الخيارات السياسية المطروحة لحل الأزمة الأمنية في سوريا في تزايد مستمر، وما يشار إليه في الوقت الرّاهن التجاذبات الصادرة بين الدعوات الصادرة من موسكو والقاهرة لاحتضان اجتماعات المعارضة مع النّظام في روسيا ومصر.
وإن كان موعد موسكو قد دخل مرحلة حاسمة، وهو في لمساته الأخيرة من حيث الأطراف التي تحضر هذه الجلسات، فإنّ لقاء القاهرة مازال في طور الإعداد وهو في سقف إعطاء مبدأ المشاركة من قبل الجهات المعنية بهذا النّزاع الحاد والمعقّد في آن واحد.
وكل الصّعوبات السياسية تكمن في هذا الجانب، ونقصد هنا بأنّ المقاربات الملاحظة تختلف من مشرف على الحوار إلى آخر، وهذا إمّا بتوسيع دائرة الحضور لكل من هو موجود في الميدان أو الإكتفاء بمن له وزن على الساحة السياسية والعسكرية.
القادة الروس يراهنون على اجتماع موسكو بشكل مثير للغاية، تطلّب منهم الأمر التنقل إلى تركيا، تلاه مباشرة زيارة مكوكية لبوغدانوف إلى لبنان ولقاءاته المكثّفة مع كل الفعاليات هناك لإبلاغها بحيثيات الإجتماع المرتقب، وفي مقابل ذلك الإستماع إليها، وكل واحد أدلى بدلوه في هذا الإطار، هناك من رحّب بذلك وهناك من جدّد مواقفه تجاه ما يجري كلّها تصبّ في خانة التشدد.
ومازال السّاسة في روسيا المكلّفون بهذا الملف في سباق ضد الساعة من أجل ضبط قائمة المشاركين في الإجتماع القادم وتوجيه الدعوات، وهذا في الوقت الذي لم يجدوا أي مشكل في الوفد السّوري الذي سيترأّسه وزير الخارجية المعلم. وفي هذا السياق التقى بوغدانوف بشخصيات من الائتلاف السّوري كانت لها مسؤوليات في السّابق، أبدى تحمّسا لإشراكها نظرا لحكمتها في مثل هذه المواقع والأحداث.
ويأتي اجتماع موسكو المقرّر في غضون الأسابيع القادمة كحتمية سياسية لا مفر ّمنها، بعد أن باءت كل الخيارات الأخرى بالفشل خاصة اجتماعات جنيف التي تحفّظ عليها كل من أعطاها قراءة أخرى، دفعت بالسيد لخضر الإبراهيمي المبعوث الأممي والعربي رمي المنشفة والإنسحاب بشرف من نزاع وصل إلى نقطة الإنسداد، وغابت أو غيّبت فيه بوادر الحل ليستبدل بشخصية أخرى وهو دي ميستورا.
وإلى يومنا هذا لا يظهر عمل هذا الدبلوماسي منذ تولّيه هذا المنصب، وكل ما دعا إليه هو مطالبته بتسوية الأوضاع الإنسانية في حلب وفق خطّة منسّقة مع المسؤولين السوريين، في حين لم يعين ممثلا له في الإجتماعات الآتية في موسكو.
ولابد من الإشارة هنا إلى أنّ روسيا تراهن على الحل السياسي التي تراه قائما على مشاركة الجميع دون إقصاء، معارضة وسلطة، في حين تتعمّد الأصوات الأخرى المتعالية هنا وهنا إلى أنّ التسوية لا تكون مع فلان أو علّان.
وهذا التّصادم في المواقف بين الشركاء والفرقاء هو الذي أدّى إلى إتخاذ قرارات إنفرادية من طرف روسيا في احتضانها لاجتماع حاسم للنّظر في الأزمة الأمنية القائمة وكيفية التعامل معها مستقبلا، وهذا بانفراط عقد التحكم في مسارها، وبلوغها سقف من التعقيد يستحيل إيجاد أرضية حل ترضى الجميع أين تصنّف تلك الجماعات المسلّحة المتواجدة في الميدان؟
قد تؤدّي أجزاء وأنصاف الحلول إلى باب مسدود، كما قد تجرّ الحسابات الضيقة إلى الخروج بقرارات غير قابلة للتطبيق أو تلقى معارضة من البعض.
هذا هو الواقع السياسي والعسكري في المنطقة، كل جهة تريد أن تكون العملية الحسابية رفقتها مادام تصنع الحدث في الميدان، لذلك أطال أمد اجتماع موسكو وقد يؤجّل إلى وقت لاحق إن اختلت معادلة الحضور، ويتمسّك كل واحد بذهنية إسقاط فلان أو صناعة السّلام بدونه، لذلك فإنّ التحمّس لهذا الإجتماع يتطلّب عملا شاقا ومضنيا شعاره: “ممنوع الفشل”.
لا بد من الإعتراف هنا بأنّ الأزمة الأمنية في سوريا تشعّبت إلى درجة لا يمكن تصوّرها بدخول عناصر جديدة في الصّراع وهي ظاهرة المسلّحين في المدن الكبرى المعروفة كحلب وإدلب ودير الزور وغيرها مع وجود الجيش الحر وداعش وقوات التّحالف التي تضرب أراض ذات سيادة.
إنّنا حقّا أمام مشهد دائم الحركية.