أكد الأستاذ مصطفى أومونة ،عميد سابق بكلية العلوم بجامعة المدية ، بصفته أستاذا في علم المناعة و الأمراض المعدية، والحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة ميونيخ بألمانيا « بعد عودتي للجزائر التحقت بجامعة البليدة ،و درست فيها سنوات قبل مكوثي بالخارج لمدة 11سنة، و كلفت بمهام أستاذ علم المناعة في كلية الطب البيطري بهذه الجامعة ، ثم التحقت بجامعة المدية سنة 2012، وهناك قمت بمعية زوجتي ، بفتح تخصص دكتوراه في الطب البيطري- بيولوجيا- وهو ما ساعد على وجود 05 تخصصات بهذه الجامعة ، منها علم المناعة والأمراض المعدية، البيولوجيا الطبية، كما أنه لدينا طلبة دكاترة يواصلون اليوم رسائلهم في عدة تخصصات منها الأمراض المعدية، السرطان، السكري، والأمراض الصحية «.
كشف أومونة الذي واصل بحثه في مجال الأمراض المعدية و التلقيحات بكل من جامعة جورجيا بأمريكا، ومعهد الأمراض المعدية و التلقيحات بكندا، حول واقع البحث في مجال الطب ببلادنا ، « إن النقطة السوداء في مسارنا بالجزائر، كانت في البحث العلمي، و بعد مزاولتنا في أرقى الجامعات بالخارج ، لم نحظ بالاهتمام آنذاك بهدف فتح مخابر تمكننا من انجاز الرسالة وكل التقنيات الحديثة في مجال الأمراض المعدية لطلبتنا إلى يومنا هذا» ، حيث « في سنة 2020 تمت الموافقة على انشاء مخبر في البحث تديره زوجتي الأستاذة بن عاشور كارين، وهذا بعد 15 سنة، معتقدا بأن هذا التأخر أمر مؤسف» ،و « كنا نأمل لو أتيحت لنا الفرصة بعد رجوعنا لأرض الوطن لتمكنا بصفتنا باحثين ، من إنشاء فرق بحث جديدة و من ثم متابعة الأبحاث في هذا الميدان ، كما هو الحال في ميدان الفيروسات، الميكروبيولوجيا، و الأبحاث المتعلقة بالأمراض السرطانية و الأمراض المزمنة».
وصرح الأستاذ المتوج بدراسته في كلية الأمراض التنفسية بأمريكا « كان أملنا كبيرا بعد عودتنا بوجود آذان صاغية من أجل تهيئة الأرضية الخصبة للقيام بأبحاث في المستوى العالمي، حتى نتمكن من إتمام أبحاثنا لأجل الارتقاء بالبحث العلمي في المجال الطبي إلى المستوى المطلوب، كوننا نشرنا أبحاثنا في مجلات ذات جودة عالمية في كل من كندا و أمريكا، ولكن للأسف قوبلنا بعدم الاهتمام تسبب في عرقلة مسيرة البحث في الجزائر» ، مشيرا الى أننا نأمل بعدما تفشى - كورونا فيروس- في العالم أن يعاد النظر في قيمة البحث العلمي والباحث الجزائري للعمل بالوعية في كل ميادين البحث الطبي وبخاصة ما تعلق منها بالأمراض المعدية مثل هذا المرض الذي يعيشه العالم»، مستطردا حديثه « أملنا كبير ان شاء الله في أنه بعد مرور هذه المحنة بردا وسلاما سنكون قد عرفنا قيمة الباحث الجزائري في إيجاد الحلول الآنية والتي يكون مصدرها وتطبيقها جزائريا، من منطلق أنني على يقين بأن العالم بأكمله سوف يعيد النظر في مكانة الباحث لأن هذا الوباء قد أظهر نقاط ضعف الدول في كل الميادين الصحية ،و الاقتصادية ، أو الاجتماعية ، والتي يجب أن تحظى ببالغ الاهتمام من قبل الحكومات، كما أننا متأكدون بأن بلادنا ستواكب هذا التحدي حتى يستطيع الباحث الجزائري أن يقدم أبحاثا و أعمالا جديرة بالمستوى المطلوب، لأن ما حدث أخيرا في ايطاليا ، جر هذه الدولة التابعة لمجموعة الدول السبعة المتطورة في العالم للإستنجاد ، بفرنسا وألمانيا، غير أنها لم تجد أي إجابة لأزمتها الخانقة على كل المستويات بدليل أنها تخطت الصين في عدد الموتى».
ودعا في هذا الصدد الى اعطاء الجامعة و لمراكز البحث العلمي والطبي كل التسهيلات حتى يتمكن الباحث أينما كان من المساهمة في ازدهار ورقي المجتمع في الجانب الصحي، الاقتصادي،و الاجتماعي لأنه لا يمكن بأي حال أن نلوم الجامعة المعزولة أو التي بعض باحثيها هم دون وسائل كافية ، على أن هذا الأمر يجب تداركه مستقبلا في هذا المجال « ، مذكرا في المقام بما قامت به جامعة المدية والتي حسبه « أنها سبق لها وأن احتضنت مؤتمرات دولية و كانت سباقة في تنظيم هذه الملتقيات العلمية الخاصة بالأمراض الناشئة منذ 2013 إلى غاية 2018 ، منها ما تعلق بالأمراض التنفسية، ايبولا،و فيروسات كورونا ، على أنه كنا نأمل أيضا لو أعطيت لنا الفرصة والامكانيات لإيجاد الحلول للأمراض التي قد تظهر في المستقبل « ،معتبرا بأن « داء كورونا فيروس ما هو إلا انذار أول « ، مطمئنا المهتمين بأنه « لدينا كل الإمكانيات للعمل، بتوفير كل الأدوات في المخابر «، داعيا في هذا الصدد إلى خروج الجامعة إلى المحيط « .
اقترن الباحث أومونة رؤيته التفاؤلية والحلول في العمل بثلاث قواعد هام،منها ضرورة التنسيق بين الطاقات الجزائرية والقدرات على مستوى كل الوطن في كل المجالات « تثمين الطاقات الوطنية» ، حتمية التنسيق بين هذه القدرات الوطنية و تلك الموجودة بالخارج، على أن هذه الفئة الأخيرة بإمكانها أن تقدم الكثير أمثال البرفيسور مكي يحي عبد المؤمن مختص في علم الفيروسات بليون بفرنسا ، البروفيسور عمراني ياسين من جامعة ليسترببريطانيا ، والبرفيسور بولعراس مختص في الأمراض السرطانية، باعتبار أن هؤلاء مستعدين لتقديم مساهمات بحثية شريطة توفر الأرضية الملائمة، مع إنشاء شراكة بين الباحث الجزائري والمخابر الدولية على المستوى العالمي .
أوضح الباحث أومونة من جهة أخرى « أنا على يقين بأنه لو أن هناك الظروف المواتية للباحث الجزائري من مخابر و راتب، والتسهيلات المقدمة فإنه قادر خلال خمس سنوات أن يخرج بمنتوج جزائري من لقاح، أو دواء ، أو أي مركب غذائي يساعد على تجاوز الأمراض التي نعيشها اليوم ،على أنه سنصل إلى ذلك بكل افتخار، موضحا بشأن علاقة جامعة المدية و مجمع صيدال بهذه الولاية ، بأنه يجب أن تكون هناك علاقة حقيقية بينهما قائلا « كيف لو أن الصين التي تصنع 90 بالمائة من المضادات الحيوية للعالم بأكمله أجبرت على غلق معاملها في هذا الظرف...فكيف سوف يتصرف هذا العالم ؟»، مؤكدا بأن شركة صيدال التي كانت في التسعينيات أول مؤسسة إفريقية في صناعة هذه المضادات الحيوية، نتخيل لو أنها اليوم لا تزال تشتغل بنفس الدينامكية ، فإن الجزائر ستصدر خارج حاجياتها أي الفائض من هذه المادة إلى الخارج، متسائلا في الوقت ذاته « كيف نقبل بأنها اليوم باتت تقوم بالتعليب فقط ؟»، مختتما قوله» نأمل بأن تكون علاقة الجامعة مع هذه الشركة رابح...رابح، لأنه في الجزائر لا مفر من ذلك ، لأننا أمام حتمية إعادة الاعتبار لكل ما هو جزائري، ولكل من يقدم إضافة للجزائر، ناعتا بأن سنة 2020 ستكون نقطة تحول ، إذ سيكون ما قبل و بعد كورونا فيروس ، كما أنه سيكون فيه تغير شامل.
وعن الوضعية الوبائية في الجزائر ، قال « الحمد لله وحسب الأرقام فإن هذه الوضعية متحكم فيها إلى حد ما ،كما أن السلطات مشكورة، لكونها قامت بغلق الجامعات، والمدارس، حتى نتمكن من خفض العدوى المتفشية، مناشدا الشعب الجزائري لمساعدة السلطات بالمكوث في البيت، لأن الأمر ليس بالسهل وليس بمقدور أي دولة تدعي العكس.