يرى خبراء في الشّأن الفلاحي أنّ التّعاضد في هذا القطاع يستدعي قلب معادلة هيمنة الإدارة على المورد البشري المعني مباشرة بهذا الأمر، لتتحوّل إلى بديهية مفادها عودة المبادرة لأهل المهنة، الذين عليهم تنظيم أنفسهم في أطر معيّنة قصد التوجه من قرارة أنفسهم وبإرادتهم إلى تأمين أملاكهم ومنتوجاتهم لدى الصّندوق.
ويلاحظ إلى غاية يومنا هذا، أنّ مفهوم التّعاون الفلاحي غير واضح عند الفلاّحين وعمال الأرض، وهذا بسبب غياب ذلك الإلتزام الدائم مع المؤسّسات الأخرى التي تتكفّل بهذا الجانب الحيوي، ويعتقد أنّ هناك حلقة مفقودة تتطلّب العثور عليها حتى تكتمل الصّورة لدى جميع المعنيّين بهذا الموضوع.
وحسب الخبراء، فإنّ هذه “الحلقة” تكمن في تصحيح وتعديل النّظرة تجاه الصّندوق الوطني للتّعاون الفلاحي، وهذا باستبدال طريقة التّعامل، ونعني بذلك إبعاد تلك الرّؤية الإدارية الأفقية، وبقلب الهرم من الأسفل إلى الأعلى أي من القاعدة إلى القمّة، وهنا يسمح بمعرفة الخط الرّابط بين المتعاملين وقدرتهم على تمرير رسائلهم باتجاه كسب الثّقة، وهذا للأسف غير متوفّر في الوقت، لماذا يا ترى؟ باختصار أنّ الفلاّحين لم يتعوّدوا على تعاملات مخالفة عمّا هي موجودة في ذهنياتهم، أي العمل المستحيل من أجل الابتعاد عن الإدارة، وحتى التّحايل عليها. هذا واقع موجود لابد من التّعامل معه مهما كانت الظّروف حتى يتم التوصل إلى تقويم هذا الوضع بالطّرق الواقعية.
وتتساءل أوساط عن عدد المنخرطين في الغرف الفلاحية الجهوية المقدّرة بـ ٤٨ غرفة، علما أنّ هناك أكثر من مليون فلاّح ينشطون في الميدان، ويكشف العدد الحقيقي لوجود الفلاحين في هذه الهياكل ما مدى ارتباط هؤلاء بالجهة التي تتعامل معهم، من ناحية تأمين ما تتعرّض له أملاكهم من جفاف أو سيول الأمطار وغيرها، كما أنّ هناك ٩٠٠ مستثمرة فلاحية.
تصويب هذه المعادلة، أي جعل الفلاح يذهب طواعية ومن قناعته العميقة إلى الصّندوق، هو ما يترجم الفعل القائم على تمويله الدّائم لتكون تلك الأموال المودعة مصدرا للتّداول، حتى التّعويضات تسلّم في آجالها المحددة، زيادة على تغطيتها لكل الحوادث الطّبيعية وغيرها.
هذه الحيثيات السّالفة الذّكر، هي التي يركّز عليها المتتبّعون لها المجال الخاص بالتّأمين الفلاحي قصد إبراز الخلل الذي ينتاب هذه الخدمة الموجّهة لهذه الفئة، وفي مقابل ذلك الدّعوة إلى إيجاد بدائل أكثر فعالية من ناحية التّواصل. وهذا التّحفّظ التّقني المسجّل من قبل هؤلاء المطّلعين على هذا القطاع، إنما يأملون في أن يتحمّل الفلاّحون مسؤولياتهم في هذا الصّدد، وهذا بإعادة النّظر في علاقاتهم بمؤسّسات عالم الفلاحة، وفق سلوكات جديدة تنمّ عن رغبة عميقة في إحداث هذه الوثبة، والانتقال إلى مرحلة أكثر حيوية بإقامة جسور مرور مباشرة لاقتناء ما يلزم من الضّمانات في هذا المجال.