إصرار على مقعدين دائمين للقارة
جددت الجزائر الدعوة لإصلاح منظومة الأمم المتحدة، وهذا بمناسبة الذكرى الـ ٧٠ لتأسيسها إنطلاقا من كونها لم تراع التغييرات العميقة التي حدثت في هذا العالم، منها خاصة الإبقاء على أداءات نمطية لنفس الأطراف التي خرجت منتصرة من الحرب العالمية الثانية لتقرّر كيف يكون هذا العام وما تزال تلك “القيود” إلى يومنا هذا شاهدة على “قساوة” الشروط التي لا تسمح لأي كان أن يتمتع بعضوية دائمة في مجلس الأمن.
هم خمسة لا سادس لهم، أما البقية أعضاء غير دائمين في كل مرة يتولى بلدا مقعدا معينا يشغله لفترة محدّدة ولا يستطيع التأثير في القرار المتخذ مهما كان وزنه وثقله في هذا الوسط، لذلك فإن ما تقصده الجزائر بـ “منظومة الأمم المتحدة” أي مجموع هياكلها المشرفة على قطاعات واختصاصات على المستوى الدولي، لأنه مع مرور الزمن تبين بأن الواقع يناقض النظري، والقصد من ذلك أن الكثير من بؤر التوتر لم تحل وبقيت تؤرق المجموعة الدولية.
وليس من قبيل الصدف أن تثار هذه المسألة مرة أخرى في الذكرى الـ ٧٠ وإنما لتذكير الكبار بأنه يستحيل الإبقاء على تلك الصيغ البالية في إدارة شؤون الشعوب التواقة إلى مبدأ التوازن في التمثيل ويدرك هؤلاء ما مدى حجم إفريقيا في هذا الزخم وقدرتها الفائقة في قول كلمتها الفاصلة وموقفها الحازم تجاه ما تجري في العلاقات الدولية من أحداث أمنية وسياسية واقتصادية.
للأسف، هذه القارة التي تخصص لها الأمم المتحدة ٨٠ ٪ من المواضيع في أجندتها كما أنها تضم ٥٤ دولة. وبالرغم من هذه الدلالات الرقمية ذات الأبعاد في امتداداتها على الكثير من الأصعدة، إلا أنه لا حياة لمن تنادي.. هناك رفض قاطع لاستحداث أي قطيعة مع الآليات الراهنة التي أضرت بالقارة الإفريقية، إلى درجة لا يمكن القبول بتلك الممارسات في غضون الأفاق القادمة والمواعيد اللاحقة.
ومن حق قادة إفريقيا الأحرار أن يطالبوا بحقوقهم التاريخية
والحضارية والسياسية والإقتصادية والثقافية.
وأن لا يتخلوا عن هذا الحق أبدا، بالرغم من ضغوط البعض من الأطراف التي كانت تلوح بتجميد إشتراكاتها المالية في حالة فتح مجلس الأمن لأعضاء آخرين وهذا ما أدى في مرحلة معينة إلى طي هذا الملف وإلقاء به في أدراج النسيان وحاليا هو هناك مبادرات قوية صادرة عن إفريقيا التي ترفض أن تبقى على هامش التاريخ أو تقصى من صناعة القرار في الأمم المتحدة ولابد أن نؤكد بأنه خلال سنوات بداية هذه الألفية أدخلت إصلاحات جذرية على هياكل القارة وهذا بالإنتقال من منظمة الوحدة الإفريقية إلى الإتحاد الإفريقي مع بروز مبادرة التجديد الإفريقي “نيباد” وآليات أخرى مهمة جدّا على صعيد العمل السياسي والبرلماني والإقتصادي.
هذا التحوّل الذي أنجز في فترة وجيزة جدّا في العواصم الإفريقية التي تؤمن إيمانا قاطعا بهذه القارة.. كان لابد أن ينظر رواده إلى أفق أخرى جديرة بأن يكون للأفارقة مكانة لائقة على المستوى العالمي وصوت يسمعه الجميع.
وفي هذا الإطار فإن هناك عملا إفريقيا أنجز في هذا المجال ألا وهو “إتفاق ايزولويني” في ٢٠٠٥، الذي أقر تمثيلا أكثر انصافا وتوازنا وهذا ضمن لجنة الـ ١٠ المتكونة من الجزائر، ليبيا، السينغال، سراليون، ناميبيا، زامبيا، كينيا، أوغندا، غينيا الإستوائية والكنغو مكلفة بترقية الموقف الإفريقي المشترك حول إصلاح منظمة الأمم المتحدة، وبالتوازي سعى اجتماع “ليفغنستون” بزامبيا في ماي المنصرم على تقييم ما بذل حتلى الآن من مجهود في هذا الإطار، خاصة مع المطلب القائم على إدراج ٧ أعضاء (عضوان دائمان).
وهذه الحيثيات ما تزال الشغل الشاغل للأفارقة من أجل المضي قدما في هذا الإختيار مهما كان الأمر، وهو شرعي يترجم تضحيات هذه القارة من أجل الإنعتاق من الإستعمار، والميز العنصري، والذي كلف هذه الشعوب بتضحيات جسام. هذا الرصيد النضال العظيم هو الذي يميز إفريقيا عن باقي العالم.