تحديـــــد البقـــــع الســـــوداء وأماكـــــن الميـــــاه الراكـــــدة لتفــــــــــادي الفيضانـــــــــات
”البصمـــــة المائيـــــة” مـــــن أجـــــل تسيـــــير أكـــــثر انصافــــــــا واستدامـــــة للمـــــورد
تطرق اجتماع الحكومة الأربعاء الماضي إلى محور الأمن المائي، الذي يحظى بمتابعة صارمة من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، الذي أكد على ضرورة الاستغلال الأقصى لجميع مصادر المياه، من مياه الأمطار والمياه المستعملة المصفاة ومياه البحر المحلاة، من خلال تعزيز البنى التحتية لتوفيرها، من سدود وأحواض ومحطات تحلية مياه البحر. كما شدّد اجتماع الحكومة على وضع خطة استباقية لمواجهة الكوارث الطبيعية من فيضانات، تحسبا لاستقبال فصل الشتاء.
ثمّن الخبير في الموارد المائية والوزير الأسبق، البروفيسور كمال ميهوبي، في اتصال مع “الشعب”، مساعي الدولة الجزائرية والمجهودات التي تبذلها من أجل تحقيق الأمن المائي، وضمان وفرته لجميع الاستعمالات، سواء ما تعلق منها بتزويد المواطن باحتياجاته من الماء الشروب، أو ما تعلق بالاستعمالات الموجهة للزراعة والصناعة، من خلال استنفارها لجميع الموارد من مياه سطحية وجوفية أو مياه السدود أو تلك المحصلة من تحلية مياه البحر أو تلك الناتجة عن تصفية المياه المستعملة بكثرة في عمليات الري.
مــــــــــــــــــــــورد مائـــــــــــــــــــــي أوفـــــــــــــــــــــر
واستهل كمال ميهوبي طرحه، بالتطرّق إلى أوّل مصدر للمياه المتمثل في السدود المخزنة لمياه الأمطار، موضحا أنه ووفقا لتوقعات المخطط الوطني للمياه، تعمل الدولة جاهدة على تعبئة المياه السطحية من أجل مضاعفة الطاقة الإجمالية للسدود والانتقال من حجم تعبئة قدره 8.3 مليار متر مكعب نهاية 2025 إلى 9.5 مليار متر مكعب آفاق سنة 2030 التي ستعرف انجاز 120 سدا، بنسبة تعبئة تزيد عن 45%.أما المصدر الثاني، الذي شكل محور اهتمام السلطات العمومية خلال السنوات الأخيرة، وفق ما أوضح ميهوبي، فيتمثل في تقنية إعادة استعمال مياه الصرف الصحي المصفاة، كوسيلة دعم تكميلية للموارد المائية ببلادنا، ستساهم بقدر كبير في زيادة المساحات الزراعية المسقية، والتحكم في حالات الإجهاد المائي التي تعاني منها العديد من مناطق البلاد.
وتحرص السلطات العمومية من خلال القطاعات الوزارية المعنية مثل الفلاحة والموارد المائية، اعتماد نماذج لتسيير الثروة المائية تعتمد على الإدارة الرشيدة القائمة على تقليل الخسائر في شبكات توزيع المياه، واستحداث تقنيات اقتصادية خلال عملية الري أو ما يعرف “بالري الذكي”، إضافة إلى اعتماد نموذج لإدارة إنتاج وتوزيع المياه بتقنيات التحكم عن بعد، تتيح التنبؤ بفترات الإجهاد المائي بناء على البيانات المناخية.
ويتمثل المصدر الثالث في تحلية مياه البحر، كأحدث تقنية تكنولوجية لتوفير المورد المائي، حيث ستحصي الجزائر 25 محطة لتحلية المياه آفاق 2030.
حوكمـــــــــة استشرافيــــــــــة علميــــــــــة
وبالحديث عن التكنولوجيا والتقنيات العلمية الحديثة، أشار كمال ميهوبي إلى نقطة مهمة، تخص استخدام الذكاء الاصطناعي -كتوجه علمي جديد، فرض نفسه في جميع المجالات-ورقمنة أنظمة تسيير الخدمة العمومية للمياه التي ستلعب دورا في غاية الأهمية في إدارة شبكات الماء الشروب، وخاصة في المدن الكبرى التي تواجه إشكاليات معقدة مرتبطة بإمدادات المياه وصيانة البنية التحتية وإدارة الموارد المائية.
وتمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي-بحسب المتحدث- من مراقبة حالة البنية التحتية المكونة خاصة من الأنابيب والخزانات في الوقت الفعلي، باستخدام أجهزة استشعار تعمل على اكتشاف العلامات التحذيرية للفشل وتحديد المناطق التي تعاني من أعلى معدلات فقدان المياه جراء الاحتيال أو التسريبات قبل أن تتحوّل إلى مشكل حقيقي يتسبب في هدر الثروة المائية، كما يؤدي الكشف المبكر عن الخلل والأعطاب المتعلقة بشبكة توصيل المياه إلى تحسين نوعية الصيانة وتقليل تكاليف الإصلاح.
أما بالنسبة للشق المتعلق بترشيد استهلاك المياه، تقوم أنظمة الذكاء الاصطناعي بتحليل بيانات استهلاك المياه وتحديد الاحتياجات المتوقعة من هذا المورد الحيوي، وضبط مستويات توزيع المياه بالمناطق الحضرية، خاصة في فترات الإجهاد المائي والجفاف وأوقات الذروة والظروف الجوية، بناء على البيانات التاريخية والمناخية والهيدرولوجية لوضع استراتيجيات مرنة للتحكم في توزيع المياه مما يعزّز الإدارة المستدامة للمياه والحفاظ عليها.
بصمـــــة مائيــــة للاستهــــــلاك
ومن أجل تحديد تأثيرات الاستهلاك على المستوى الفردي والزراعي والصناعي على نحو أفضل من خلال تشجيع الممارسات المسؤولة، اقترح الخبير في الموارد المائية، استعمال “البصمة المائية” التي تسمح بتقييم مدى فعالية السياسات الحكومية، في تسيير الموارد المائية على المستوى الحضري والزراعي والصناعي، واعتماد النتائج المحصلة خلال عملية المتابعة لمخزون المياه في تعديل اللوائح واقتراح النماذج الزراعية الأكثر استدامة من أجل إنتاج فلاحي أوفر. كما تعد البصمة المائية مؤشرا رئيسيا لتقييم مرونة أنظمة الإنتاج ومدى قدرتها على مقاومة تغيرات المناخ، وأداة أساسية لتعزيز الاستخدام الأكثر إنصافا واستدامة للموارد المائية، لا سيما في الظروف التي تعرف محدودية أو انخفاضا في نسبة مخزون هذه الأخيرة ومن ثم اتخاذ القرارات المتعلقة بتقليص استهلاك المياه تحسين كفاءة حوكمتها.
نظــــام مضـــــاد للكـــــوارث
ونحن على أعتاب فصل الشتاء، ارتأى ميهوبي، التطرّق إلى احتمالات تهاطل أمطار غزيرة وتفسيرها كظاهرة مناخية تنتج عن ارتفاع درجة حرارة سطح الأرض، مما يؤدي إلى الرفع من نسبة تبخر مياه البحار والمحيطات، حيث تستقبل الرطوبة الناتجة عن تبخر مياه البحر، من طرف الغلاف الجوي، الذي يكون أكثر دفئا مع ارتفاع درجة حرارته، ما يمكنه من الاحتفاظ بمزيد من بخار الماء، الذي يتم نقله إلى الغلاف الجوي بسرعة كبيرة، ليتكاثف فيما بعد ويتساقط على شكل أمطار غزيرة.
وللتقليل من أخطار الفيضانات المتكررة في المناطق الحضرية، شدد ذات المتحدث، على ضرورة اعتماد حلول تستند إلى خطط محكمة في إدارة مياه الأمطار بناء على الأساليب الهيكلية وحتى غير الهيكلية والطبيعية، بداية بتحديد البقع السوداء وأماكن المياه الراكدة، ثم دراسة المخاطر الرئيسية للفيضانات من خلال وضع خطط الوقاية من مخاطر الفيضانات وأنظمة الإنذار، مع تحسين البيئة التحتية للصرف الصحي.
إلى جانب توسيع وتحديث شبكات تصريف مياه الأمطار بشكل يرفع من نسبة تدفق المياه، خاصة من خلال أحواض الاحتفاظ أو الموجودة أسفل الطرق العامة، إضافة إلى تعزيز أنظمة صرف أكثر نفاذية في المناطق المرصوفة، مما يسمح لمياه الأمطار بالتسرب إلى الأرض وبالتالي التقليل من الجريان السطحي من خلال الحلول الطبيعية.
قي السياق، يقترح ميهوبي توفير مناطق تخزين طبيعية، بإمكانها استيعاب المياه أثناء هطول الأمطار الغزيرة وتقليل حجم المياه في قنوات الصرف على غرار أحواض لتعزيز التسرب وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية، إضافة إلى تركيب شبكات استشعار ذكية، لمراقبة مستويات المياه وهطول الأمطار في الوقت الحقيقي لتوقع الفيضانات.
من جهة أخرى، شدّد ميهوبي على ضرورة توعية المواطن ونشر ثقافة الحفاظ على الثروة المائية بين المواطنين، من خلال ممارسات حضارية لاستغلال المياه وتجنب انسداد شبكات الصرف المائي.