نائـــب مديــــر مكلفــــة بمهــــام مكافحــــة التصحــــر.. صبرينـــــة راشـــــدي لـــــ “الشعـــــب”:

تمويـــل 100 بالمائــة لغــرس أشجـار مثمـرة بمحيط السـد

زهراء. ب

 

 حماية الأنظمة الحيوية الطبيعية عنصر أساسي لكل تنمية مستدامة 

غرس 9 آلاف و500 هكتار بمختلف الأصناف الحراجية والفلاحية والأشجار المقاومة والرعوية

اتفاقيات مع المؤسسات الناشئة عن طريق المناولة لتجسيد عمليات التأهيل المبرمجة

شرعت الجزائر في تنفيذ المرحلة الثانية من مشروع إعادة تأهيل السّد الأخضر، بعد مرحلة أولى وصفتها صبرينة راشدي نائب مدير مكلفة بمهام مكافحة التصحر والسد الأخضر بالمديرية العامة للغابات بـ«الناجحة” حيث حققت نسبة تجسيد 53 بالمائة من المشروع، وهي نسبة مقبولة ـ تقول راشدي ـ إذ عرفت المرحلة الأولى من برنامج إعادة تشجير الفضاءات المتدهورة الذي كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قد أعطى إشارة انطلاقها بولاية الجلفة في 29 أكتوبر 2023 واختتمت في مارس 2024، غرس أكثر 9 آلاف و500 هكتار بمختلف الأصناف الحراجية، الفلاحية، الأشجار المقاومة، والأشجار الرعوية.

أشارت راشدي في تصريحها لـ«الشعب”، إلى أن برنامج إعادة تأهيل السد الأخضر لا يقتصر على عملية إعادة التشجير فقط، بل سيكون بنظرة جديدة مغايرة لتلك الفكرة الأولى التي أطلقتها الجزائر سنوات السبعينيات وكانت رائدة فيها وسباقة لمكافحة التصحر، بقرار 23 جوان 1970، الذي أصدره رئيس الجمهورية آنذاك لإنشاء الحزام الأخضر ليكون حاجزا بين المناطق الشمالية والمناطق الجنوبية، لمنع زحف الرمال إلى المناطق الشمالية، حيث تقرّر بعث هذا المشروع الريادي في 2023 وفق مقاربة اقتصادية اجتماعية وبيئية، لإعادة تأهيل الفضاءات المتدهورة نتيجة الحرائق، الرعي العشوائي، والقطع العشوائي، وادماج السكان الجواريين في المناطق السهبية ضمن هذا المسعى، حتى نخلق ديناميكية في المناطق السهبية التي تعد همزة وصل بين المناطق الجنوبية والمناطق الشمالية، وخلق ثروات مستدامة عن طريق غرس واستغلال الأشجار المثمرة، لذلك عملنا تقول راشدي “على غرس أشجار الخروب، الفستق، التين والزيتون بحسب رغبة المواطنين، لتسهيل اندماجهم في البرنامج والاستفادة من الأشجار”.
وبما أنه معظم مساحة السد الأخضر 63 بالمائة عبارة عن مناطق سهبية ذات طابع رعوي، قالت راشدي “تم منح الأولوية لتنمية الأشجار الرعوية، لزيادة الأعلاف ورفع مردوديتها بزيادة المغروسات العلفية في هذه المناطق ووضعها تحت الحماية لإعادة استغلال المساحات الرعوية، لأن تدهور الأراضي الرعوية نتيجة تدهور الغطاء النباتي تسبب في تقليص المساحات الرعوية”، ولتفادي هذا التدهور شدّدت راشدي على ضرورة وضع هذه المناطق تحت الحماية حتى تكون التربة غنية وبالتالي تسمح للنباتات السهبية بالعودة وزيادة كمية العلف وتطوير النشاط الرعوي بتقنينه وتأطيره وذلك بالعمل مع المحافظة السامية للسهوب المسؤولة على هذه النشاطات.
أما بالنسبة للجانب الحراجي والغابي المحض، فأوضحت المتحدثة أن نشاطات إعادة التشجير، تتمثل في إعادة تعمير الفضاءات المتدهورة، وغرس الفضاءات المتعرّية تماما، لذلك نتحدث عن توسيع السد الأخضر، الذي سيكون داخل مساحة 4.7 مليون هكتار، تمر بـ 183 بلدية و1200 منطقة.
وأشارت إلى أن هذا البرنامج يمتد على 7 سنوات، من 2023 إلى 2030 يهدف إلى غرس مساحة إجمالية تقدر بـ 400 ألف هكتار، ليس بأشجار تلقائية، بل بحزام من غطاء نباتي مراعي للأنظمة الحيوية الطبيعية، لأن 4.7 مليون هكتار من السد الأخضر تتكون من غطاء نباتي حراجي يمثل 18 بالمائة من المساحة الاجمالية، غطاء فلاحي يمثل 16 بالمائة، ومعظم المساحة المتبقية عبارة عن 63 بالمائة من المناطق السهبية والتي تحتاج إلى نباتات طبية، عطرية ورعوية، وبالتالي هذا ما سيؤدي أن يكون هذا المشروع الريادي مشروع اقتصادي، عن طريق برنامج تطويره وتوسيعه.
التغيّـــــــــــــــــــــرات المناخيــــــــــــــــــــــــــــة
تقول المكلفة بمهام مكافحة التصحر والسد الأخضر بالمديرية العامة للغابات، إنه “لا يمكن القيام بعمليات تشجير دون فتح المسالك”، وعلى هذا الأساس حرصت مديرية الغابات على وضع برنامج لفتح المسالك وكذلك التزويد وحشد المياه الضرورية سواء للمستثمرات الفلاحية أو لعمليات التشجير، موضحة أنه لا يمكن الانطلاق في عمليات التشجير دون وجود موارد مائية للسقي، وبالتالي سيكون برنامج إعادة تأهيل السد الأخضر “ادماجي”.
بالإضافة إلى ذلك تقوم مديريات الغابات بصيانة الغابات المندثرة، التي لديها مساحات متدهورة نتيجة الاحتباس الحراري، وهنا تؤكد راشدي أن سيناريو التغيّرات المناخية يشير إلى تضرّر المناطق الجافة وشبه الجافة، وهذا يعني أن نطاق السد الأخضر معرض لارتفاع درجات الحرارة، وعلى هذا الأساس تعمل المديرية العامة للغابات بعلاقة وطيدة مع الجامعات، والمعاهد التقنية ومعهد البحث الغابي، لاقتناء الأصناف المقاومة للجفاف ويكون ذلك عن طريق المتابعة المستمرة، لأنه يجب أخذ هذه التنبؤات بعين الاعتبار، لأن هذه ظاهرة عالمية ولا تمسّ الجزائر فقط.
ونوّهت راشدي بتجربة الجزائر الرائدة في التقليل من الاحتباس الحراري، ومكافحة التصحّر، إذ تعدّ من بين الدول المصادقة على الاتفاقية الدولية لمكافحة التغيّرات المناخية ومكافحة التصحّر، وستعمل في الدورة 16 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر المزمع عقده بالمملكة السعودية من 3 إلى 13 ديسمبر المقبل، على تظافر المجهودات بين دول العالم للتقليل من الاحتباس الحراري، الذي يعود سلبا على الغطاء النباتي العالمي، لأنه شوهد تدهور 100 ألف هكتار عالميا خلال 30 سنة، ولهذا تعمل الجزائر على تكثيف برامج إعادة التشجير وإعادة تأهيل وصيانة الغابات، وتسييرها في إطار التنمية المستدامة، وكل هذا في اطار مكافحة التغيرات المناخية ومكافحة التصحّر.
عوامــــــــــــــــــــــــــل نجــــــــــــــــــــــــــــــاح
تكييف الغطاء النباتي في الجزائر مع الظروف المناخية، يقتضي بحسب راشدي أصناف أشجار ونباتات موجودة في الطبيعة بالجزائر، وهذا أهم عامل لنجاح عمليات التشجير، وعلى هذا الأساس عملت مديرية العامة للغابات بالتنسيق مع الجامعات، ومعهد الأبحاث الغابية قبل الشروع في تجسيد برنامج إعادة تأهيل السد الأخضر، على الأخذ بعين الاعتبار الأنماط البيو جغرافية، وحددت الأصناف الملائمة للمناطق الجافة وشبه الجافة، منها العرعار، الفستق الحلبي، الفستق الأطلسي، الخروب، الأشجار المقاومة للجفاف.
ونبهّت راشدي إلى أن كل شجرة في البداية تحتاج إلى الرّي، لذلك لا يمكن غرس أي شجرة وتترك دون عناية أو ماء خلال 3 سنوات الأولى حتى تتأقلم، أو تغرس أصناف الشمال في الجنوب، بل يجب مراعاة النمط البيوجيوغرافي واقتراح الأصناف الرعوية الملائمة مثل “تريبلكس” والحلفاء وقد أظهرت التجربة الميدانية أنها منحت أفضل النتائج وتأقلمت جيدا مع هذه الأوساط خاصّة في ولاية البيض.
بالإضافة إلى تثبيت الكثبان الرملية، جرت العادة أن تقوم مديريات الغابات في إطار مهامها بمكافحة الترمل والزوابع الرملية من خلال عمليات تثبيت الكثبان في إطار السد الأخضر، وأحصت راشدي استهداف 1000 هكتار لتثبيت الكثبان، بالإضافة إلى تسجيل برامج أخرى، لأن هذه الظاهرة تزداد مع ازدياد تدهور الغطاء النباتي، نتيجة الحرائق المتكرّرة السنوية، التي تؤدي إلى تعرية التربة وبالتالي إلى الزوابع الرملية.
وفي هذا السياق، دعت راشدي وسائل الإعلام لتحسيس الرأي العام والمجتمع المدني لحماية الغطاء النباتي بما فيها الأعشاب الصغيرة، لأنها تؤدي إلى حماية التربة من الانجراف الريحي، الذي يؤدي إلى التعرية، وظهور الكثبان الرملية وبالتالي يجب تضافر جهود كل الفاعلين لحمل الوافدين على المنتزهات، الغابات، المناطق الرطبة، على احترام النظام الايكولوجي والتوازن البيئي حتى نحمي التربة من ظاهرة التعرية أو الانجراف الريحي في المناطق السهبية، والصحراوية، أما في المناطق الشمالية مكافحة التصحر لحماية الأحواض المتدفقة والجبال من الانجراف المائي الذي هو يؤدي إلى تعرية التربة وبالتالي إلى التصحر.
استقطــــــــــــــــــــاب الشبـــــــــــــــــــــاب
تنفيذا لتعليمات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بإشراك الشباب أصحاب المؤسسات الناشئة في برنامج إعادة تأهيل السد الأخضر، أوضحت راشدي أن مجمع الهندسة الريفية أخذ ذلك بعين الاعتبار سنة 2023، حيث تم ابرام اتفاقيات مع المؤسسات الناشئة عبر دفتر شروط، لمساهمة أصحابها عن طريق المناولة في تجسيد العمليات المبرمجة في إطار تأهيل السد الأخضر.
 أما في سنة 2024، فقد خصصت حصص بنسبة 20 بالمائة من الصفقات لصالح المؤسسات الناشئة حتى تخلق ديناميكية وشغل في هذه المنطقة ويتم استقطاب الشباب القاطنين في هذه المنطقة والعمل على تجسيد الورشات الموجودة، كذلك خصصت المصالح الفلاحية والديوان الوطني للأراضي الفلاحية، مساحات بجوار السد الأخضر ومنحها لأصحاب المشاريع الراغبين في العمل على تجسيد مشاريع إعادة التشجير أو غرس أشجار مثمرة، وذلك عن طريق البطاقة الرقمية للديوان، وقد تم احترام كل الأنماط الايكولوجية الأصلية في اطار تأهيل السد الأخضر، وادراج الأصناف التي تتكيف مع كل منطقة مثل نبات التين الشوكي بمنطقة خنشلة، الذي يكثر عليه الطلب لما فيه من فوائد اجتماعية، اقتصادية، ورعوية.
وأكدت راشدي، أن برنامج إعادة تأهيل السد الأخضر، تسهر عليه مؤسسات مؤهلة، وليست متطوّعة، وقد خصصت له الدولة التمويل الكافي لإتمام كل المشاريع، حيث رصدت 75 مليار دينار إلى غاية 2030، أما المستفيدين من برامج الأشجار المثمرة، فيستفيدون من تمويل 100 بالمائة، لكن يكون على عاتقهم صيانة الأشجار المغروسة، وسقيها للحفاظ على ديمومة هذه المغروسات، موضحة أن ديمومة هذا المشروع مرتبط 100 بالمائة بعمليات الصيانة والمتابعة ما بعد الغرس.
صفــــــــــــــــــــــر ورق
لربح وقت الإنجاز، وضمان المتابعة الآنية لجميع برامج إعادة تأهيل السد الأخضر عبر 13 ولاية، و183 بلدية و1200 منطقة من شرق إلى غرب البلاد، انتهت المديرية العامة للغابات من إعداد المنصة الرقمية الخاصة بالسد الأخضر، والتي أوكلت مهمة إعدادها للمكتب الوطني للدراسات الخاصة بالتنمية الريفية “بنيدار”، وقالت راشدي “إنها جاهزة وستدخل حيز الاستعمال من طرف 13 ولاية المعنية قريبا”، إذ تنطلق الأسبوع المقبل عملية تكوين المستفيدين من المنصة الرقمية التي ستسمح بالمتابعة الآنية لمدى تقدم أشغال إعادة تأهيل السد الأخضر، وربح الوقت ومعركة صفر ورق لتقليل التلوث، وتقليص استخدام الورق، وتفادي بذلك مشكل نقص المادة الأولية التي تدخل في صناعة الورق، الناجم عن تدهور النظام البيئي الطبيعي الايكولوجي.
وفي هذا الصدد، أكدت راشدي أن حماية الأنظمة الحيوية الطبيعية هي العنصر الأساسي لكل تنمية مستدامة في كل الميادين سواء بالنسبة للأمن الغذائي، أو الأمن المائي، أو التنمية الاجتماعية، لأنه عندما يكون لدينا نظام حيوي غابي أو سهبي جيد، يكون الإنسان في توازن عقلي، وعندما نكون في محيط متدهور الإنسان بسيكولوجيا لا يكون بصحة جيدة.
سلـــــــــــــــــوك إيجابــــــــــــــــــي
انخراط أفراد من المجتمع في عمليات تشجير بالمحيطات السكنية، وعلى الأرصفة، والطرقات، وبالمحيطات الغابية، سلوك إيجابي باعث على الأمل، وهذا ما ترك راشدي تحث على تعميم التربية البيئية، فالشعب الحالي مثلما قالت “أصبح يريد أن يغرس وينشئ مساحات خضراء، لهذا نعمل حين يقصدنا أفراد أو مجموعات على توجيههم، لاحترام تقنيات الغرس والأصناف الملائمة لكل منطقة، مثل غرس الأشجار المعمرة وسط المجمعات السكنية التي لا تسبب الحساسية، وغرس على الطرقات الأشجار التي تزيد الرطوبة وتمنح الظل لتقلل من الاحتباس الحراري”.
وخلصت راشدي إلى أن الجزائر ماضية في تنفيذ برنامج إعادة تأهيل كل الفضاءات لاسيما السد الأخضر، وبالتالي تسهر على تجسيد المشروع وتحقيق الأهداف المرجوة منه، فضاءات غير متدهورة مزدهرة إيكولوجيا واجتماعيا واقتصاديا لخلق ديناميكية خاصة في المناطق السهبية التي تزخر بثروات يمكن تثمينها بما فيها المواد غير الخشبية مثل الأعشاب الطبية والعطرية مثل الشيح، ونعمل على تقنين استغلالها عن طريق قانون الثروات الغابية حتى لا تندثر.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19625

العدد 19625

الإثنين 18 نوفمبر 2024
العدد 19624

العدد 19624

الأحد 17 نوفمبر 2024
العدد 19623

العدد 19623

السبت 16 نوفمبر 2024