خلق ديناميكيـــة فعالــــة في السوق بتوفير معلومات دقيقـــــة عــــــــن الأسعــــــــــار
تُعدّ قضية تسيير النفايات من أهم التحديات البيئية التي تواجه دول العالم اليوم، بما فيها الجزائر، نظرًا لتزايد حجم النفايات الناتجة عن الأنشطة البشرية والصناعية، إذ تشير الإحصائيات إلى إنتاج الجزائر سنويا ما يفوق 34 مليون طن من النفايات 50٪ منها قابلة للرسكلة، على غرار النفايات العضوية والصناعية والطبية، ويمكن أن تتضاعف آفاق 2035 إلى 70 مليون طن، ومع أن نسبة كبيرة من هذه النفايات قابلة لإعادة التدوير، إلا أن غياب استراتيجيات فعالة لتسييرها يُفاقم من التلوث البيئي ويدفع نحو استنزاف الموارد الطبيعية.
تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، تعمل وزارة البيئة وجودة الحياة على تحسين تسيير النفايات، من خلال اعتماد استراتيجية جديدة تهدف إلى تطوير أنظمة الفرز وإعادة التدوير، في وقت يمثل الاقتصاد الدائري نهجًا واعدًا لمعالجة مشكلة النفايات وتعزيز التنمية المستدامة، من خلال سياسات مدروسة وجهود جماعية، تمكن من تحويل النفايات من عبء بيئي إلى مورد اقتصادي.
ويعتبر الخبير البيئي المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنفايات كريم ومان، في تصريحه لـ«الشعب”، إدارة النفايات “منجمًا من الفرص الاقتصادية والاجتماعية”، موضحا أن توظيفها بشكل مُتكامل وفعال ضمن إطار الاقتصاد الدائري، سيمكن الجزائر من تحقيق نقلة نوعية في اقتصادها الوطني، مشيرا إلى توجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ 22 أفريل 2024، القاضية بضرورة وضع خطط محكمة لتطوير قطاع الاسترجاع وإعادة التدوير، مما يعكس الاهتمام الحكومي رفيع المستوى بهذا الملف الحساس، بحسب المتحدث.
وقال ومان، إن تبني الجزائر لهذا التوجه النوعي في إطار الاقتصاد الدائري، يُعد فرصة حقيقية لتحقيق برنامجها التنموي الطموح، مع الحفاظ على البيئة وتحسين ظروف معيشة المواطن. لافتا أن هذا النموذج العصري، الذي يتناقض مع الاقتصاد الخطي التقليدي القائم على الهدر، يهدف إلى الاستغلال الأمثل للموارد، مع الحد من التلوث وخلق قيمة اقتصادية واجتماعية مضافة.
خطوات جوهرية
واعتبر ومان إدارة النفايات وإعادة تدويرها، خطوات جوهرية في طريق التحول نحو الاقتصاد الدائري، مشيرا إلى اتخاذ الجزائر للعديد من المبادرات الهامة في هذا المجال، من خلال سن التشريعات البيئية والسعي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لافتا إلى تغيير تسمية وزارة البيئة إلى “وزارة البيئة وجودة الحياة”، الذي اعتبره الخبير، دليلاً واضحًا على حرص الجزائر على إدماج المعايير البيئية والتنمية المستدامة في الحياة اليومية للمواطن ووضع راحته ورفاهيته في صميم البرنامج التنموي الجديد.
وأوضح المدير العام السابق للوكالة الوطنية للنفايات، أنه بالرغم من الجهود المبذولة، لاتزال الجزائر تواجه تحديات في قطاع إدارة النفايات، منها محدودية قدرة منشآت استيعاب النفايات المنتجة، ونقص كفاءة الهياكل التسييرية الحالية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق بين الجهات المعنية وضعف نسبة إعادة التدوير، مشيرا إلى أن هذه التحديات لا تُعد عقبات مستعصية، بل فرصًا للتحسين والتطوير.
تحديات ومؤشرات إيجابية
وقال ومان، إن الجزائر بدأت في تطوير خبرة مُلفتة في مجال الاقتصاد الدائري، حيث ظهرت مؤسسات متخصصة وشركات ناشئة مهتمة بهذا المجال، وهو ما يُعتبر مؤشرًا إيجابيًا على ديناميكية القطاع، مشيرا إلى أنه لتعزيز إنتاجية هذا القطاع الحيوي، أصبح من الضروري تعزيز التنسيق بين جميع الأطراف المعنية، وتحسين البنية التحتية لجمع ومعالجة النفايات، وتطوير برامج تدريب مهني متخصصة، كما يجب، بحسب الخبير المتحدث، تشجيع الابتكار وريادة الأعمال في هذا المجال، من خلال تقديم حوافز اقتصادية متعددة ودعم تقني مناسب.
ويعتقد المتحدث، أن تأثير الاقتصاد الدائري على نوعية حياة المواطنين سيكون كبيرًا وإيجابيًا، فهو يساهم بشكل مباشر في الحد من التلوث، وتحسين الصحة العمومية، ورفع مستوى الرفاهية الاجتماعية، على حد قوله. كما أن الحفاظ على الموارد الطبيعية، وخلق فرص عمل جديدة ومتجددة، وتقليل التكاليف، كلها عوامل ستساهم في تحسين ظروف حياة المواطنين.
وأكد ومان، أن آفاق تطوير الاقتصاد الدائري في الجزائر تبدو واعدة، فالبلاد تزخر بطاقات شابة وإمكانات بشرية هائلة، غير أنه يجب تبني مقاربة مدمجة تشاركية، تُشرك السلطات العمومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني في جهد وطني واحد، لضمان نجاح هذا التحول، مشيرا إلى أن تعزيز الإطار التشريعي والتنظيمي، والاستثمار في البنية التحتية والتكنولوجية، وتوعية المواطنين بشكل مستمر، عناصر أساسية لضمان نجاح هذا التحول الاقتصادي الهام، زيادة على إدخال الرقمنة لتسيير هذا المجال، التي تعتبر، بحسب المتحدث، فرصة لإحداث ثورة في ممارسات إدارة النفايات والتحول بسرعة نحو تسيير مدمج في إطار الاقتصاد الدائري، مشيرا إلى أن المعالجة الرقمية والتسيير المعلوماتي لإدارة النفايات، ستوفر العديد من المزايا، بما في ذلك تحسين المردودية وزيادة الربحية وتعزيز المراقبة والتحكم.
وجدد ومان تأكيده، أن الاقتصاد الدائري يمثل طريقًا واعدًا للجزائر لتحديث اقتصادها، مع الحفاظ على مواردها الطبيعية وتحسين جودة حياة مواطنيها، على الرغم من التحديات، مؤكدا أيضا أن المبادرات المُنفذة وإمكانات التطوير المتاحة تبشر بمستقبل واعد لهذا القطاع الحيوي.
علاوة على ذلك، يضيف الخبير، أن إنشاء نظام موحد لتحديد الأسعار، يمكن أن يساهم في خلق ديناميكية فعالة في السوق، من خلال توفير معلومات دقيقة عن الأسعار.