بعد إعلان رئيس منظمة الصحة العالمية الدكتور تيدروس ادهانوم غيبريسوس في 11 مارس الماضي، «أن فيروس كورونا «كوفيد-19» وباء عالمي (جائحة)»، فإن التساؤل المطروح اليوم سيكون، عن مدى نجاعة استراتجية برنامج الأمن الصحي العالمي القائمة على منع تفشي أمراض يمكن تجنبها والكشف عن التهديدات والمخاطر بشكل مبكر والاستجابة بسرعة وفعالية.
إن المحافظة على صحة الإنسان في كافة أرجاء العالم يمثل أحد الرهانات العالمية في شقها المرتبط بالسلامة والوقاية من جميع الأمراض التي تصيب الإنسان، باعتبار أن تحقيق الأمن الصحي شرط أساسي لتوفير الأمن الإنساني. إلا أن التاريخ المعاصر الذي يتميز بتزايد وتيرة العولمة، أفرز لنا في شقه الصحي تضاعف الأمراض على الصعيد العالمي بالشكل الذي يصعِّب عملية التحكم والتنبؤ بظهور فيروسات وميكروبات بشتى أنواعها، حيث تشير بعض الأبحاث الى أن ما بين سنة 2000 و2020 تم الإعلان عن انتشار ما يقارب من 10 أوبئة والمتمثلة في (انفلونزا الطيور، انفلونزا الخنازير، الكوليرا، أيبولا، زيكا، الحمى الصفراء، الطاعون، ساراس، ميرس وأخيرا كورونا كوفيد-19، هذا الفيروس أدى إلى الكشف عن هشاشة الأمن الصحّي العالمي من خلال تزايد خطورة انتشاره التي امتدّت الى كلّ القارات وأغلب البلدان. ويتصف هذا الفيروس بميزتين أساسيتين؛ أولاها أنه سريع الانتشار، ما يصعّب من عملية احتوائه واكتشافه من حيث بنيته وطريقة انتقاله بين الأفراد والدول وجعل خبراء الطب واضعي السياسات يطرحون التساؤلات التالية: إلى أي مدى سينتشر؟ وكم سيستمر؟.
والميزة الأخرى، أنه يؤدي إلى الموت، بالإضافة إلى تسببه في مشاكل اجتماعية واضطرابات سياسية، على غرار الشلل التام لبعض المدن مثل أوهان الصينية وميلانو الإيطالية، مع إعلان حالات غلق المدارس وتوقيف بعض النشاطات ذات الطابع المحلي والدولي في فرنسا وألمانيا وبريطانيا والدول العربية والإسلامية وتوقيف الرحلات الجوية في عموم البلدان، بالإضافة إلى نكسات اقتصادية وسقوط حرّ لأسعار النفط وهذا ما يشكل معضلة بالنسبة للدول المنتجة في رسم سياساتها الاقتصادية واجتماعية.
إن الأمن الصحي العالمي يواجه بظهور كورونا أخطر فيروس واجهته البشرية في العصر الحديث، ما صعّب عملية احتوائه حتى من طرف الدول المتطورة في المجال الصحي، وهذا ما يشكل تهديدا للبشرية جمعاء وبالأخص بعد تصريح أمين عام الأمم المتحدة، واصفا ذلك «بالتهديد المشترك نواجهه جميعا»، لذا لابد من الإحترازات الضرورية للوقاية من هذا الفيروس الذي بدأ بالانتقال إلى الدول النامية التي تعاني ضعفا في النظام الصحي مع غياب ثقافة الوقاية، بالإضافة إلى تغيير سلوكات اجتماعية يومية (مصافحة، تجمعات، التعانق، التحادث والتقارب) التي تسهل عملية انتقال العدوى بين الأفراد.
بالرغم من كل ذلك، لابد من الإشارة إلى بعض الجهود الدولية المبذولة سواء قامت بها دول منفردة، كما كان ذلك مع تجربة الصين للحد من الانتشار والمنع، مع تسخير وسائل العلاج (الحجز الصحي) ومساعدة بعض الدول مثل إيطاليا، أو كذلك جهود منظمة الصحة العالمية التي خصصت حوالي 50 مليار دولار لمواجهة فيروس كورونا (كوفيد-19) وذلك بالنظر إلى أن خطر هذا فيروس مازال يشكل امتحانا حقيقيا ليس في المجال الصحي العالمي فقط بل يشمل أيضا بنية النظام الدولي وتحالفاته والشكل الذي يظهر فيه العالم ما بعد كورونا من خلال فواعله الجديدة المؤثرة (بيولوجيا، جرثوميا) ومدى إفرازات ذلك على القوة في مفهومها الموسع في العلاقات الدولية.