تعتبر الترجمة علما قائما بحد ذاته، والذي يحتوي على تقنياته وأدواته لنقل المعاني والمقاصد من لغة إلى أخرى بأدق شكل ممكن. قد يكون الخطاب المترجم، مكتوبا، مسموعا، أومنقولا؛ وكما هو معلوم، أن كل لغة تتميز بطوابع مفهومية، جمالية،تاريخية، وشكلية تجعلها تحدد صيغا مختلفة وأساليبها،ونسبا محددة من الثراء الحاصل على مستوى المفردة والمرادف، كما لا يمكننا تناسي دور البرامج الالكترونية والتكنولوجية في تغيير الإنتاج الترجمي وعلاقته بالمترجم وأساسياته. فما هو واقع الترجمة في دولة الجزائر، وكيف تصارع البرامج التكنولوجية ومحركات البحث؟
من المزري أن يتم فتح ملف واقع الترجمة من وإلى العربية في الجزائر. على عدة أصعدة، تحتضر الترجمة بمقاييسها الجوهرية والأساسية، وذلك عائد إلى عدد من العوامل: @أولا: سيطرة الأرضية اللغوية الفرانكفونية على عدة مصطلحات، هذا العامل التاريخي بامتياز أدى إلى تشويه عدة أعمال أدبية، خاصة الأعمال الكبيرة حجما.
- ثانيا: الفهم العميق للمقاربة بين ثقافتي اللغتين المراد العمل بينهما، هذا العامل الثقافي الذي يجب أن يكون متجذرا في ذهن المترجم، أي ثنائي الثقافة، ليس ثنائي اللغة فقط. فبكل بساطة، اللغة ليس إلا مكتبة ضخمة تحمل في مضمونها ثقافة الشعب، هويته، تراثه، أدبه، انكساراته، آماله، وتاريخه بدرجة أولى.
- ثالثا: الثراء اللغوي الذي تحتويه اللغة العربية وفسيفساؤها المفهومية والدلالية لا يمكن أن تحتضنه أي لغة أجنبية أخرى (لغة سامية، غير سامية أو لاتينية)، وهذا يصيب النص المترجم بالهزل وضيق معانيه، لدرجة أن المترجم قد يرضى باستبدال مفردة واحدة بكلمات مركبة أو عبارات لسد الفجوات بأكبر مجهود ممكن، ناهيك عن محاولة وضع مساحيق تكميلية وتجميلية كثيرة حين يقوم المترجم بنقل النصوص اللاتينية إلى العربية من أجل سد الفجوة الجمالية كذلك.
- رابعا: ظهور محركات البحث بصفة طاغية أدى إلى تناقص العمل بنظريات الترجمة وضمور دور المترجم في العمل المكتوب خاصة. هذا التشويه الفظيع على عدة أعمال علمية، أدبية، فنية لم يكن عبثيا وعشوائيا؛ بل كان نتيجة لاستبدال دور المترجم ببرنامج الكتروني أو محرك بحث، حيث يقوم هذا الأخير باستهلاك الكلمات وترجمتها حرفيا وميكانيكيا، فينتج لنا نصّا ركيكا جدا يخلو من الاتساق والانسجام، يخلو من الوحدة الموضوعية، كما يخلو حتى من البناء التركيبي الصحيح.
- خامسا: تشابك الاختيارات التي يقوم بها المترجم الجزائري بصفة خاصة إذ نجد في عدد من الأعمال ذاتية، والتي تتسم بكون بنيتها مرتبطة برأي المترجم وموقفه من خلال سياق المرادف الأقرب لخدمة ذاتيته؛ في حين تنص قوانين الترجمة على تأكيد الاختيار الخدوم لأبعاده الموضوعية ومقاصد النص الأصلي.
- سادسا: تهميش الاختلافات النحوية والقواعد، خاصة إذا تعامل المترجم الجزائري مع لغتين أساسيتين العربية والانجليزية، فيجب إحداث علاقات توافقية، بعيدة عن لغة أخرى تشكّل طرفا ثالثا، وحيث يكون المترجم جسر أمن بين قواعد اللغتين والتنقل بين البنيتين بشكل سلس وحذر.
الترجمة علم، فن ومسؤولية تلزم المترجم بالحفاظ على ممتلكات وأفكار الآخرين بدقة خارج لغتها وحروفها، فالمترجم يجب أن يكون أرضا ثقافية خصبة ومنتجة لثمار لغوية يانعة، وربما في بعض الأحيان، يمكن أن يكون المترجم خلال تأدية مهامه باحثا تاريخيا، خبيرا لغويا، وباحثا بالعلوم التجريدية، حيث يكون مساره في وجهة ثابتة لمناهضة الذاتية.
رأي مثقّف
هل نولي التّرجمة الاهتمام اللاّزم وفقا للعصرنة؟
بقلم: الكاتبة فاطمة حفيظ
شوهد:784 مرة