أكد المختص في الأمن المائي والغذائي د - ابراهيم موحوش، أن الجزائر عازمة على المضي نحو تحقيق أمنها الغذائي من خلال إطلاق العديد من المشاريع الكبرى من أجل تجسيد الزراعات الاستراتيجية من خلال استصلاح آلاف الهكتارات بالجنوب الكبير، عبر عقدها لعديد من الشركات ما من شأنه استغلال المؤهلات المحلية التي تتوفر عليها خاصة بالجنوب الغربي، وتحديدا وفرة المياه ونوعيته. وأكّد في حوار خصّ به “الشعب” ضرورة احترام المسار التقني لهذه المزروعات من أجل تحقيق الجدوى الاقتصادية، والوصول الى تصفير الكثير من المنتجات التي كانت تستورد من الخارج.
مســــار دقيـــق لتحقيـــق الجــــــــدوى الاقتصاديـــــــة مـــــــــــــن المشاريـــــــــــــــــع
سوناطـــراك نجحـــــت في استصـــــــــــلاح 3 آلاف هكتـــار مـــن الأراضـــي بنسبــة 100%
الشعب: إلى أي مدى يمكن لقطاع الري تلبية احتياجات المشاريع الاستراتيجية في الفلاحة المسطرة في الجنوب الجزائري؟
^^ د - إبراهيم موحوش: لأن المشاريع المسطرة تحتاج كميات هامة من المياه، اختارت الجزائر التوجه إلى الجنوب الذي تحول في السنوات الأخيرة إلى سلّة الشمال، ونفس الأمر بالنسبة للمشاريع الكبرى التي وجهت هي الأخرى نحو الصحراء الكبرى، وهذا نظرا لوفرة المياه وسهولة استعمالها، ما يعني أنّ مشروع مليون هكتار يمكن تحقيقه على الأمدين المتوسط والبعيد ما دام المياه متوفرة والأراضي موجودة، واليد العاملة موجودة.
إن اختيار الجهة الغربية من الصحراء الكبرى لاحتضان المشاريع الاستراتيجية في الفلاحة لم يكن اعتباطيا، وإنما يستند على عدة مؤهلات متوفرة ونقاط نجاح مضمونة، فكل هكتار يتطلّب لاستصلاحه على الاقل 100 مليون سنتيم، والجزائر ستخوض معركة استصلاح عشرات الآلاف الهكتارات، وبالتالي فهذه المشاريع كانت مبنية على دراسة معمّقة من طرف مختصسن من مكاتب دراسات وطنية وأجنبية، خاصة تلك التي ستنجز بشراكة أجنبية على غرار مشروعي إنتاج الحليب المجفف بالشراكة مع الشركة القطرية “بلدنا”، وإنتاج الحبوب والبقوليات والعجائن الغذائية بالشراكة مع “بيف” الإيطالية، وكذلك المشروع السعودي 20 ألف هكتار الذي سينجز في أقرب، وهذا دون أن ننسى 3 آلاف هكتار التي نجحت سوناطراك في استصلاحها بنسبة 100 بالمائة، وهذا بفضل الدراسات التي كانت في المستوى.
ستكون المياه الجوفية هي الممون الرّئيس لهذه المشاريع الاستراتيجية، هل تتوقع أن تقوم الوكالة الوطنية للموارد المائية بإنجاز مشاريع أخرى على غرار حفر أنقاب جديدة وإعطاء رخص جديدة لحفر آبار؟
^^ لابد من الإشارة إلى أن هذه الوكالة الوطنية هي من تعطي الضوء الأخضر لاستغلال أي مساحة فلاحية دون أي أضرار ومدى توفرها على المياه قبل إجراء أي دراسة، وبالتالي هي من سيرافق استصلاح أراضي بآلاف الهكتارات بالقرارات التي تراها مناسبة، وأؤكد باعتباري مختصا في هذا الميدان أن الجزائر تتوفر على أهم الخزانات في العالم ونوعية المياه هي من الأنواع الهامة والجيدة خاصة بالنسبة للجنوب الغربي، لأن الجنوب الشرقي يتوفر على مياه عالية الملوحة، ما يتطلّب إنجاز محطات تحلية نزع المعادن، إلى جانب أنها مياه حرارية قد تصل درجة حرارتها 68 درجة مئوية، وكذلك بالنسبة لاستغلال الأراضي، أصعب من الجنوب الغربي خاصة في أدرار، تميمون والمنيعة.
هل سيتم اعتماد الطرق الحديثة والتكنولوجيا في استغلال المياه وفي عملية السّقي من أجل ضمان استدامة هذا المورد االثمين؟
^^ بالفعل هذا النوع من الاستثمارات الفلاحية الكبرى يتطلب تسييرا علميا وتقنيا دقيقا حتى تتحقّق الجدوى الاقتصادية منه، والتفكير بإيجابية وبموضوعية لإنجاح هذا النوع من الفلاحة لأنها تتم في ظروف خاصة جدا، أهمها أن المناخ في الجنوب من أشد المناخات وفي أوساط بيئية صعبة، لهذا أي دراسة في الجنوب سيتم الأخذ فيها بعامل الحرارة، ونقص المياه، وحرارتها، وملوحتها.وتتطلب هذه الزراعات الاستراتيجية في هكذا مناخ كميات كبيرة من المياه مقارنة بتلك المنجزة في الشمال، سيما وأنه في الجنوب يتم الاعتماد على السقي الدائم والمتواصل وليس التكميلي كما هو الحال بالشمال، وهذا من أجل ضمان الجدوى الاقتصادية لهذا النوع من الاستثمارات، التي يلعب فيها الجانب العلمي واستعمال تقنيات الري الحديثة والعلمية والذكية الدور الرئيس في نجاحها، خاصة الري بالرش المحوري الذي يسمح باقتصاد الماء بنسبة 50 بالمائة، وكذلك الأمر بالنسبة للري بالتنقيط أو الممركز أي 25 بالمائة.وبالتالي فهذا النوع من الزراعات الاستراتيجية الكبرى تحتاج لاستعمالات فلاحية ذكية وعصرية، وتطبيق ما يسمى بالدورة الزراعية أو المسار الزراعي الذي يتكون من حوالي 20 عملية، لابد من القيام بها كما ينبغي وفي الوقت اللازم، وبالكمية اللازمة حتى تحقق النتائج المرجوة منها، فكل منتوج فلاحي لديه مسار زراعي وتقني معروف لابد من احترامه 100 بالمائة، فلا مجال للعشوائية في هكذا استثمارات حسّاسة، التي تعوّل عليها الجزائر في تحقيق أمنها الغذائي، خاصة بالنسبة للقمح اللين التي تستورد حوالي 80 بالمائة من استهلاكها، وبالنسبة للسكر تستورد هذه المادة 100 بالمائة، وبالنسبة للزيت ما عدا زيت الزيتون تستورد أيضا 100 بالمائة، والحبوب 80 بالمائة وكذلك الحال بالنسبة للحليب.وعليه إنجاز هذه الاستثمارات يجب أن تتم بسرعة وبموضوعية مقتصدة وبطرق ذكية، وأكيد أنّه بعد سنوات تقريبا ستصبح الجزائر تتمتّع باكتفاء ذاتي في الكثير من احتياجاتها الفلاحية بصورة سنوية، ولم لا الذهاب نحو التصدير.
^ عرفت الزراعة الصحراوية في السنوات الأخيرة تطورا ملحوظا ما جعل بعض الولايات تتحول إلى سلة الشمال، كيف تقيّم هذه التجربة؟ وهل الخبرة المكتسبة يمكن الاستفادة منها في المشاريع المسطّرة مستقبلا؟
^^ أكيد الجزائر باستثناء الزّراعات القديمة خاصة منها التمور، تحاول الاستثمار في الجنوب منذ 40 سنة، وقد عرفت قفزة نوعية وخاصة في العشر سنوات الأخيرة نظرا لتزايد الاحتياجات الوطنية سنة بعد سنة، سيما بالنسبة للمنتوجات الفلاحية، وخاصة الاستراتيجية، وخير مثال على ذلك أنه قبل 20 سنة لم تكن تعرف ولاية وادي سوف منتوج البطاطا وها هي اليوم أصبحت رائدة فيها، بل وأصبحت تلبي 50 بالمائة من احتياجاتنا الوطنية، وهذا أمر مهم جدا، وكذلك بالنسبة للخضر وبعض الفواكه، حيث أن 50 بالمائة منها يأتينا من ولايتي بسكرة والوادي، ما يؤكّد أن القيام بعملية استصلاحية واستغلال المؤهلات المتوفرة من المياه الموجودة والأراضي يحقّق المستحيل، والسر في ذلك هو العمل بجدّية وباستمرار مع احترام المبادئ الأساسية، وما يسمى بالاستثمار أو استصلاح الأراضي عن طريق الري الحديث.الزراعة في الجنوب ممكنة وليست مستحيلة رغم المناخ والوسط الذي يتطلب القيام بعمليات علمية تقنية وذكية، والابتعاد عن العشوائية من أجل تجسيد الأداء وتحقيق الهدف الاقتصادي منها وهو الربح والمردود، فأي نشاط زراعي يحتاج إلى كمية هائلة من المياه لابد أن تحترم، فمثلا إنتاج كيلوغرام من القمح يتطلب 3 آلاف لتر من الماء، وكذلك الأمر بالنسبة للكيلوغرام الواحد من الشعير يحتاج حوالي 2500 لتر، وهو الأمر ذاته بالنسبة للذرى، والبطاطا تحتاج إلى 80 إلى 100 لتر من الماء للكيلوغرام، الطماطم تحتاج 150 لتر للكيلوغرام الواحد.
لهذا لابد من احترام المبادئ الأساسية لاستصلاح الأراضي، عن طريق الري بكل المناطق وكل المراحل، خاصة وأنّ التجربة أثبتت نجاح عدة مشاريع استثمارية، وتحويل الصحراء الجزائرية إلى جنان غنّاء حلم ليس ببعيد إذا ما توفّرت الإرادة والجدية في العمل، ويمكن الوصول إلى تصفير استيراد بعض المنتوجات من خلال إنتاجها محليا.