إنتشار مخيف لأمراض الحساسية واللّيشمانيوز
يشتكي سكان ولاية باتنة مع قدوم كل فصل صيف من مشكلة نغّصت عليهم حياتهم وأجبرتهم على “الهروب” إلى ولايات ساحلية علّهم يحمون أجسادهم من الناموس، ولكنهم يكتشفون أن ظاهرة انتشار الناموس علامة لا تقتصر على ولاية دون أخرى.
يشتكي عديد السكان بمختلف مدن ولاية باتنة، من “اكتساح” الناموس وعديد الحشرات لمنازلهم خاصة في فصل الصيف، رغم أنّ هناك من العائلات من جنّدت مجموعة كبيرة من الإجراءات لمجابهة خطر الناموس إلاّ أنّها فشلت من مهاجمة تلك الحشرات لأجسادهم وحرمانهم من النوم في ليالي الصيف الساخنة، بل وإصابتهم بأخطار صحية كثيرة على رأسها داء الليشمانيوز الذي دق لأجله مئات السكان ناقوس الخطر، أجبر السلطات الولائية بباتنة على اتخاذ عديد الإجراءات وصرف الملايير لآجل وضع حد لذلك، وهو ما لم يتحقق بسبب “استفحال” ظاهرة الأوساخ والقمامة المنتشرة في أغلب مدن باتنة، وحوّلتها من عاصمة للأوراس إلى عاصمة للأوساخ بشهادة مسؤولي الولاية.
وناشد عشرات السكان القاطنين بمنطقة المعذر السلطات المعنية على مستوى ولاية باتنة، التدخل العاجل لإنقاذ الحياة البرية والحفاظ الصحة العمومية للسكان، حيث تشكّل مياه الصرف المنزلية والصناعية السائلة التي تلقى في الهواء الطلق بوادي القرزي المار مجموعة كبيرة من الأحياء القريبة من التجمعات السكانية بمدينة باتنة، خطرا حقيقيا على حياة السكان كون الوادي يصب في سهل المعذر ما يؤدي إلى تلويث المياه الباطنية، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا وحقيقيا حسب بعض المصادر المختصة على المستقبل “المائي” للمنطقة والمستقبل الفلاحي لكثير لمئات الهكتارات، خاصة وأنّ منطقة المعذر بولاية باتنة والمناطق المجاورة لها معروفة وطنيا بوفرة إنتاجها الفلاحي ورائدة في بعض الشعب الفلاحية الهامة خاصة القمح والحليب.
كما يرهن هذا الوضع حسب بعض الفلاحين ومربي الأبقار نشاط تربية هذه الأخيرة المعروفة به كل من سهول جرمة والمعذر على الصعيد الوطني،وهو نفس الإشكال الذي تعاني منه بقية الدوائر والبلديات، والمطروح بحدة خاصة مع فصل الصيف الذي يتزامن مع موسم الحصاد خاصة مناطق بريكة، المصنفة الأولى كبؤرة وطنية لمرضى الليشمانيوز والتهاب الكبد الفيروسي، كما سبق وأن تطرّقنا إليه في أعداد سابقة، وهي أمراض تنتج حسب الأخصائيين والمصالح الطبية بولاية باتنة عن قلة النظافة وتلوث المحيط من خلال انتشار الأوساخ والقمامات في أغلب الأحياء، رغم مجهودات المصالح المعنية لوضع حد لهذه المشاكل، من خلال حملات توعية وتحسيس.
في الوقت الذي تعاني فيه دائرة عين التوتة من مشكلة أخرى لا تقل خطورة عن الأولى، والمتمثلة في انتشار مجموعة كبيرة من المحاجر والدخان الذي يخرج من مصنع الاسمنت، ومع الوقت تحولت المساحات الخضراء الموزعة عبر المناطق المجاورة للمصنع الاسمنت والمحاجر إلى أراضي جرداء من جهة، وإصابة مجموعة غير محددة من المواطنين بكثير من الأمراض، خاصة المزمنة والجلدية الناتجة عن استنشاق هواء ملوث.
هذا وتعتبر عين التوتة من أكبر المناطق وطنيا إنتاجا للدواجن والبيض، وبالرغم من أهمية هذا النشاط الاقتصادي، فقد اعتبر الاستعمال الواسع للأدوية الكيمياوية، والانتشار الكبير لبقايا الدجاج الميت وقشور البيض خطرا كبيرا يحدق بالبيئة وما تسبّبه من أخطار على صحة الإنسان، والانتشار الرهيب لمختلف الحشرات والحيوانات الضالة، بالإضافة إلى أنّ المنطقة ككل تحوّلت إلى محيط ملائم لتطور مختلف الأمراض الخطيرة.
وكأنّ باتنة لا تكفيها هذه المشاكل والأخطار الناتجة عنها رغم شكاوى واحتجاجات المواطنين، ليتطور أمام أعين المسؤولين المحليين نشاط بيع قطع الغيار القديمة على حواف الطريق الوطني رقم 28 الرابط بين باتنة والمسيلة في الشق المار ببلدية الجزار، ما يسبّب حسب المواطنين الذين تحدثنا إليهم تلوثا كبيرا بالمنطقة، التي تحوّلت مع مرور الوقت إلى سوق كبير في الهواء الطلق ووجهة مفضّلة للتجار والمواطنين على حد سواء من كل جهات الوطن، حيث استغرب المواطنون عدم تدخل السلطات المعنية لوضع حد لهذا النشاط لإزالته بالقوة العمومية، أو على الأقل تنظيمه، في إطار الحفاظ على صحة المواطن، وهو ما أدى إلى تمادي الكثير من المواطنين في عرض منتجاتهم والتي في الحقيقة عبارة عن خردوات موزعة بشكل فوضوي وعشوائي على حواف الطريق، مستغلّين الإقبال الكبير للمشترين من جميع مناطق الوطن·
وموازاة مع هذه الآثار السلبية لكل المشاكل السالفة الذكر على الصحة العمومية للمواطنين، وتدهور ظروف النظافة والإطار المعيشي للسكان، فإنّها تهدّد السّلامة المرورية على هذا الرابط، وبالتالي فمن الضروري صيانة الأجهزة المضادة للتلوث المائي والجوي، من خلال فرض الرقابة على أصحاب المحاجر وكذا مصنع الاسمنت من خلال إجبارهم على توفير مصافي بمواصفات عالمية حفاظا على البيئة “المريضة والمنهكة” بباتنة، وكذا أخذ صحة المواطن وأحيانا حياته بعين الاعتبار.
سكان “حرقالة” يشتكون من مستودعات تربية الدّواجن
أعرب لجريدة “الشعب” من جديد سكان قرية حرقالة الواقعة بإقليم بلدية لمسان بدائرة أولاد سي سليمان، عن استيائهم الكبير من الانتشار الواسع لمربي الدواجن بالمنطقة ممّا أضحى يؤرق حياتهم نظرا لما لهذا الانتشار من انعكاسات سلبية على صحة المواطنين، حيث تنتشر الروائح الكريهة في المحيط العمراني بالقرية. ولم تجد النّداءات المتكرّرة للسكان لدى السلطات آذانا صاغية من أجل التدخل لإيجاد حل لهذه المرائب المخصصة لتربية الدواجن، على حد تعبيرهم. وقال هؤلاء السكان بأنّ حد المعاناة وصل إلى درجة أصبح يتعذر فيه على ربات البيوت فتح النوافذ خشية دخول الرائحة النتنة المنبعثة من المرائب التي بناها أصحابها بجوار المساكن. وأكّد المواطنون بأنّ هذه الرّوائح تسبّبت للأولاد في أمراض الحساسية وصعوبة التنفس كمرض الربو الذي ظهر عند عديد الأفراد. وتزداد حدة المعاناة حسب السكان في فصل الصيف، حيث تنتشر الحشرات الضارة وهو ما حول حياتهم إلى جحيم على حد تعبيرهم. وقد طالب المشتكون بقرية حرقالة من السلطات المحلية بإغاثتهم، وأكّدوا أيضا في حديثهم بأنّ أغلبية مربي الدواجن لا يقيمون بالقرية، حيث يأتون من مروانة ومن عاصمة الولاية، ولهذا فهم لا يشعرون بمعاناة السكان بالقرية كونهم يمارسون فيها نشاطهم فقط.
وتحوّلت ظاهرة انتشار الأوساخ بعاصمة الأوراس باتنة خاصة مع نهاية كل أسبوع إلى نقطة سوداء تعاني منها المدينة، حيث يبقى مشكل جمع القمامات مطروحا بشدة في العديد من الأحياء السكنية التي تغيّرت صورتها وأصبحت تئنّ تحت وطأة القاذورات، ويتعلّق الأمر على وجه الخصوص بحي كشيدة وحي باركافوراج وكذا حي أولاد بشينة، وغيرها من الأحياء الشعبية الكبيرة ذات الكثافة السكانية الهامة، والتي تنتشر فيها المزابل الفوضوية ومجاري المياه القذرة، وتشكل بذلك ديكور الأحياء الحضرية وحتى وسط المدينة لا يستثني من هذه الصورة التي تشمئزّ لها الأعين والنفوس حسب بعض المواطنين، حيث تحوّلت بعض الشوارع الرئيسية مثل حي 5 جويلية وغيرها إلى مظاهر للبؤس تتراكم بها أكياس الزبالة مشكلة بذلك فوضى عارمة، ناهيك عن الروائح الكريهة المنبعثة منها إضافة إلى الحشرات والقطط التي تتصارع فوقها.
وعلى هامش ما سبق من مشاكل، طالب مواطنو ولاية باتنة من السلطات المعنية ضرورة إيجاد حل لهذا المشكل، والذي يتفاقم يوما بعد يوم أين تكثر الأمراض والأوبئة بفعل الروائح الكريهة والأوساخ التي حوّلت عاصمة الأوراس باتنة إلى مفرغ عمومية مفتوحة على الهواء الطلق، وتحوّلت إلى مرتع للحشرات والناموس بالتحديد، الذي أجبر انتشاره الكبير على توجيه مراسلات للجهات المعنية التي ورغم حافلات الرش التي تقوم بدورات ليلية لرش الحشرات إلاّ أنّ تخلّفها في بعض الأحيان يعيد الأمور إلى سابق عهدها.
ويشتكي سكان العديد من الأحياء ببلدية بريكة من الانتشار الكبير للحيوانات الضالة على غرار الكلاب المتشرّدة، التي أصبحت تشكّل قوافل عند تنقّلها، فارضة بذلك حضرا للتجول خاصة في الفترة الليلية، حيث عبّر لنا سكان حي 150 مسكن عن استيائهم الشديد لهذه الوضعية، فقد بلغ عدد ضحايا عضات الحيوان وداء الكلب بالمنطقة 689 مسكنا خلال السنة الماضية.
ويطالب السكان السلطات المعنية بتكثيف مجهداتها لقتل الحيوانات المتشردة. هذا وتشهد نفس البلدية ارتفاعا ملحوظا في عدد الإصابات بداء الليشمانيا الجلدية، حيث بلغ عدد الضحايا العام الماضي 1216 من إجمالي 1410 حالة مسجلة بولاية باتنة بأكملها، والسبب في ذلك يعود إلى الانتشار الكارثي للمزابل وكذا تذبذب عمليات الرش بالمبيد. وكمثال عن ذلك تلك المزبلة المتواجدة بالقرب من التجمعات السكانية بحيي الدرناني ولاكناب التي ساهمت في ارتفاع عدد لسعات الناموس وكذا كثرة أسراب الذباب وحشرة الناموس، وهو ما من شأنه أن يساعد على انتشار الأمراض المعدية، والتي تشكّل خطرا على صحة الأطفال على وجه الخصوص.
وتبقى مشكلة الانتشار الكبير للأوساخ والقمامات بولاية باتنة، ميزة غير مرغوب فيها خاصة في فصل الصيف، مناشدين في الأخير السلطات المعنية التفاتة جادة منهم تضع حدا لمشكلة سكان باتنة مع الصيف.
الفاست فوود يهدّد صحة السّكان
يعتبر انتشار محلات الوجبات السريعة والخفيفة المعروفة بالفاست فوود من بين أهم الظواهر المنتشرة في الجزائر عامة وباتنة خاصة، حيث تشهد هذه التجارة المربحة رواجا كبيرا في الآونة الأخيرة، خاصة مع اقتراب دخول فصل الصيف واستفادة التلاميذ والطلبة من العطلة المدرسية، حيث لا تكاد تجد فضاءً عائليا أو منطقة سياحية إلا والسمة البارزة فيها هي طوابير لا متناهية من “شبه محلات” تفتقد أغلبها للمعنى التقني لوصف محلات نظرا لغياب أدنى شروط النظافة والصحة، حيث يقوم العمال فيها بتحضير وجبات غذائية في ظروف غير صحية ولا تحترم أبدا القوانين وشروط المستهلك.
وفي جولة قادتنا إلى بعض الحدائق والأسواق العمومية بعاصمة الاوراس باتنة، وجدنا إقبالا منقطع النظير للمواطن على هذه الأماكن بحكم أسعارها المنخفضة من جهة وسرعة تناول تلك الوجبات السريعة خاصة بالنسبة للعمال في بعض الإدارات وزائري عاصمة الولاية باتنة القادمين من بعض الدوائر والبلديات البعيدة لقضاء شؤونهم، فيلجئون بحكم ضيق الوقت حسب بعضهم إلى هذه الوجبات، كما يكون للاكتظاظ الكبير الذي تشهده المطاعم دورا في دفع المستهلك خاصة البسيط إلى الإقبال بقوة على محلات الوجبات السريعة.
ولا يختلف اثنان على المجهودات الكبيرة التي بذلها المجلس الشعبي البلدي لبلدية باتنة برئاسة السيد عبد الكريم ماروك، حيث باتت الاجتماعات المارطونية التي يعقدها المير مع الجهات المعنية وتواجده الميداني بكل النقاط السوداء بالبلدية للوقوف ومعاينة المشاكل التي يتخبط فيها السكان، هي ما جعلت من عديد الانشغالات المطروحة تجد حلا لها خاصة ما تعلق بالنظافة والمساحات الخضراء والتهيئة الحضرية والإنارة العمومية، حيث اقتنت بلدية باتنة عددا كبيرا من الشاحنات والحاويات للقضاء على مشكل انتشار القمامة، بالإضافة إلى محاربة الناموس من خلال الشروع منذ مدة في تغطية الوديان التي تشق باتنة، والتي كانت المصدر الرئيس للناموس والبعوض خلال كل صيف.
ورغم أنّ المنطقة الصناعية قد نشأت خارج الإطار المبني، إلاّ أنّ زحف العمران تجاه هذه المناطق وتخطّيه لها أحيانا، قد مهّد لتحويل تلك المناطق مكانا للنفايات الصناعية، كما هو الحال بالنسبة للمنطقة الصناعية لمدينة باتنة التي تضمّ العشرات من الوحدات الصناعية التابعة للقطاعين العام والخاص، والتي تعتبر مصدر تلوث بامتياز كونها تستعمل في أغلبها مركبات كميائية ذات تأثير خطير على صحة المواطنين، كما أن معظم الوحدات الصناعية تفتقد إلى محطات لتصفية المياه المستعملة، وإن وجدت فهي غير فعالة بالشكل المطلوب. والأخطر في كل ذلك هو مصير تلك المياه الصادرة عن تلك الوحدات بكميات متفاوتة والمحملة بمختلف المركبات الكميائية، والتي تلقى بالوادي المحاذي لها الممتد إلى غاية بلدية فسديس والمشاتي المجاورة، حيث يستعمل كمصدر للسقي وتلويث المياه الجوفية بالعديد من بلديات الولاية.
وينتظر المواطن بباتنة أن تسارع السلطات المعنية إلى إيجاد حلول ناجعة لمثل هاته المشاكل، التي ستنغّص بدون أدنى شك على الباتنيين صيفهم الحار أصلا.