للانخراط في العملية التنموية، من خلال إنشاء مؤسسات مصغرة مقاولاتية إيضا، وتوفير السكن وتحسينه. إلا أن الهدف مصوب ايضا نحو خلق توازن في توزيع الثروات الوطنية بين الشمال والجنوب، وإبعاد معادلة جنوب ينام على آبار النفط مهمش يستفيد منه أصحاب الشمال فقط، حيث شهدت الولايات الجنوبية خلال السنوات القليلة الماضية احتجاجات عارمة تطالب بالتوزيع العادل لثروات البلاد، ومن ثم إحداث توازن جهوي وتوفير ظروف تنمية مستدامة.