المغتربون.. استعادة روابط الثقة والافتخار بالانتماء والمساهمة في بناء المشروع الوطني
لم تخلف فئة الشباب وأفراد الجالية الوطنية بالخارج، موعدا في خدمة الوطن، ولقد تبيّن دورها الفعال - خلال السنوات القليلة الماضية - من خلال إقرار سياسات وتشريعات استعادت لها الثقة، ما جعلها تأخذ بزمام الأمور وتسهم بشكل قوي في تفعيل دورها بالإسهام في جهد بناء الجزائر الجديدة، كي تتبوّأ الجزائر المكانة السامية التي اختارها لها أبطال ثورة التحرير الوطني.
وإذا كانت مشاركة الشباب في الفعل الانتخابي ظلت على الدّوام موضع تساؤل، سواء بالترشح أو بالانتخاب، كعامل حاسم في تحديد النتائج النهائية وتركيبة المجالس المنتخبة والبناء على ذلك لمعرفة القدرة على نجاح المهام النيابية، فإن الثقة التي استقرت، والوعي بأن الجزائر الجديدة يبنيها أبناؤها، تحدّث عن تغييرات عميقة تحققت، لم تترك مكانا للمواقف السلبية، غير المبالية.
ونظرا للطابع الخاص التي تتسم به الانتخابات الرئاسية، فإن دور الشباب يزداد أهمية، ويأخذ بعده الوطني في إنجاح حدث يشد أنظار الخارج والداخل، من هذا المنطلق، خاصة بعد تحقق «التمكين السياسي للشباب»، على اعتبار «أنهم أغلبية المجتمع بأزيد من 70٪» وأيضا «لأنهم أساس نهضتها وطاقتها البشرية لتحقيق الطموحات الكاملة للدولة»، مثلما صرح رئيس الجمهورية في عديد المناسبات.
ومن أدوات التمكين المنجزة، لحد الآن، تلك المتعلقة بالتأسيس الدستوري لدور الشباب، من خلال استحداث مجلس أعلى، كهيئة استشارية تابعة لرئاسة الجمهورية، تتولى مهام نقل ومعالجة تطلعات الشباب الجزائري وإعداد تقرير سنوي بخصوص ذلك. وفي مجال التشريع، حرص رئيس الجمهورية، على جعل الشباب حجر الزاوية، في أخلقة الحياة السياسية وفصل المال عن السياسة من جهة، وإتاحة الفرص وبالطرق القانونية، لهذه الفئة لتولي زمام المسؤولية التمثيلة في مختلف المجالس من جهة أخرى.
في السياق، نص قانون الانتخابات صراحة، على تخصيص ثلث القوائم الانتخابية للشباب، وحاملي الشهادات الجامعية، مع تقديم الدولة إعانات مالية لهم أثناء الحملة الانتخابية، وبالتالي حمايتهم من عمليات الإقصاء السياسي التقني التي كانت تتم سابقا تحت غطاء المال.
ولأن غالبية فئة الشباب من حمَلة الشهادات الجامعية، فقد كيفت المنظومة القانونية الجديدة مع هذا الواقع، عبر قانون الانتخابات أو بإعادة الاعتبار للشهادة في التخصص في قوانين بعض القطاعات، على غرار الصحافة.
هذه الأدوات تم إقرارها بإرادة سياسية قوية، استهدفت بشكل جلي رفع الوعي السياسي لدى الشباب، وحثهم على المساهمة في الحياة السياسية، بالإقدام والمشاركة والترشح والانتخاب والمبادرة والمساهمة في تنظيم المجتمع عبر فعاليات المجتمع المدني.
ولعل أقوى مؤشر على هذه الإرادة، هو رئيس الجمهورية نفسه، عندما قال في عيد الطالب (19 ماي الماضي)، إن «المشاركة السياسية للشباب، لم ترق بعد إلى ما كان ينتظره»؛ بمعنى أنه أول وأكبر داعم لهم على اقتحام الحياة السياسية، على خلاف الوضع في العهد السابق والذي اتسم بعدم الاكتراث بعزوف الشباب عن الفعل السياسي، أو حتى جعل ذلك تكتيكا انتخابيا لإبقاء الوضع القائم.
الانتخابات التشريعية والمحلية الماضية سنة 2021، كانت أول تجربة ميدانية للتمكين السياسي للشباب، وكان حضورهم لافتا في القوائم الانتخابية، وفي المجالس المنتخبة، بينما طرحت قضية المشاركة في عملية التصويت. وبرزت القناعات لدى الشباب المنخرط في غمار المنافسة، أن العزوف الذي اعتمد كخيار عمدي طيلة سنوات مضت، لا يؤدي إلى النتائج المأمولة، خاصة وأن الدولة في الوقت الراهن كانت هي المبادر لتغيير كل شيء، وكان لابد من حشد السلوك السياسي بهذا الاتجاه.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يعتقد أن الوعي بالمشاركة في ظل المناخ السياسي المحفز للشباب، سيرفع من دور هذه الفئة في إنجاح الاستحقاق الرئاسي المنتظر في 7 سبتمبر، واعتباره محطة إضافية في مسار التمكين السياسي لها.
جسور قوية
لم يكن ممكنا تجاوز تلك الصور التي صاحبت احتفال السفارات الجزائرية في مختلف دول العالم بعيد الاستقلال هذه السنة، فقد اتسمت كلها بالحضور اللافت لأفراد الجالية الوطنية، ومشاركتها في تخليد ذكرى غالية تتعلق بالسيادة الوطنية، حاملة الراية الوطنية عاليا.
التقاء الجزائريين برموز الدولة الجزائرية في الخارج، دلالة قوية على استعادة روابط الثقة والافتخار بالانتماء، ومنه مساهمتها في بناء المشروع الوطني. وجاء ذلك بعد خطوات عملية عديدة، كان عنوانها إنهاء الشرخ الذي حدث بين المواطن الجزائري داخل وخارج الوطن ومؤسسات الدولة، بفعل مجموعة من الممارسات المنفرة.
ويبدو أن الرسالة التي مفادها أن «الدولة الجزائرية تقف خلف أبنائها أينما كانوا»، وصلت إلى وجهتها، خاصة بعد عديد المبادرات الهامة، على غرار تكفل الدول بنقل الجثامين على عاتقها، وتكليف السفارات بتعيين محامين للدفاع عن الجزائريين أمام محاكم البلدان المستضيفة، وقبلها طريقة التكفل المثلى بالرعايا الجزائريين الذين تم إجلاؤهم من مختلف البلدان خلال فترة تفشي جائحة كورونا.
وأمام الجسور القوية التي تم إرساؤها، ستكون محطة الرئاسيات المقبلة، لحظة أخرى تساهم فيها الجالية الجزائرية في إنجاح الاستحقاق الوطني، خاصة وأن مشروع وضع الجزائر على سكة النمو الاقتصادي واستعادة مكانتها الدولية يأخذ صدى دوليا كبيرا.