أعلنت السلطات السودانية، الأحد، القبض على عدة أشخاص كانوا في طريقهم إلى ليبيا، للعمل كمرتزقة، لينضموا بذلك إلى مئات الأجانب الذين استقطبتهم أموال الحرب للمشاركة في إراقة دماء الليبيين وإطالة عمر الأزمة.
مثل هذه الوقائع تثبت مرة أخرى، أن الأزمة الليبية تسير على خطى الأزمة السورية، فقد تحولت إلى ساحة معركة جديدة للقوى الأجنبية الكبرى، توظف فيها المرتزقة والأسلحة المتطورة و أموال الجريمة المنظمة.
لقد أحصت الأمم المتحدة، سنة 2014، انتقال قرابة 90 ألف شخص من مختلف دول العالم للقتال في سوريا والانضمام لقوات المعارضة أو الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، وفتحت أمام هؤلاء البراميل البشرية المتفجرة، المطارات الأوروبية وأرسلت لهم الجوازات المزورة والأموال الكافية بعدما تم تجنيدهم عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي.
يتكرر ذات السيناريو، اليوم، في ليبيا، حيث يزداد عدد المقاتلين الأجانب من يوم لآخر، ومن جنسيات مختلفة (أروبية، عربية، إفريقية وآسيوية) على جبهات القتال مستفيدين من ملايين الدولارات التي تدر بها جهات دولية منحازة لفرض الحل الذي تراه مناسبا بقوة الأسلحة وبعيدا عن سلطة وإرادة الشعب الليبي.
استقطاب الأجانب والزّج بهم في مستنقع يهدد الدولة الليبية بالانقسام، لا ينسجم أبدا مع ما تبديه الدول الكبرى المعنية بالملف، من نية في التوصل لاتفاق سياسي عبر الحوار الشامل. كما يزيل كل الغموض عن سبب عدم احترام الالتزامات الموّقع عليها في مؤتمرات واتفاقات، آخرها مؤتمر برلين.
ومنذ لقاء العاصمة الألمانية، نهاية جانفي الماضي، لم تتوقف المعارك الضارية بين قوات حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا وقوات الضابط المتقاعد خليفة حفتر، كما لم يتوقف تدفق السلاح جوا وبرا وبحرا، رغم الاتفاق على حظر توريد الأسلحة وإقرار هدنة دائمة يتم التوصل إليها عبر لجنة عسكرية مشتركة.
مدينة سرت
وتدهورت الأوضاع نحو الأسوأ في الأيام القليلة الماضية، بعد تصاعد الخلافات بين الدول، مثلما حصل بين فرنسا وتركيا، وبين الأخيرة ومصر، وفوق هذا كله بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية. ولم يعد واضحا من المنتصر أو المنهزم في ميادين القتال، وما إذا تراجعت قوات حفتر بشكل أحادي وتكتيكي لتتحصن بمدينة سرت الاستراتيجية أمام قوات الوفاق هزمتها وطردت إلى هذه المسافة البعيدة عن طرابلس بـ 450 كلم، بعدما كانت تبعد عن قلب العاصمة بـ 2 كلم.
إن تواصل حشد المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، يؤكد أن صوت بالبنادق لازال سيدا تعجز عن اسكاته المجموعة الدولية مجتمعة، منذ سنوات، ويثبت أيضا أن المعركة الكبرى ستكون بمدينة سرت، فمن يسيطر عليها يسيطر على منطقة الهلال النفطي مركز القوة النفطية لليبيا، الذي يشحن منه 900 ألف برميل يوميا للتصدير.
قد تفكر بعض الجهات الأجنبية، في جعل سرت الصخرة التي تتفتت عليها ليبيا إلى 3 أقاليم، أو على الأقل التلويح بذلك. ولكن وأمام تصلّب المواقف واحتدام الصراع وانتقاله إلى محاولة استغلال قبائل البلد، والزّج بالمرتزقة الأجانب، بات الباب مفتوحا أمام كل الاحتمالات.
وما يؤسف له في كل هذا التعفن، هو تواصل إهدار الدم الليبي، وإذكاء الفرقة والضغينة بين أبناء الشعب الواحد، بينما يتصيد الأجانب غنيمتهم من المخزون الهائل للنفط والغاز، وحصتهم من مشروع إعادة الإعمار، وتنصيب أذرعهم السياسية في سدة الحكم، دون أدنى اعتبار لمصدر سيادة البلد (الشعب).
لقد أكد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، في آخر لقاء له مع ممثلي الصحافة الوطنية، أن الأزمة الليبية دفعت للسير بها على خطة الأزمة السورية، وإذا تواصل الأمر على ما هو عليه، ستصبح أفغانستان القارة الإفريقية.
وجود المرتزقة الأجانب وحروب الوكالة في بلد بحجم ليبيا، سبق وألهب الوضع الأمني في دول الجوار الجنوبية مثلما حدث في مالي والنيجر والتشاد وبوركينافاسو وينذر بانزلاقات أمنية خطيرة مع دول الجوار القريبة كمصر وتونس والجزائر، التي تسعى جهات أجنبية منذ مدة إلى الزّج بها في حرب استنزاف.
يعترف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرس، ضمنيا، بعجزه الكلي عن الاستجابة لمصلحة الشعب الليبي وتحقيق التطلعات الحميدة للدول الصديقة والصادقة مع ليبيا، عندما لم يعين بعد، بديلا لمبعوثه الشخصي إلى البلاد، غسان سلامة، المستقيل منذ مارس الماضي، ولازالت الدبلوماسية الأمريكية ستيفاني ويليامز تشغل المنصب بالنيابة.
إذ يبدو أن غوتيرس، فهم أن الغمامة التي استقرت على سماء ليبيا، لازالت متواصلة وربما تسير لتصبح أكثر قتامة، ولا جدوى من تعيين مبعوث أممي، سيكتفي برصد انتهاكات حقوق الإنسان وإحصاء أعداد القتلى.