بينما يواصل الإرهاب استهداف القارات الخمس

العالم يعجز عن الردّ بطريقة جماعية!

أمين بلعمري

في كل مرة تحدث فيها عملية إرهابية بغض النظر عن المكان والزمان والضحايا الذين سقطوا فيها، إلا وتزداد معها القناعة بضرورة مواجهة الإرهاب بصفة جماعية والكفّ عن سياسة النأي بالذات التي أثبتت أنه كلما تراجعنا خطوة إلى الوراء أعطينا الفرصة للإرهاب لكي يتقدم بعشر خطوات إلى الإمام وكلما حاول البعض تبرير ذلك بكون الإرهاب وقف على منطقة دون أخرى تعطينا هجماته الدموية الإجابة الشافية على أنه ظاهرة كونية لا ترتبط لا بدين دون سواه ولا بشعب دون غيره!
بؤر التوتّر الخزان الحقيقي لصناعة الإرهاب
لا شك أن بؤر التوتر والنزاعات أصبحت تشكل الحاضنة الحقيقية لتفريخ الايديولجية  الإرهابية ولقد أثبتت التجارب الماضية والراهنة أن الإرهاب يستغل مناطق أللاستقرار لإنشاء شبه إمارات تحتوي على مراكز للتدريب البدني والتحضير النفسي لخلق أجيال من الإرهابيين مشبعين بالفكر المتطرف التكفيري يمكنها أن تنتظم في شبكات أصبحت شبيهة بالجيوش النظامية من حيث العدة والعتاد بل وتحولت إلى مصدر تهديد وخطر على الجيوش والدول على تنظيم الدولة الإرهابي وهنا تطرح الكثير من التساؤلات عن من يقف وراء هذا البعبع المخيف؟ ومن يزوّده بالأسلحة والعتاد التي لا تمتلكها الكثير من الجيوش الحكومية؟ وكيف ساهمت وسائل الإعلام في تضخيم هذا التنظيم ومخاطره إلى مجرد أصبح معها أي تهديد يطلقه أحد عناصره عبر وسائل التواصل الاجتماعي كاف لإعلان حالة الطوارئ في دولة ما والأهم من كل ذلك كله كيف أصبح لهذا التنظيم كل هذه القدرة على التجنيد عبر شبكات منتشرة عبر العديد من الدول لاستقطاب الشباب واستعمالهم كوقود حرب في سوريا والعراق ؟.
لم يعد يخف على أحد أن النواة الأولى للجماعات الارهابية تمّ صناعتها خلال الحرب الأفغانية ضد الاتحاد السوفياتي وعند نهاية الحرب وبداية عودة تلك المقاتلين إلى أوطانهم الأصلية بدأ تلك المقاتلون المشبعين بالأفكار (الجهادية) المشفوعة بنشوة الانتصار على أكبر قوة عسكرية في القرن الـ 20 وهي الاتحاد السوفياتي الشيوعي  في محاولة زعزعة الاستقرار والعمل على قلب أنظمة الحكم وخاصة منها تلك المحسوبة على عدوهم الشيوعي ومن جهتها واصلت الولايات المتحدة الأمريكية في توظيف هذا الفكر المعادي للشيوعية والإلحاد في إطار حربها الباردة ضد الاتحاد السوفياتي قبل أن يتحوّل المجاهدون الذين كانت تطلق عليهم الإدارة الأمريكية مقاتلي الحرية إلى إرهابيين تتم ملاحقتهم في جبال تورابورا بافغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 لتبدأ مواجهة لاتزال مستمرة بين حلفاء الأمس.
الفوضى تنعش الإرهاب
إن أحداث (الربيع العربي) أو كما أطلق عليه مهندسو هذه المأساة لضمان إغراء الشعوب العربية ودغدغة مشعرها باللعب على ورقة معاناتها من أنظمة جثمت على صدورها لعقود، فكان هذا الشعار الرنان من أجل ضمان انخراطها في هذا المسار، خاصة وأن الأرضية كانت مهيأة حيث بلغ الاحتقان الشعبي ذروته بسبب ممارسات تلك الأنظمة الفاشلة التي لم تتوقع أن يجرفها التيار بهذه الطريقة على حين غفلة ولكن التيار وكما أريد له أن يكون أخذ كل شيء في طريقه وأدخل الدول العربية في حالة من الفوضى والتسيب وهنا وجدت الآلة الإرهابية الفرصة التي انتظرتها طويلا وبالمقابل أعاد الغرب تجربة افغانستان وعاود توظيف تلك الجماعات الإرهابية مجددا ـ في حين يعطي الانطباع بحاربتها - للإطاحة بأنظمة لا تخدم مصالحه قد تكون حليفا محتملا لمنافسي المنظومة الغربية بقيادة واشنطن في المستقبل القريب في عمل استباقي  تحضيرا لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب بدأ يتبلور بوضوح، وهنا يتفق الكثير من الباحثين والخبراء أنه لا يمكن تفسير الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية خارج هذا الإطار كما لا يمكن تماما تفسير مغازلة واشنطن لكوبا ودول أخرى - كانت من ألد الأعداء - إلا في إطار سحب البساط من تحت أقدام دول البريكس وفي مقدمتها روسيا التي سجلت عودتها بقوة على رقعة الشطرنج الدولية وحروب التموقع والنفوذ وما تدخلها القوي في سوريا ووقوفها إلى جانب حليفتها الحكومة السورية إلا دليل على ذلك.
 شظايا الحرب السورية تصل أوربا
إن الهجمات الإرهابية التي شهدتها العاصمة البلجيكية بروكسل تحمل الكثير من الرمزية، حيث استهدفت عاصمة الاتحاد الأوربي ومركز قيادة الحلف الأطلسي في آن واحد وهذا ما يثبت أنه ليس هناك مكان في منأى عن الإرهاب والجدير بالذكر في هذا الصدد أنه هناك ازدواجية في المعايير في التعاطي مع الهجمات الإرهابية، فحين مرت هجومات مماثلة في القارة الإفريقية وفي غيرها من العالم مرور الكرام شهدنا تضامنا دوليا كبير مع اعتداءات بروكسل وقبلها باريس وتوشحّت رموز الكثير من الرموز العالمية العلمين الفرنسي والبلجيكي وهنا يكمن الخلل الذي يجب تصحيحه من أجل بناء إدراك موحد يضمن اصطفاف العالم كله على قلب رجل واحد في مواجهة هذه الظاهرة العابرة للأوطان بعيدا عن المزايدات السياسية والخطابات الانتخابية والأهم من كل ذلك الكف عن توظيف الإرهاب لتصفية ملفات المهاجرين وغيرها.
إن الخطوة الأولى على طريق مواجهة الإرهاب - في حال توفرت إرادة دولية حقيقية في هذا الاتجاه - تبدأ بإعطاء مفهوم جامع للإرهاب ينهي كل التفسيرات المغلوطة والملتوية ومن ثمّه تحديد إستراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب تشارك فيها كل الدول والحكومات تنفذ تحت مظلة الأمم المتحدة، تخضع للشرعية الدولية وتحتكم إلى القانون الدولي وقبل كل ذلك الإسراع في حل كل النزاعات الدولية والحفاظ على كيان الدولة  وسلامة أراضيها وتشجيع الحلول من الداخل وليس إملاء وصفات خارجية قد تضعف إحدى الحلقات المهمة في مكافحة الإرهاب وهي الجيوش النظامية وهنا أثبتت الحالة السورية مدى صحة هذا التوجه الذي يمكن أن يكون نموذجا في استراتيجيات مكافحة الإرهاب ودحره.  

 

 

 

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
العدد 19626

العدد 19626

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024