تواصل الحكومة حشد جميع القدرات وتعبئة كل الطّاقات من أجل تجسيد المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية بولايات الجنوب، المنبثق من التزامات وتوجيهات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ومن مخطط عملها، وكذا الإستراتيجية القطاعية لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية بهدف تلبية الحاجيات الغذائية الواسعة الاستهلاك للجزائريين، عن طريق تحقيق الاكتفاء الذاتي في مادة القمح الصلب والذرة والشعير ابتداء من 2025.
كثّفت ستة قطاعات وزارية معنية بتنفيذ برنامج الزراعات الاستراتيجية بولايات الجنوب لقاءاتها، لتسريع تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المتعلق بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مواد واسعة الاستهلاك، تتقدمها الحبوب بأنواعها والحليب، والنباتات الزيتية والبقول، ورفعت درجة التنسيق بينها ليشمل الإدارات اللامركزية، والشركات الاقتصادية والدواوين الفلاحية، بعد أن كان يقتصر الأمر في السنوات الماضية على الإدارات المركزية، في خطوة مهمة برأي الخبراء سمحت بالانتقال من التسيير الإداري إلى التسيير الاقتصادي للمشاريع التنموية المرتبطة بتحسين معيشة المواطن وضمان السيادة الغذائية للبلاد، والتي يضعها رئيس الجمهورية ضمن أولوية الأولويات.
وفي إطار تجسيد المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية بولايات الجنوب، التقى الاثنين 6 وزراء أعضاء بالحكومة ويتعلق الأمر بوزراء الفلاحة والتنمية الريفية، المالية، الطاقة والمناجم، الري، البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، الأشغال العمومية والمنشآت القاعدية، في إطار اجتماع تنسيقي خصّص لدراسة الاحتياجات المتعلقة بإنشاء الهياكل القاعدية والبنى التحتية لمحيطات الاستصلاح الفلاحي بولايات الجنوب، حضر هذا اللقاء ولاة ولايات أدرار، تيميمون، إليزي، المنيعة، ورقلة، تقرت، إضافة إلى مدراء الشركات العمومية على غرار مجمّع سونلغاز، اتصالات الجزائر، الوكالة الوطنية للموارد المائية، الصندوق الوطني للاستثمار ومدراء المعاهد التقنية المعنية ومدراء ديوان تطوير الزراعات الصناعية بالأراضي الصحراوية والديوان الوطني للأراضي الفلاحية وإطارات من القطاعات المعنية.
مــــرافــــقـــــة خـــــاصـــــة
وبعد الاستماع إلى تدخّلات الولاّة الذين قدّموا وضعية خاصة بالاستثمار الفلاحي المهيكل على مستوى ولاياتهم، تمّ الاتفاق على تشكيل لجان محلية متعددة القطاعات لتحديد الأولويات الخاصة بكل ولاية قصد تعبئة الموارد المالية الضرورية.
وليست هي المرة الأولى التي يحضر فيها الولاة الجمهورية، لقاء تنسيقي مركزي، إذ سبق هذا اللقاء اجتماعات استباقية بدأت من شهر جويلية الماضي، لأنّ المشاريع المسجلة ضمن المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية بالجنوب، تحتاج إلى مرافقة خاصة، وتكاثف جهود جميع القطاعات والإدارات لإنجاحها، وبلوغ الأهداف المسطرة من قبل السلطات العليا للبلاد، التي وضعت صوب أهدافها تحقيق الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب والشعير بداية من 2025 والذرة الحبية.
وتمّ في آخر لقاء وضع ورقة طريق للتكفل بالاحتياجات الخاصة بالمحيطات الفلاحية وربطها بمختلف الشبكات (كهرباء، غاز، طرق، ألياف بصرية…إلخ)، بما في ذلك مشروعي انتاج الحليب المجفف بالشراكة مع الشركة القطرية “بلدنا” وإنتاج الحبوب والبقوليات والعجائن الغذائية بالشراكة مع “بي أف الإيطالية”.
وتعطي قطاعات الطاقة والمناجم، الأشغال العمومية، البريد، أهمية بالغة لتجسيد مشاريع ربط المحيطات الفلاحية والمستثمرات بالكهرباء، فتح المسالك والطرق، والربط بشبكة الألياف البصرية، بهدف ترقية الاستثمار الفلاحي وترقية المنتوج الفلاحي، وإعطاء دفعة قوية لتنمية النشاط الفلاحي الوطني أو الأجنبي، والاستجابة بذلك لتطلعات المستثمرين والفلاحين فيما يتعلق بتحسين وتطوير ظروف مزاولة النشاط الفلاحي والرعوي.
خارطة دقـيقـــة لـلقــــدرات والاحـتـيـــــاجــــــات
تفعيل المخطّط الوطني لتنمية الزّراعات الاستراتيجية في ولايات الجنوب، تطلب وضع خارطة دقيقة للقدرات الطبيعية لإنجاز المشاريع الاستثمارية في المجال الفلاحي المبرمجة بولايات الجنوب، وتحديد الاحتياجات الخاصة من حيث التربة والمياه وكذا الطاقة والبنى التحتية والاتصالات، وهي عوامل أساسية برأي خبراء تساهم في تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع في الميدان على غرار ربط المستثمرات الفلاحية بالكهرباء، وتسهيل إجراءات حفر الابار وتثمين المياه غير التقليدية.
ويجري تنفيذ مشروع “بلدنا” شراكة جزائرية - قطرية لإنتاج الحليب المجفف، على مساحة إجمالية تقدر بـ 117، تمّ ضبط المساحة الإجمالية للمجموعة الأولى للمشروع في حدود 50 ألف هكتار، لأنّ المشروع وفق ما تمّ الاتفاق حوله، سيتم تنفيذه عبر مراحل، تخصص المرحلة الأولى لزراعة الأعلاف، والمرحلة الثانية لتربية 50 ألف بقرة حلوب، وفي المرحلة الثالثة إنشاء مصنع مسحوق الحليب، الذي يكون إنتاجه تدريجيا بـ 33 ألف طن بعد ثلاث سنوات الأولى، للوصول إلى 194 ألف طن سنويا في السنة التاسعة.
مشروع “بلدنا” تتجاوز قيمته 3.5 مليار، تقدّر مساهمة الدولة في تمويل المشروع بـ 110 مليار دينار، حسب تقديرات مشروع قانون المالية لسنة 2025، سيمكّن من توفير 50 بالمائة من الاحتياجات الوطنية من مسحوق الحليب المنتج محليا، وهو ما يساهم في تقليص فاتورة استيراد هذه المادة، إضافة إلى تزويد السوق المحلية باللحوم الحمراء، وخلق 5000 منصب شغل مباشر، والمساهمة في رفع عدد رؤوس القطيع الوطني من الأبقار.
يؤدّي هذا النوع من المستثمرات (المزارع) إلى تحكم أفضل في عملية تربية الأبقار بفصل استخدام أحدث التقنيات وأفضل الممارسات في تسيير الثروة الحيوانية وسلوكها، كما تساهم المزارع الكبرى المدمجة في تقليل تكاليف الإنتاج بفضل توفير كافة عوامل الاقتصاد الكلي والتحكم في مختلف مراحل الإنتاج من زراعة الأعلاف، تربية الأبقار، وتصنيع الحليب المجفف ومشتقاته.
أمّا مشروع المجمع الإيطالي “بي آف” لإنتاج الحبوب والبقوليات، فهو مشروع كامل مدمج ينفذ على مساحة تقدر ب 36 ألف هكتار بولاية تيميمون بالجنوب الجزائري بقيمة إجمالية تقدر بـ 420 مليون أورو، ويندرج هو الآخر ضمن المخطط الوطني الخاص بتطوير الشعب الإستراتيجية الذي يشمل الحبوب، والبقوليات، والنباتات السكرية والزيتية، والبذور، وكذا الحليب، المنبثق من التزامات وتوجيهات رئيس الجمهورية.
هذا المشروع المندرج في إطار استراتيجية الدولة لإنتاج مواد واسعة الاستهلاك، ستخصّص له مساحة قدرها 35.450 هكتار لزراعة القمح، ومختلف أنواع البقوليات، بينما ستخصّص المساحة المتبقية لتشييد مركب صناعي غذائي يتكوّن أساسا من مطحنة، ومنشأة للتخزين، ووحدة لإنتاج العجائن الغذائية، وغيرها من المرافق الحيوية للمشروع، كما سيسمح هذا المشروع بخلق أكثر من 6.700 منصب شغل منها ما يقارب 1600 منصب دائم وحوالي 5100 منصب غير دائم.
من شأن هذا المشروع المتكامل لإنتاج الحبوب والبقوليات والعجائن الغذائية، رفع الإنتاج الوطني من القمح الصلب بـ 170 ألف طن سنويا، والعدس بـ 7100 طن والفاصولياء بـ 14 ألف طن، والحمص بـ 11 ألف طن سنويا، وهو ما سيساهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي الوطني من القمح الصلب، لاسيما بعد تحقيق إنتاج وفير الموسم الماضي، بنسبة 80 بالمائة.
ودعّمت وزارة المالية من خلال ذراعها المالي المتمثل في الصندوق الوطني للاستثمار بنسبة 49 بالمائة في رأسمال الشركة المختلطة بما يعادل 102.9 مليون أورو، أي 14.8 مليار دينار جزائري، وهو ما يؤكّد أنّ وزارة المالية تولي أهمية كبيرة لهذا المشروع، ولهذه الشراكة المثمرة التي تدخل في إطار استراتيجية الدولة لتنويع الموارد المالية، وتحقيق الأمن الغذائي للبلاد في ظل التغيرات المناخية والتحولات الجيوسياسية.
مــــــزارع جـــــديـــــــــدة
بالإضافة إلى مشروع “بلدنا” الجزائري - القطري لإنتاج الحليب المجفف ومشروع المجمّع الإيطالي “بي أف” لإنتاج الحبوب والبقوليات، توجد عدة مشاريع مهيكلة جديدة في مرحلة الانطلاق، منها مشروع “مجمّع سيفيتال” على مستوى ولايات المنيعة ورقلة وغرداية على مساحة إجمالية تفوق 285 ألف هكتار لإنتاج الشمندر السكري، ووحدة لتحويله بطاقة 505 ألف طن سنة مع إنتاج محاصيل استراتيجية أخرى، ومشروع الشركة “تافاديس” التابعة لمجمع “مدار” بولايتي ورقلة وتوقرت على مساحة تفوق 20 ألف هكتار الإنتاج الشمندر السكري، ووحدة تحويل بطاقة 60 ألف طن يوميا مع استهداف إنتاج 720 ألف طن سنويا، علاوة على إنتاج محاصيل استراتيجية أخرى ضمن برنامج التدوير الزراعي.
كما تمّ تسجيل مشروع استثماري جزائري سعودي ببلدية حاسي قارة بولاية المنيعة على مساحة قدرها 20 ألف هكتار وذلك لإنتاج المحاصيل الزراعية وتربية المواشي، علاوة على ذلك تم تسجيل استثمارات في إطار شراكة جزائرية - صينية في مجال الدواجن والزراعات الاستراتيجية، وذلك على مستوى ولاية أدرار.
يحتاج تعزيز الأمن الغذائي للجزائر، وإنتاج الاحتياجات الغذائية واسعة الاستهلاك، على غرار الحبوب والبقول الجافة والبذور الزيتية والحليب والسكر، تجسيدا لالتزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، التوجه نحو استصلاح مستدام للأراضي بالجنوب لتطوير الزراعات الصناعية.
ولتجسيد السياسة الاستثمارية المعتمدة من طرف الجزائر في المجال الفلاحي، استفاد المتعاملون الاقتصاديّون والمستثمرون من مختلف التحفيزات الممنوحة في هذا المجال سواء من جانب العقار، والمرافقة، والتمويل، ناهيك عن المزايا الأخرى التي يوفّرها القانون 18-22 المتعلق بالاستثمار لسنة 2022، الذي يحدّد حق المستثمرين والتزاماتهم، والأنظمة التحفيزية المطبّقة على الاستثمارات في الأنشطة الاقتصادية لإنتاج السلع والخدمات المنجزة من طرف الأشخاص الطبيعيين أو المعنويين، الجزائريين أو الأجانب، مقيمين كانوا أو غير مقيمين، زيادة عن التحفيزات والضمانات التي يوفرها قانون الاستثمار لاسيما الاستفادة من أراضي تابعة للأملاك الخاصة للدولة، ومختلف الإعفاءات، كما تمّ مؤخرا وضع تسهيلات إضافية لفائدة كبار المتعاملين الراغبين في الاستثمار في المجال الفلاحي بمناطق الجنوب، تتمثّل في تخصيص رواق أخضر خاص بالمشاريع الكبرى، وهو عبارة عن تسهيلات خاصة تتعلق بدراسة الملفات، الحصول على العقار وتراخيص حفر الآبار…إلخ.
ويشهد القطاع الفلاحي إقبالا من طرف المتعاملين الاقتصاديين الجزائريين والأجانب للاستثمار في الجنوب، لاسيما بعد دخول الإجراءات التشجيعية للمستثمرين حيز التنفيذ على غرار الرواق الأخضر للمشاريع التي تتجاوز مساحتها 10 آلاف هكتار.
ويشدّد رئيس الجمهورية في كل مناسبة على ضرورة العمل على تجسيد الأهداف المنوطة بالمخطط الوطني للزراعات الاستراتيجية بولايات الجنوب لتعزيز الأمن الغذائي، ورفع المساحات المزروعة في الولايات الجنوبية إلى 500 ألف هكتار، ورفع مستوى مردود الهكتار الواحد إلى ما لا يقل عن 55 قنطارا، ووضعت وزارة الفلاحة ضمن أهدافها إلى 2027، استصلاح مليون هكتار عن طريق السقي، وتحقيق الاكتفاء الذاتي من مادة القمح الصلب والذرة والشعير ابتداء من 2025، إضافة إلى تطوير النباتات الزيتية والسكرية والبقول الجافة، والحليب، وكذا إنجاز 350 مركز جواري للتخزين و30 صومعة إستراتيجية، في إطار تجسيد المخطط الوطني لتنمية الزراعات الاستراتيجية.
وتعد هذه فرصة سانحة للمستثمرين جزائريين كانوا أو شركاء أجانب لاغتنامها وتقديم مشاريعهم الاستثمارية التي تدخل في سياق الاستراتيجية التي وضعتها السلطات العليا للبلاد لإنتاج الاحتياجات الغذائية للبلاد، بين 2025 و2027.