لماذا تغييب الحل السياسي؟!

جمال أوكيلي

لا يخلو التدخل الروسي في سوريا من تساؤلات منطقية، أهمها الهدف المتوخي من الشروع في قصف مدن هذا البلد بهذا الشكل العنيف الذي استعمل فيه آخر الإبتكارات في منظومة الصواريخ المدمرة والفتاكة هامش خطاؤها لا يتعدى المترين فقط.

ففي فترة وجيزة جدا تحوّلت تلك التساؤلات إلى قلق متزايد صادر، خاصة عن الولايات المتحدة الأمريكية التي صعّدت لهجتها حيال ما أقدم عليه الروس واقتحامهم “لمجال حيوي” اعتقدوا بأنه حكم عليهم فقط في التداعيات الجيوـ استراتيجية.
القيادة السياسية والعسكرية الروسية أخذت المبادرة في تشكيل رأي عام يساير طروحاتها عندما سارعت للإجابة عن كل ما يتبادر إلى أذهان المتتبعين على أنها في حرب ضد داعش.. ودخلت في حساب عدد الغارات، دون ذكر الضحايا، هذا ما استغله البعض في القول بأن الجيش الحر هو الذي كان مستهدفا وغير ذلك من الأقوال التي اعتدنا سماعها في كل أحداث على هذا المستوى ولا ندري لماذا حدد الروس ٤ أشهر كمدة لغارات طائرتهم على المواقع المسلحة في سوريا؟ هذا يعنى أن هناك خطة عسكرية واسعة النطاق لسحق من هو موجود في الميدان حاملا للسلاح ضد الدولة المركزية أو يريد الإطاحة بالنظام القائم؟ ومن جهة ثانية السماح للجيش السوري بالعودة ثانية إلى ساحة المعركة بكل ثقله بعد أن استقوت المعارضة المسلحة بشكل ملحوظ أدى إلى الاتفاق على هدنة في نقاط معينة تصل إلى ٦ أشهر أحيانا لكن تنهار في اليوم الموالي، بالإضافة إلى شعور قيادة حزب الله بأن عناصرها يقتلون يوميا ويتفاوض مع قصد استعادة جثمانهم.
كل هذه المعطيات وغيرها كان لها الوقع الكبير والأثر الملموس لدى المسؤولين السوريين وكذلك قادة حزب الله الذين فكرو مليا في أنه يستحيل الإستمرار في حالة “اللاتوازن” وهذا بإدخال تغيير جذري على معادلة الأزمة الأمنية في البلد وكان ذلك بالاتفاق مع روسيا على إحداث التوازن تم التفوق في المرحلة القادمة والتي قدّرها الروس بـ ٤ أشهر على الأقل.
وهكذا ففي الوقت الذي كان أوباما والغرب يناقشون مصير الأسد والمرحلة التي تلي ذلك، كان لا فروف يقول إن سوريا بدون بشار ضرب من الخيال وهي رسالة واضحة في الحفاظ على الوضع كما هو.. ولا تنتظروا أي تغيير في هذا الشأن والآتي أعظم هكذا جسّد الروس مبدأ التحالف في صورته الأمنية.
الحديث الآن بين الكبار بوتين وأوباما وبأقل درجة الدول الغربية التي عبّرت عن آمالها أن تكون الضربات الجوية الروسية موجهة لداعش لا غير، ويسجل هنا بأن الحل السياسي غيبه الجميع، الرئيسان الأمريكي والروسي أبلغا لبعضهم البعض مواقف متشددة وصارمة تجاه الملف السوري ولا أحد منها أراد التنازل عما يراه تجاه هذه الأزمة.. أوباما شخّص المشكلة في الأسد، بوتين يرفض ذلك.. وواقعيا فإن الحل ليس غدا لأن الرئيسين استعرضا مدى قوتهما .. التحكم في خيوط ما يحدث في هذا البلد من النواحي الأمنية فقط ولم يشر إلى الآفاق القادمة وهذا على المستوى الدولي وخلال هذه الأثناء  أعلن السيد وليد معلم وزير الخارجية السوري أن بلاده وافقت على المشاركة في لجنة مناقشة الأفكار الأممية التي ما فتئ دي ميستورا يدعو إليها ولم يتجاوب معه أحد منذ تخلي الإبراهيمي عن مثل هذه المهمة.وتحفظ السلطات السورية تجاه مساعيه خاصة عندما طلب بوقف إطلاق النار في حلب وإدانته لعملية إلقاء البراميل المتفجرة على المدن الآهلة بالسكان في المناطق الحربية.
إنها حالة معقدة جدا “أمنيا وسياسيا” ولا يتمنى أحد أن يتواصل هذا الدمار لأن أصحابه غيبوا الحل المرجو والتسوية المأمولة “ولا نعتقد أنه في خضم هذا التدخل الروسي تظهر بوادر التخلص من هذا الكابوس بالجنوح إلى الخيار السياسي.. هذا الأمر غير مطروح حاليا لأن الضغط لم يبلغ مداه في الوقت الحالي، لذلك فإن هذا العمل الروسي سيسمح في غضون أيام من الدعوة إلى الحل السياسي، المغيب من فترة طويلة جدّا كانت فيها روسيا تدير خيوط اللعبة عن بعد، عندما لاحظت بأن الأمور تسير بوتيرة سريعة ولصالح المعارضة قررت خلط كل الأوراق بشكل يترك الأطراف الأخرى تطالب الحل السياسي.
وحتى الآن لم تجتمع أو تتوفر الشروط السياسية لماذا؟ لأن القاسم المشترك الوهمي هو محاربة داعش، في حين أن روسيا لا تفكر بهذا المنطق وإنما لها قناعات أخرى منها منع التفوق العسكري الغربي عليها وقد أكّد ذلك بوتين وتغيير نظر أمريكا ومن يدور في فلكها عن أوكرانيا وأخيرا وهذا المهم هو اعتبار نفسها رقم واحد فيما يجري بمعنى قدرتها الفائقة في التأثير على الأحداث بالشكل الذي تراه لائقا بها وهذا ما نقف عليه اليوم.
وخلال هذه المرحلة، فإن روسيا تعد رقما مستعصيا على الغرب احتار في أمرها بعد أن رتبت أوضاعها الداخلية بطريقة محكمة وهذا منذ انهيار المعسكر الشرقي وسقوط جدار برلين، العالم أصبح أحادي القرن وعاد الاتحاد السوفياتي باسم روسيا.
كون الاتجاه الإيديولوجي لم يتغير أبدا ماعدا ما له علاقة بالاقتصاد والتجارة وتشعر الولايات المتحدة اليوم بأنها تخاطب طرفا قويا متفادية صيغة الإملاءات بقدر ما تبحث عن التساوي في كيفية مناقشة القضايا الشائكة عن طريق المزيد من الحوار الهادف الرامي إلى تسوية النزاعات بالطرق السلمية.
وعليه، فإن عين الولايات المتحدة على المنطقة والحضور الروسي المباشر قد يبعد عملية السلام إلى إشعار آخر أو يعاد بناء هذا المسعى من جديد وفق مرجعيات أخرى. لا تستند إلى ما كان يعرف بجنيف ١ و٢ والقرارات الأممية واجتماعات ما يسمى بالأصدقاء وغيره والإحتمال الأكثر ورودا هو ترك المبادرة للميدان بعد بروز عدم التفاهم حول ما قبل وما بعد الوضع السياسي والعسكري.
لأن سوريا لم تكن في يوم من الأيام تقبل بتلك الخطوات السياسية في الخارج وحاولت روسيا كذلك التقليل أو التخفيض من سقف مطالب المعارضة. لكن بقيت دار لقمان على حالها، وخلال هذه الأثناء كان رفض وزير خارجية سوريا مطلقا تجاه أي تنازل سياسي أدى إلى رحيل كل من عنان والإبراهيمي وإحلال محل هذا الأخير دي سمتورا الذي لا يلقى الترحيب من طرف السوريين، وهو امتداد للمبعوثين السابقين في إدارة الملف وليس بإمكانه القيام بأي شيء مادامت الأزمة انتقلت إلى مستوى آخر، وخروجها حتى على القوى الإقليمية التي كانت تتجاذبها من حين لآخر، وهو الإشكال في الوقت الحالي والذي تعقد أكثر فأكثر.. لذلك فإن روسيا لا تريد تكرار سيناريو ليبيا وهذا عندما دمر الغرب البلد أكمله وانسحب ليتفرج على أحداث المسلسل الدرامية.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19630

العدد 19630

السبت 23 نوفمبر 2024
العدد 19629

العدد 19629

الجمعة 22 نوفمبر 2024
العدد 19628

العدد 19628

الأربعاء 20 نوفمبر 2024
العدد 19627

العدد 19627

الثلاثاء 19 نوفمبر 2024