استفحلت ظاهرة التجارة الفوضوية مجددا بمختلف ربوع ولاية تيبازة خلال الآونة الأخيرة بفعل تنامي خيار المستهلكين لاقتناء حاجياتهم من الأسواق الفوضوية المنتشرة هنا وهناك، فيما تبقى الأسواق العادية أحيانا خاوية على عروشها يحسبها العابر فضاءات مهجورة ولم تعد لها قابلية أداء وظيفتها
فبفوكة والقليعة وبوسماعيل وحجوط وغيرها من المدن الكبرى للولاية تحوّلت عدّة طرقات إلى فضاءات تجارية بامتياز بالتوازي مع استحالة مرور المركبات أحيانا وتسجيل صعوبة مرور جمّة أحيانا أخرى كما هو الشأن بالنسبة لشارع سوق صالح بالقليعة وشارع وامير بفوكة وزنقة العرب ببوسماعيل وعدّة شوارع ومسالك أخرى، بحيث يعمد تجار المناسبات والمواسم الى تسويق منتجاتهم للمستهلكين بطرق فوضوية وغير لائقة يتم من خلالها احتلال ممرات المركبات عن آخرها، والأدهى من ذلك كلّه أن يفرض الأعوان حراسة مشدّدة على بعض المواقع مع حجز كميات هامة من السلع المعروضة للبيع عقب انذار التجار الفوضويين لمرات عديدة بحجّة اعاقة حركة المرور وممارسة نشاط بدون وثائق بفضاءات عمومية وبطريقة غير مرخّصة إلا أنّ ذلك لم يمنع التجار من العودة مجدّدا الى مواقعهم عقب انصراف الأعوان كما ه والشأن بالنسبة لشارع وامير بفوكة والذي يشهد كلّ مساء حركة تجارية نشطة بالشكل الذي يحول التجمع التجاري المحلي الذي يضمّ عشرات المحلات لتسويق مختلف المنتجات مجرّد فضاء للنزهة والتجوّل لا غير بالنظر الى الإقبال الملفت الذي تشهده تجارة السوق الموازية بشارع وأمير غير بعيد عن السوق البلدي الرسمي، مع الاشارة الى كون ذات الشارع يشهد يوميا تسويق مختلف أنواع الخضر والفواكه والأغراض المختلفة في حين يتحول تجار الملابس والأحذية والهواتف المحمولة الى الساحة العمومية بوسط المدينة لممارسة نشاطهم المعهود والذي يستقطب مستهلكين من كل الفئات والأعمار. وغير بعيد عن مدينة فوكة، ازدهرت تجارة الدجاج على امتداد الطريق الولائي رقم 126 المؤدي الى بوسماعيل بالشكل الذي أضحى يستقطب الزبائن من كل الجهات والبلديات بالرغم من وجود محلات عديدة تمارس هذا النشاط بصفة رسمية بالتجمع التجاري لفوكة غير أنها لا تستقطب الزبائن مثلما هو الحال بالنسبة للتجار الفوضويين، والأمر نفسه بالنسبة لحواف الطريق الوطني رقم 11 من الدواودة شرقا إلى غاية شرشال غربا، بحيث يلجأ التجار الفوضويون أحيانا لقطع الطريق العمومي للمطالبة بنصب الممهلات بحجة خطر سرعة المركبات على الراجلين من سكان المناطق المجاورة قبل أن يتأكّد للجميع في آخر المطاف بأنّ خلفيات المطالبة بالممهلات لا علاقة لها بالأجلين وإنّما ترتبط بممارسة النشاط التجاري على حواف الطرق لا غير، وهو النشاط الذي يستقطب أعدادا غفيرة من المستهلكين والفضوليين مما يسفر عن حدوق زحام مروري لا يطاق أحيانا الأمر الذي يحتمل بأن يتسبب في حوادث مرورية غير مرغوب فيه، وكذلك الأمر بالنسبة للطريقين الوطنيين رقم 42 و67 أين تزدهر التجارة غير المرخصة للخضر والفواكه وغيرها من المنتجات ويسوق الديك الرومي بمقطع خيرة بالحدود الشرقية للولاية بطريقة يندى لها الجبين غير أنّ الذي لا يعقله العقلاء هو الاقبال اللافت للزبائن على هذا المنتج هناك مع العزوف عن التردد على المحلات المسوقة للمنتج نفسه بكل من فوكة والقليعة، ويشهد شارع المقاهي بحجوط يوميا حركة تجارية فوضوية تعيق حركة المرور الى درجة لا تطاق، إلا أنّ ذلك أضحى مع مرور الزمن من تقاليد المنطقة التي لا يمكن المساس بها، في حين تبقى الأسواق الرسمية المعتمدة في معظم الفترات خاوية على عروشها لا يقبل عليها الزبائن على سابق عهدها، ذلك ما لمسناه بسوق 18 فيفري والسوق المغطى بحجوط وبالتجمع التجاري لفوكة والسوق المغطى لبوسماعيل والسوق المغطى للقليعة أيضا.
غياب ثقافة البيع بالتخفيض
أشارت الانطباعات تتعلق بخلفيات عزوف الزبائن عن الأسواق العادية وترددهم على الأسواق الفوضوية إلى أنّ الأمر له علاقة وطيدة بفوارق الأسعار المعتمدة بحيث تبلغ الأسعار المطبقة بالأسواق العادية أحيانا ضعف ما يتم تداوله بالأسواق الفوضوية مع كون المنتج هو نفسه ويكون الذي يسوق بصفة فوضوية أحيانا أجود من غيره بالنظر الى تجديده دوريا، ويؤكّد أحد الفلاحين بفوكة بهذا الخصوص بأنّه أقدم على تسويق كمية من الكوسة لأحد تجار التجزئة بالتجمع التجاري بسعر 20 دج، ليقوم التاجر على الفور بنشر سعر 60 دينار على المنتج، ما يشير الى سعيه لمضاعفة ربحه ثلاث مرات مقابل تعب زهيد لا يقارن أمام أتعاب الفلاح الذي يكدّ ويجدّ لموسم كامل قبل إقدامه على جني المحصول، كما يعمد تجار الأسواق الفوضوية في الكثير من الحالات الى اللعب على وتر الكمية لتسويق اكبر قدر من المنتج، مما يؤدي حتما الى تخفيض السعر وجلب أكبر عدد من الزبائن، في حين يضطر التاجر بالأسواق النظامية الى تسويق منتجاته بأسعار خيالية أو التخلي عنها في حاويات النفايات دون المرور على ثقافة الصولد التي تقتضي تخفيض السعر لتسويق المنتج وتجديده لاحقا.
وفي السياق ذاته، تؤكّد عدّة مصادر لها اطلاع دقيق بهذا الملف على أنّ الفوارق المعتمدة ما بين أسعار الجملة وأسعار التجزئة بالأسواق النظامية أضحت لا تحتمل ولا تطاق من لدن الزبون، بحيث أقسم أحد التجار بأنّه وقف بنفسه على عملية إقتناء زميل له للباس خاص من أحد تجار الجملة بسعر 2600 دج قبل أن يعرضه للبيع بمحله بسعر 7500 دج، ما يؤكّد على أنّ الابتزاز الصارخ أضحى مسألة قائمة لا نقاش فيها كما أنّ المترددين على سوق الجملة للخضر والفواكه بالحطاطبة لا يجدون أي تفسير للفوارق المسجلة ما بين الأسعار المعتمدة هناك وتلك التي يتم تداولها بالأسواق النظامية ويبقة المستهلك مستهدفا وضحية في كل الحالات، غير أنّ انتشار الأسواق الفوضوية هن وهناك ساهم إلى حدّ بعيد في امتصاص صدمات الأزمة.