هم شباب ليسوا كغيرهم من حيث نظرتهم للمجتمع و المحيط، معظمهم من خريجي الجامعات و طلبتها الا أنّ كيانهم لا يقصي الوافدين من مستويات أخرى، و يبقى القاسم المشترك بين هؤلاء جميعا كونهم من خريجي المدارس التكوينية لمسجد الرحمان بشرشال و الذين أثبتوا للمجتمع على مدار عدّة سنوات خلت بأنّ الفعل التضامني يسري بعقولهم و تصرفاتهم مسرى الدم بعروقهم.
هؤلاء هم شباب مسجد الرحمان الذين يعكفون طيلة شهر رمضان على تجسيد مشروع إطعام الجيش الأبيض المشكل من أطباء و ممرضي مستشفى المهام بشرشال و الواقفين ضمن الصفوف الأمامية للتصدي لوباء كورونا بحيث يتم إعداد ما معدله 110 وجبة يوميا توجّه خصيصا للأطقم الطبية بالدرجة الأولى و بعض الحالات الاستثنائية في درجة ثانية، و كشف المنشط الرئيسي لهذا الفعل التضامني الهام الإمام الأستاذ بن عامر بوعمرة بأنّ الوجبات تبقى ذات قيمة غذائية عالية بشهادة المختصين في علم الأغذية، و لا يزال الجهد قائما على قدم و ساق بالتعاون مع المحسنين بمدينة شرشال و ضواحيها الى أن يبزغ فجر يوم العيد وفقا لعهد قطعه هؤلاء الشباب على أنفسهم منذ الوهلة الأولى.
و يندرج هذا الفعل التضامني الهام المرتبط أساسا بتداعيات المرحلة الحاسمة التي تعيشها الجزائر ضمن مشروع سنوي قار دأب على تجسيده هؤلاء الشباب بمعية المحسنين الذين لا يتأخرون إطلاقا في تقديم يد العون بالنظر الى الثقة المتبادلة بين الطرفين، و يتعلق الأمر هنا بمشروع إطعام السبيل الذي يتجدّد خلال شهر رمضان من كلّ سنة و وقع الامر هذه السنة على تجسيد مشروع إطعام الجيش الأبيض نزولا عند مقتضيات المرحلة و الظرف، إلا أنّ ذلك لم يمنع شباب مسجد الرحمان من توزيع عدد لا يستهان به من الطرود الغذائية على العائلات المحتاجة ضمن هبة تضامنية واسعة أريد لها أن تساهم و لو بقسط محدود في إحياء قيم الجود و الكرم و الاحسان التي التي بدأت ملامحها تتلاشى و تراجع خطوات الى الوراء في المجتمع الجزائري، بحيث تمّ توزيع 400 قفة على الأيتام و الأرامل و بعض العائلات المحتاجة من فئات أخرى خلال رمضان الحالي في حين استفادت 177 عائلة أخرى متضررة من تداعيات الحجر الصحي من طرود غذائية عشية رمضان ضمن هبة تضامنية واعدة تتناغم و مقتضيات المرحلة الصعبة التي ألمّت بالجزائر بفعل تفشي فيروس كورونا.
على صعيد آخر، يستعدّ شباب مسجد الرحمان من الآن لتجسيد مشروع سهم العيد السنوي الذي يتجدّد كلّ عيد أضحى بجمع اللجوم و الأضاحي المتبرع بها من طرف محسنين لغرض توزيعها على المحتاجين ممن منعتهم قساوة الحياة و صعوبة الظروف المعيشية من اقتناء هذه المادة لأبنائهم، بحيث يتم توزيع ما لا يقل عن 10 قناطير من اللحم سنويا بهذه الصفة عقب نحر الأضاحي و سلخها بالمذبح البلدي لشرشال من طرف شباب المسجد.
كما تمكن هؤلاء الشباب من بعث البسمة و الأمل و السعادة في نفوس أفراد قرابة 200 عائلة بأعالي بني ميلك و سيدي سميان و غيرها من المناطق النائية خلال موسم البرد بفعل مشروع كسوة المحتاج الذي يعنى بجمع الألبسة و الأفرشة و الأغطية المستعملة و التي لا تزال في حالة جيّدة و توزيعها على المحتاجين بالمناطق النائية للجهة الغربية من ولاية تيبازة ضمن مبادرة تتكرّر كلّ موسم شتاء وفقا لبرنامج سنوي قار أعدّه شباب المسجد تحت راية مجلس سبل الخيرات الذي ترعاه مديرية الشؤون الدينية بالولاية.
الا أنّ مبادرات و مجالات التضامن لشباب مسجد الرحمان لا تتوقف عند هذا الحد، و تتجاوز ذلك بكثير باعتبارها تتأقلم دوريا مع متطلبات المجتمع و المرحلة معا، بحيث يندرج ضمن هذه المبادرات مثلا مشروع مفاتيح النجاح الذي يتجدّد سنويا في مرحلة آخر السنة الدراسية و الذي يعتمد على تقديم النصح و الارشاد المرفق بمطويات عملية لطلبة البكاوريا تعنى بالتحضير النفسي و العقلي لهذا الموعد المصيري في مسار التلميذ، لتتبع المبادرة بلقاء خاص للناجحين و مختصين في مختلف التخصصات الجامعية بساحة المسجد يتم من خلاله التطرق لمجمل النطاق المرتبطة بالتوجيه نحو التخصصات الجامعية وفقا للنتائج المتحصل عليها و الرغبة المعبّر عنها، كما يعكف شباب المسجد خلال كلّ موسم دراسي على زيارة ممختلف المدارس الابتدائية لبلدية شرشال (22 مدرسة) لغرض تقديم ارشادات للتلاميذ بدء من السنة الثانية لتتم متابعة هؤلاء سنويا وفق برنامج خاص معد لهذا الغرض يتضمن ثلاث نقاط رئيسية تعنى بطاعة الوالدين و غحترام المعلم و نظافة المحيط و قد ادرك هذا المشروع طبعته السادسة هذه السنة.
تجدر الاشارة الى أنّ مسجد الرحمان بشرشال يقيم حفل تكريم و عرفان لجهود شبابه غداة شهر رمضان من كلّ سنة بحيث يتم إحصاء ما معدله 90 فردا نشطا في هذا المجال من بينهم 50 شابا في مقتبل العمر كرّسوا حياتهم لإعطاء الفعل التضامني نفسا جديدا بالمنطقة تحت راية مجلس سبل الخيرات الولائي حسب ما علمناه من المنشط الرئيسي لهؤلاء الامام الأستاذ الرئيسي بن عامر بوعمرة و الذي يعتبر في الواقع رئيسا للمجلس العلمي لولاية تيبازة و عضوا بمكتب الفتوى لوزارة الشؤون الدينية و الأوقاف.