يدفـــع نحــــو مزيـــد مـــــن الاحتقــــان وســــط الشــــــارع

قانون المالية بالمغرب يعمّق واقع الهشاشة والفقر

فضيلة دفوس

 

  حرمـــــــــــــــان وإقصـــــــــــــــاء اجتماعـــــــــــــــي وضـــــــــــــــرب حـــــــــــــــق المغاربـــــــــــــة فـــــــــــــــــــي  العيـــــــــــــش الكــــــــــريم 

لم تمرّ مصادقة البرلمان المغربي على مشروع قانون المالية لسنة 2025 مرور الكرام، بل على العكس تماما، حيث أثار المشروع والمصادقة عليه معارضة حزبية وشعبية شديدة تنذر بمزيد من الاحتقان الاجتماعي والتصعيد ضدّ نظام المخزن الذي بدل أن يستجيب للاحتياجات المعيشية والتنموية للمغاربة، ويمنح الأولوية للقطاعات ذات الأهمية مثل الصحة والتعليم والشغل والسكن، وهي قطاعات تئن تحت وطأة الضغط والتوتر، فقد راهن على رفع ميزانية الجيش بما مقداره (500 مليون دولار) بهدف تعزيز القدرات الدفاعية للقوات الملكية المسلحة.

قانون المالية المغربي الجديد الذي يرسخ الاهتمام الكبير بقطاع الدفاع على حساب القطاعات الأخرى، أثار سخطا واستنكارا كبيرين وسط المعارضة ومجموع المغاربية الذين أدانوا بشكل صريح إصرار الحكومة على الاستمرار في قهرهم وتجويعهم من خلال اتخاذها تدابير تفتقر إلى التوازن المطلوب بين النمو الاقتصادي وحماية الفئات الاجتماعية وتقاعسها عن تبني سياسة تنعش التشغيل، وتحسّن القدرة الشرائية والمعيشية التي تشهد مزيدا من التردي والانهيار.
وقد سجل المعارضون، بأن الحكومة المخزنية وهي تضع مشروع قانون المالية، أقصت تماما أهداف المشروع المجتمعي، وركّزت على نفس النهج الليبرالي لقوانين المالية السابقة التي خضعت لمنطق الموازنات المالية على حساب التوازنات الاجتماعية، معتبرين بأنها أخلّت بالتزاماتها وبالعهود التي قطعتها على نفسها لإقرار نموذج تنموي يرفع نسبة النمو ويوفّر المداخيل الضرورية للاستجابة للاحتياجات المعيشية الملحّة.
وأخذ المعارضون على المقاربة الحكومية للمالية العامة كونها “مقاربة تقنية صرفة يعوزها العمق السياسي”، مشكّكين في قدرتها على تعبئة 51 مليار درهم سنويا لتمويل ورش الحماية الاجتماعية.
وقالوا بخصوص بعض التدابير التي تضمنها مشروع قانون المالية على مستوى الحوار الاجتماعي، لاسيما ما يتعلق منها بمراجعة أشطر الضريبة على الدخل، والزيادات المقررة في الأجور، أن هذا المجهود المالي لا يغطي فارق ارتفاع كلفة المعيشة، داعين الحكومة إلى عدم التعامل مع هذه المكاسب المادية بمنطق المقايضة مع الفرقاء الاجتماعيين أو المساس بحقوق الطبقة العاملة.
هجـــوم علـــى الحقـــــوق الاجتماعيـــــة
بدورها سجلت “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” أن مشروع قانون المالية لسنة 2025 يعكس استمرار الهجوم على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويكرس من جديد ارتهان الدولة لإملاءات المؤسسات الدولية، ويتبنى سياسات تعمق واقع الهشاشة والحرمان والإقصاء الاجتماعي، ويضرب حق المغاربة في العيش الكريم.
وعبرت عن رفضها لاستمرار مسلسل الغلاء والسياسات الضاربة للقدرة الشرائية للمواطنين، مجددة قلقها من فشل السياسات الموجهة لحل الأزمات واستمرار معاناة المواطنين المتضررين من زلزال الحوز، والفيضانات ومن الجفاف وندرة المياه والعطش.
كما حذرت “الكونفدرالية الديمقراطية للشغل”، الحكومة المغربية من تنامي منسوب الاحتقان الاجتماعي، ونبهتها إلى خطورة إخلالها بالتزاماتها وانفرادها بالتقرير في الملفات والقوانين الاجتماعية.
وانتقدت الكونفدرالية في بيان لها، قفز الحكومة المخزنية على مؤسسة الحوار الاجتماعي، محملة إياها مسؤولية ما سيؤول إليه الوضع جراء تعاطيها اللامسؤول مع التعاقدات والاتفاقات الاجتماعية.
وقالت، إن الحكومة تواصل مراكمة الاختلالات في تعاطيها مع الملفات والقضايا والقوانين الاجتماعية، وهو ما يظهر جليا في استمرار ضرب المكتسبات الاجتماعية والحريات النقابية والقدرة الشرائية للمواطنين والإخلال بالالتزامات الاجتماعية وتعطيل الحوار الاجتماعي.
وأضافت المركزية النقابية أن الحكومة قدمت مشروع قانون المالية لسنة 2025 دون الأخذ بآراء ومقترحات الحركة النقابية.
وتتجه الكونفدرالية إلى التصعيد في وجه الحكومة، حيث دعت كل أجهزتها التنظيمية وعموم منتسبيها إلى الرفع من مستوى التعبئة، استعدادا لخوض كل الأشكال النضالية دفاعا عن حقوق ومكتسبات الطبقة العاملة وعموم المواطنين، وأعلنت عن دعوة مجلسها الوطني إلى الانعقاد يوم الأحد 24 نوفمبر الجاري.
تدبـــير كارثــــي يزيــــد الاحتقـــــــــان
أما “فدرالية اليسار الديمقراطي” المغربية فقد عبّرت عن قلقها من استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة، واستنكرت تدبير الحكومة الكارثي للعديد من الملفات والقضايا وعجزها عن إيجاد الحلول للعديد من الملفات المطروحة.
وأوردت أن “الحكومة زادت منسوب الاحتقان في المجتمع بسبب الارتجال والتسرع وتبني مشاريع قوانين واتخاذ قرارات أحادية هدفها ضرب الحقوق في العديد من القطاعات والملفات الاستراتيجية باسم الإصلاح المفترى عليه”.
وانتقدت الفدرالية تغييب المقاربة التشاركية والحوار الهادف مع مكونات المجتمع ومع المعنيين مباشرة بهذه المشاريع، مشيرة في نفس الوقت إلى حملات الابتزاز والاستفزاز والقمع المنتهجة من قبل الحكومة بحق المضربين في العديد من القطاعات.
موجة الرفض والاستياء التي أثارها قانون الموازنة العامة المغربي، عبّر عنها أيضا أساتذة وخبراء من خلال إشارتهم إلى أن القانون يحمل توجها نيوليبراليا ويعكس فشل الحكومة بشكل ذريع في الوفاء بالتزاماتها، خاصة فيما يتعلق بنسب النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل وإخراج المواطنين من عتبة الهشاشة والفقر.
واعتبر هؤلاء الأساتذة والخبراء بأن الحكومة لا تعبّر في قانون مالية 2025 عن أي إرادة واضحة من أجل تصحيح إخفاقاتها، مسجلين بأن الاقتصاد في المملكة أمام معضلتين الأولى هي وتيرة النمو الاقتصادي، والثانية مرتبطة بطرق إعادة توزيع الثروة. وجزموا بأن نسبة نمو الاقتصاد المغربي تتحرك ببطء شديد وهذا غير كاف للتصدي للأزمات والتحدّيات.
تهديد بالطعن لدى المحكمة الدستورية
في الواقع لم يسبق لقانون ميزانية مغربي سابق أن أثار مثل الاستياء الذي يثيره قانون المالية الجديد، حتى أن فرق ومجموعة المعارضة بمجلس النواب هدّدت بالطعن فيه لدى المحكمة الدستورية، خاصة لما تضمنه من إجراءات غير قانونية تعتدي على حقوق الأفراد مثل نزع الملكية.
وفي السياق، هدّد رئيس المجموعة النيابية لـ «العدالة والتنمية»، بالطَّعن في مشروع قانون المالية أمام المحكمة الدستورية، بعد التشاور مع المعارضة، بسبب إجراء الاعتداء المادي.
وقال: «هناك خرق للفصل 35 من الدستور المتعلق بنزع الملكية، فالاعتداء المادي غصب وفعل غير مشروع، ومن غير المعقول أن يشرّع قانون المالية لأمر غير دستوري وغير قانوني».
الأمر نفسه ذهب إليه عضو الفريق الاشتراكي بالمعارضة الاتحادية ورئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب، الذي قال في هذا الخصوص: «الاعتداء المادي هو نزع الملكية دون احترام الإجراءات القانونية، فلا أحد يُوافق طواعية على منح ملكيته للدولة إلاَّ في حالات خاصّة، ولا يُعقل أن نضيع حق مواطن من أجل آخرين والملكية حق يضمنه الدستور”.
الحكومة بلا كفاءة وأرقامها مزيّفة
 في الأثناء، كالت فرق ومجموعة المعارضة انتقادات شديدة للحكومة المغربية وللإنجازات التي أعلنت عنها، واعتبرت أن الأرقام والنسب المقدمة في مختلف المجالات تم تضخيمها وأنها مجانبة للصواب، جازمة “بأن الحكومة لم تحقق خلال السنتين المنصرمتين أي رقم أعلنته بخصوص النمو والتضخم وعجز الميزانية”.
وقالت مجموعة المعارضة، أن الحكومة التي تنكرت لالتزاماتها التي قطعتها على نفسها تفتقد للكفاءة السياسية، ففرضيتها بخصوص مستويات التضخم بعيدة كل البعد عن الواقع المعيش للمغاربة، خاصة في ظل استمرار مجموعة من المواد الاستهلاكية في الارتفاع، بالإضافة إلى باقي التدابير التي جاءت بها والتي ستضر بالقدرة الشرائية للمواطن، كالزيادة في رسوم الاستيراد وفي الضريبة الداخلية على الاستهلاك والضريبة على القيمة المضافة بالنسبة للماء والكهرباء والنقل وتغذية الرضع وصغار الأطفال والأجهزة الكهرومنزلية والهواتف الذكية وغيرها.
وأضافت المعارضة خلال مناقشة مشروع قانون المالية في البرلمان وردّ الحكومة، أن «حديث رئيس الحكومة عن تسجيل معدل 4 بالمائة في النمو خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الحكومة هو كذب، والأمر نفسه علاقة بمعدل المديونية والتضخم ». وسجلت أن نسبة البطالة بلغت 13.7 في 2023 و13.6 في 2024، وهي أرقام غير مسبوقة، كما أن 82.5 بالمائة من المواطنين صرّحوا بتدهور مستوى معيشتهم، والتحق 3.2 مليون مواطن بدائرة الفقر والهشاشة.
بعيـــــــــد عـــــــن همــــــــــوم المغاربـــــــــــــة
 يبدو أن المغرب الذي يواجه في السنوات الأخيرة ضغطا شعبيا كبيرا بسبب الأوضاع الاجتماعية المتدهورة، سيكون على موعد مع مزيد من التوتر والتحديات التي ستقود إلى انفجار وشيك خاصة مع إصرار النظام المخزني على تجاهل المطالب الشعبية الملحة وتركيز أولويته على التسلّح ونسج المؤامرات الخارجية وتوسيع تهديداته للمنطقة.
وبدون شك، سنشهد في الأيام القادمة تفاقما للسخط الشعبي، حيث سيتحول قانون المالية  إلى عود ثقاب يلهب المملكة التي تقف على برميل بارود، خاصة وأن هذا القانون، لم يكن في مستوى تطلعات وهموم المغاربة وأغفل الحديث عن محاربة الفساد والرشوة والريع، وتجاهل الإطار المتعلق بالاستثمار، وهو الإطار الذي من شأنه أن يحرّك عجلة التنمية ويقضي على البطالة ويرفع مستوى المعيشة.  

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19680

العدد 19680

الأربعاء 22 جانفي 2025
العدد 19679

العدد 19679

الثلاثاء 21 جانفي 2025
العدد 19678

العدد 19678

الإثنين 20 جانفي 2025
العدد 19677

العدد 19677

الأحد 19 جانفي 2025