لا يختلف إثنان في أن تأمين منطقة الساحل تمر عبر استتباب الأمن في الجارة ليبيا التي تعيش حالة من الفوضى والإقتتال منذ الإطاحة بنظام القذافي وتصفيته البشعة على أيدي ميليشيات مسلّحة لازالت تتقاتل فيما بينها منذ ذلك الوقت للإنقضاض على بقايا دولة تبحث عن نفسها في ظل مرحلة انتقالية لا تبدو لها نهاية قريبة .
إن هذا المشهد الليبي يؤكد أن البلاد تعيش أزمة معقدة ومتداخلة تحتاج إلى الكثير من الحكمة من أجل جمع الفرقاء هناك إلى طاولة واحدة للحوار يناقشون حولها مستقبل بلادهم الذي لا يزال قاتما وذلك بعيدا عن لغة الرصاص والمواجهة التي ألحقت بالمدنيين الأبرياء ما يكفي من المآسي والمعاناة.
لابد من الإشارة في هذا الصدد أن المجتمع الدولي تأخر كثيرا في معالجة هذه الأزمة التي ازدادت تعقيدا بمرور الأيام وذلك منذ تخلي الحلف الأطلسي عن هذا البلد بمجرد تصفية القذافي وترك الشعب الليبي لمصيره ولم يرافق المرحلة الانتقالية التي أعقبت إسقاط نظامه وحالة الفوضى التي سادت وهي كلها عوامل وفّرت الظروف الملائمة لاستفحال الجماعات الإرهابية وازدياد نشاطها.
وكان الهجوم على قنصلية الولايات المتحدة ببنغازي العام 2012 ـ الذي قضى فيه السفير الأمريكي - أكبر مؤشر على وقوع البلاد في براثن الجماعات الإرهابية كم كانت هذه الحادثة بمثابة 11 سبتمبر جديد استفاق على وقعها الأمريكيون والعالم اجمع على واقع جديد و على “ثوار” دعمهم الغرب اخترقتهم وسيطرت عليهم عناصر إرهابية متشددة وعلى إثر ذلك تبين حجم ما أصبحت تشكله الأزمة الليبية من تهديد للسلم والاستقرار في المنطقة وفي العالم، حينها فقط عادت ليبيا مجددا إلى أولويات الترتيب ضمن اهتمامات المجتمع الدولي وتأكدت ضرورة التعجيل بإيجاد حل لها وفرض الخيار السياسي نفسه كمخرج وحيد لازمة أوجدتها الخيارات العسكرية التي تأكد أنها تزيد الأوضاع تعفنا وأنه من العبث التفكير في اللجوء إليها مجددا، وفي ظل ازدياد هذه القناعات سارعت الأمم المتحدة إلى إيفاد بعثة إلى ليبيا مهمتها الرئيسية وضع أرضية لحوار بيني ليبي يخرج البلاد من متاهة الفوضى المزمنة والعودة بها إلى منطق الدولة والمؤسسات وتأهيليها ليصبح بلدا مصدرا للاستقرار والسلم عبر كل منطقة الساحل .
إلا أن البعض من دول المنطقة دعت بطريقة غير مفهومة ولا مبررة إلى تدخل عسكري لحل الأزمة الليبية وهو الخيار الذي جاء مفاجئا ومتناقضا حتى مع ما التزمت به هذه الدول في الاجتماعات الستة لدول الجوار الليبي والتي أجمعت فيها هذه الدول على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا والتمسك بالحل السلمي، كما أن هذه الدعوة جاءت عكس التطلعات والمجهودات المبذولة لإيجاد آليات وصيّغ إفريقية لحل أزمات القارة لكي تخلصها من التبعية الأمنية للخارج وفوق هذا وذاك ظهرت هذه الدول بمظهر من يسبح عكس التيار وعكس التوجهات السلمية للأمم المتحدة ومجهوداتها الرامية إلى إيجاد حل سياسي للازمة الليبية !.
الأكيد أن هذا الحل السياسي بحسابات الربح والخسارة وبلغة البراغماتية هو الأقل كلفة سواء من حيث الخسائر المادية أو البشرية، وهو الأصلح للحالة الليبية بتعقيداتها وتداخلاتها التي تحتاج إلى دبلوماسية الأعصاب الباردة وليس دبلوماسية (حي على الحرب) التي أغرقت العالم كله في متاهات لا تنتهي تخلف يوميا الملايين من الضحايا وتهدر الملايير من الدولارات كان يمكن أن تحقق العيش الرغد لكل ساكنة الأرض التي تعاني المجاعات والأوبئة تصرف في محاربتها الأمم المتحدة مبالغ ضخمة ضمن حلقة مفرغة أوجدها نظام دولي يضم آليات منتجة للأزمات وليس لتفاديها أو حلها وهذا هو الخلل الذي يجب إصلاحه لكي تتحقق الأهداف السامية التي أسست من أجلها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن وعلى رأسها الحفاظ على السلم والأمن الدوليين.