تعتبر البليدة قطبا اقتصاديا بامتياز، يضم نسيجا صناعيا وفلاحيا وخدماتيا متنوعا، حمل أبعادا محلية وجهوية ووطنية، جعل منها رائدة في بعض المنتجات، وعنوانا يقصده المستثمرون والتجار. وسط هذا الخضم المتنوع والفرص الاقتصادية المتاحة، زاد رفع طلبات مستثمرين جدد من جعل البليدة محجا بامتياز في استقطاب أصحاب المشاريع،في صيغها العمومية والخاصة والمتوسطة والصغيرة.
انعكس هذه الوتيرة على الجانب الاجتماعي وأهل المنطقة الذين اقتنعوا بأن المشاريع المحلية أصبحت مكسبا في تحريك العجلة الاقتصادية المحلية بدرجة أولى، من باب ضمان امتصاص نسبي مهم للبطالة، بتوفير يد عاملة بسيطة وتقنية ومؤهلة، وصلت حدود الـ 300 ألف منصب عمل بين دائم ومؤقت وموسمي، ستحسن من المستوى المعيشي للمواطنين، وتخلق ثروة بشرية.
أمام هذا الواقع والحركة التنموية المهمة، استطلعت «الشعب» المشهد الاقتصادي بالولاية، وعادت بحقائق توضح تلك الحركية.
حرص على خلق مناصب عمل بالآلاف
كشف الوالي بوزغدي عبد القادر في اجتماع أن البليدة تتوفر على إمكانيات مادية وبشرية مهمة، وأنها أمام منعرج تاريخي مهم، معترفا أنها مقبلة على تجسيد مشاريع استثمارية واعدة في كل الأصعدة والقطاعات الاقتصادية والخدماتية.
وبين بأن عدد طلبات الحصول على تراخيص لانجاز مشاريع استثمارية قاربت الـ 1500 مشروع ومرشح للإرتفاع، وأن القيمة المقترحة في تلك المشاريع قاربت الـ 1000 مليار دينار، وأنه باستكمال الإجراءات القانونية ودراسة الملفات، سيوفر عددا في اليد العاملة تقارب من حدود الـ 100 ألف منصب عمل مؤهلة ومهنية وحرفية.
واعتبر الوالي الأمر بالضخم والهائل، مؤكدا إذا تمّ تجسيد ربع (1/4) تلك المشاريع، فإن الولاية ستعرف نقلة نوعية وثورة في التنمية من حيث اقتصادها، إثر ذلك على الواقع الاجتماعي بامتصاص نسبة عالية من البطالين ، تضاف إلى حظيرة المشاريع الاستثمارية الكبرى والمتوسطة والصغرى في الفلاحة والعمران والسياحة والخدمات وغيرها، التي تشهدها زوايا الولاية الأربع، وفي مقدمتها مشروع المدينة الجديدة ببوينان، « يكفي فقط الإرادة الطيبة والعمل بوطنية وقلب فيه من الحرارة أن يذيب العوائق والمصاعب فقط، قال الوالي بوزغدي.
طمأن المسؤول الأول عن الجهاز التنفيذي، بتسوية مشكل العقار، حيث أعطى تعليمات في ذلك بالاهتمام بمسألة الأوعية العقارية والمناطق الصناعية وذات النشاط الصناعي.
وقد باشرت السلطات المحلية في تنفيذها، باستحداث مناطق نشاط صناعي واقتصادي، وهو ما أكده الوالي شخصيا خلال افتتاح معرض اقتصادي بحر الأسبوع الماضي، عن التفكير في توسعة المناطق ذات الطابع الاقتصادي عموما بخلق 4 مناطق جديدة، تضاف إلى الحظيرة الموجودة، من بينها مرحليا وفي خطوة أولى، تحويل واستحداث منطقة نشاط في عين الرمانة النائية إلى الغرب من مقر الولاية، باستغلال مساحة إجمالية قدرت بـ 600 هكتار، ستخرج المنطقة من عزلتها، وتحولها إلى محج جديد، يضمن في أولوية الأوليات، الزيادة في الثروة المحلية، وتوفير مناصب عمل لسكان المنطقة والجهة الغربية شبه المعزولة.
دعم الشباب المستثمر أولوية
اعترف المدير الولائي لوكالة تشغيل ودعم الشباب «اونساج» أن حصيلة العام 2015 بينت أن رقم المشاريع الاستثمارية في مختلف القطاعات، وصلت إلى ما يزيد عن الـ 500 مشروع استثماري، خلقت بموجبها أكثر من 1000 منصب عمل، متجاوزة بذلك ميزانية دعم قدرت مبدئيا بأكثر من 500 مليون دينار.
وأضاف بن عزوز مولود، أن المشاريع الاستثمارية في قطاع الخدمات مثل الاتصالات تحتل الصدارة بنسبة 60 بالمائة، تليها ثانية مشاريع قطاع الصناعة بنسبة 16 بالمائة، الفلاحة بـ 6 بالمائة.
عن واقع التعامل والتعاطي ودراسة الملفات، قال المتحدث إن مدة الفصل فيها لا يتجاوز الـ 10 أيام، ثم تحال مباشرة على مختلف الوكالات البنكية، والتي بدورها تنظر في تلك الملفات وتفصل فيها في ظرف زمني لا يتعدى الـ 60 يوما.
عن المشاريع الاستثمارية في قطاع السياحة، أكد مدير الوكالة الولائية لـ»الشعب» أنها تصنف ضمن الاهتمامات الكبرى، والاستثمار فيها سيعود بمداخيل مهمة، تضاف إلى خزينة الدولة مضيفا أن وكالته تسعى أيضا إلى تعزيز الروابط والصلة مع الجامعة، بغرض تكوين وجعل الطالب الجامعي يتحضر مسبقا، للانخراط في عالم الشغل، وأنه في هذا الصدد تعمل الوكالة في تنظيم دورات تكوينية وأيام إعلامية، حول إنشاء مؤسسات اقتصادية، فضلا عن التوقيع على اتفاقية مع جامعة البليدة 1، جرت منذ 3 سنوات، على أمل أن يتم توسيعها إلى جامعة البليدة 2 قريبا.
90 ألف منصب عمل يحتضنه نادي الصناعيين للمتيجة ...
تحسين المستوى المعيشي للمواطن البليدي، رقم آخر يضاف في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في هذه الولاية المحورية، كشف عنه المشاركون في المعرض الاقتصادي لنادي المقاولين والصناعيين للمتيجة في طبعته السادسة.
المعرض الذي شاركت فيه 115 مؤسسة اقتصادية، وحضره خبراء أوروبيون ومن عمق القارة السمراء أظهر، أن اليد العاملة التي يوظفها أصحاب المؤسسات الاقتصادية والصناعية المنخرطون في النادي «سيمي» (عددها 1100 مؤسسة صناعية وخدماتية مشكلة نسبة 20 % من النسيج الإقتصادي بالولاية)، تصل إلى 90 ألف منصب عمل.
وكشف المعرض عن حقيقة، تمثلت في أن المؤسسات المشاركة العارضة شكلت نسبة قاربت من الـ 70%، هي في الحقيقة مؤسسات أنشاها شبان جامعيون من جهة، ومهنيون من جهة ثانية، وهو الرقم الذي أبدى بشأنه ملاحظون حقيقة ثابتة، أن التوجه نحو إشراك العنصر الشباني في خلق ثروة والمشاركة في التنمية، هي واقع أصبح يحسب بلغة رياضية صرفة .
العنصر البشري الرقم الأ هم في المعادلة
النسيج الاقتصادي المحلي بالبليدة أظهر في أمثلة حية واقعية، أن الغاية التي يسعى إليها أصحاب العمل، هي الاستثمار في العنصر البشري في كل مستوياته، والمؤسسة العمومية الولائية لتسيير مركز الردم التقني، مثال حي أول يقر تلك الحقيقة، حيث توظّف المؤسسة حاليا ما يقارب الـ 400 عامل، مهمتهم التكفل بمعالجة النفايات الصلبة والمنزلية والاستشفائية، واستطاعت هذه اليد العاملة الخبيرة أن تضمن لها مكانا في الحياة الاقتصادية وحتى الاجتماعية، وبات التهافت على العمل بها يحسب أيضا بالأرقام كل يوم، خاصة وأن المؤسسة عازمة في عمالها على الوصول في معالجة ما يساوي الـ 300 طن يوميا.
الفلاحة قطاع محور يستقطب يدا عاملة غير مهملة ...
أوضحت الأرقام التي استقتها «الشعب» من الميدان، أن عدد المستثمرات الفلاحية عبر تراب الولاية يساوي أويزيد عن الـ 2000 مستثمرة، يشتغل بها عدد من الفلاحين بين دائمين ومؤقتين وموسميين، يتراوح بين الـ 10 الاف عامل و100 ألف عامل حسب مواسم الجني والغرس.
وفي سياق العمل الفلاحي بالمتيجة، كونها رئة الجزائر والمغرب العربي لتصنيفها بثالث أخصب سهل في العالم، استطلعت «الشعب» واقع إنتاج العسل في هذا السهل، حيث أفاد عضو بالجمعية الولائية لمربي النحل رابح كبيري في دردشة مع «الشعب»، أن عدد النحالين في المتيجة وصل إلى سقف الـ 1000 نحال محترف، وأن هؤلاء يضمنون توظيف نحو 2000 عامل يتقنون أبجديات تربية النحل وأنواعه، ويحسنون جمع العسل، والرقم حسبه مرشح للإرتفاع، في حال توفرت آليات وميكانيزمات تساعد في ذلك يعملون في مساحة كلية لخلايا النحل تصل الى الـ 40 ألف خلية نحل، في حال توفرت آليات وميكانيزمات تساعد في ذلك.
وقال رابح أن الميتجة تشتهر بجني «عسل الحمضيات»، وأنه بفضل هذه اليد العاملة المهمة، ارتفع محصول العسل وتحسّن، ووصل الى حدود الـ 300 كلغ في موسم الجني بالنسبة للنحّال الواحد، وأن الأهداف التي يرجوها النحالون وفريق العاملين لديهم، هي تحقيق اكتفائي ذاتي والرفع من مقدار الاستهلاك للعسل بالنسبة للفرد الواحد.
قال رابح في هذا الصدد في مثال مقارن، أن الجزائري لا يزال استهلاكه لهذه المادة الطبية والعلاجية هزيلا، يصل الى 200 غرام للشخص الواحد في السنة، بينما الفرد الألماني يصل معدل استهلاكه الـ 7 كيلوغرام في السنة مضيفا «أن الأمر الايجابي والمشجع وسط هذه الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، أن الاستثمار اليوم في العسل يجب أن يكون مزدوجا، تكوين في اليد العاملة المتخصصة من جهة، وتقديم دعم من جانب الجهات الرسمية في شقّ ثان، حتى نصل إلى جعله ثروة يمكن تصديرها، لأن العسل الجزائري منافس ممتاز للعسل الأجنبي».
ملبنة بني تامو لاستعادة مجد إقليمي وثروة بشرية لا تعوّض ..
تحوّلت ملبنة بني تامومنذ مطلع الألفية، إلى مؤسسة منتجة مهمة محليا وجهويا وإقليميا، وصنفت حتى بالمؤسسات التي تخطت الحدود الوطنية، حيث توصل العاملون بها في سنوات المجد، إلى تصدير منتوجاتها نحو بلدان شقيقة وتزويد أسواقها بمشتقات الحليب، عندما كانت شاحنات التبريد نصف المقطورة، تنطلق في أعداد متجهة نحو الشرق في ليبيا الشقيقة، حاملة منتوجها.
في هذا الشأن، قال المسؤول النقابي مراد عزيزي لـ»الشعب»، أن المؤسسة لوحدها ضمنت تشغيل ما يقارب الـ 1000 عامل، وتوصلت الى ضمان طاقة انتاجية تقدر بـ 350 ألف لتر يومي من مادة الحليب والمشتقات، واستطاعت أن تقف بعمالها ولا تزال في وجه أزمات ندرة الحليب، وغطت اسواق 12 ولاية مسّتها الأزمة، لضمانها فائضا في الانتاج، وهو يتمنى خاصة وأن الظرف اليوم ملائم والتوجه نحو التنويع في الاقتصاد الوطني بات تحديا قائما لابد منه، وأن تتخطى الجزائر أزمتها الاقتصادية حاليا، وتعود المؤسسة إلى سابق عهدها وأفضل، خاصة وأن عمالها متمسكون بها، ويؤمنون بقدراتهم وقدرات مؤسستهم وبالجزائر .