يحدّثنا الأكاديمي والنّاقد والكاتب المسرحي أ ـ عبد المالك بن خلاف، الرئيس السابق لقسم اللغات والآداب الأجنبية بجامعة سكيكدة، في هذا الحوار، عن مفهوم مسرح الشارع، والفرق بينه وبين مسرح العلبة الإيطالية، وبعض مزاياه وعيوبه. ويؤكّد بن خلاف، الذي اشتغل على مسرح علّولة، ارتباط مسرح الشارع بالثقافة الشعبية، وذلك في مختلف أنحاء العالم بما في ذلك الجزائر. بالمقابل، يربط بن خلاف استمرارية مسرح الشارع ونجاحه في توظيف التقنيات الحديثة، وهو في رأيه ما يعوق هذا النوع من المسرح عندنا.
- الشعب: ماذا نقصد بمسرح الشّارع؟
عبد المالك بن خلاف: الجواب الأبسط الذي يتبادر للذّهن هو أنّ مسرح الشارع نوع من مسرح يعرض في الشارع. ولكن إذا دققنا البحث سنكتشف أمورا أخرى تستحق التفكير بعمق أكبر، وسيمكننا القول إن مسرح الشارع هو نوع متعدّد الأشكال، وقد تواجد ومازال متواجدا في أنحاء عديدة من العالم.
وقد اتّخذ مسرح الشارع العديد من المسميات، ومن الأمثلة نذكر مسرح المقهورين عند البرازيلي «أوغوستوبوال Augusto Boal» أو «أجيت بروب Agitprop» أو حتى مسرح الارتجال.
من الناحية الشعبية هناك مظاهر احتفالية شعبية كانت تنظم في الشوارع مثل الفرجة، البوغنجة، احتفاليات طلب الغيث والختان، القوال في الأسواق. القضية إذن لها عمق تاريخي في حياة الشعوب ككل. طبعا في زمننا هذا أصبح يطلق مصطلح مسرح الشارع على نوع معين من المسرح بتقنياته الفنية وبالمواضيع الخاصة به.
- بماذا يمتاز مسرح الشّارع عن مسرح العلبة الإيطالية؟ وما هي عيوبه في رأيك؟
الشيء الأساسي الذي يفرق بين الاثنين هو مكان العرض بطبيعة الحال، فمسرح العلبة الايطالية يعرض داخل قاعة والآخر في الشارع. هذه الخاصية تجعل المشتغلين في القاعة يستعملون وسائل تقنية كالديكور والإضاءة وما إلى ذلك، أما مسرح الشارع فنجده في غالب الأحيان يستغني عن الوسائل التقنية كالإضاءة مع تخفيف الديكور. مسرح الشارع لا يعتمد إلا على براعة الممثل وجماليات النص والحبكة. من ناحية أخرى، يطرح مسرح الشارع مواضيع شعبية على علاقة بالحياة اليومية للمشاهد، خلافا لمسرح العلبة الذي لا يتطرق لها. وعدم استعمال هذه التقنيات ربما يمكن له أن يكون أحد العيوب والمآخذ على مسرح الشارع.
- هل كان لمسرح الشّارع تجليات في تاريخ الحركة المسرحية الجزائرية؟ مثلا هل يمكن القول إنّ مسرح الحلقة شكل من أشكال مسرح الشارع؟
كما سبق وقلت هناك ما يسميه علي عقلة عرسان بـ «الظواهر المسرحية»، ومن هذه المظاهر أو التجليات ظاهرة «القوال» الذي كان يعرض في الأسواق..أقول «يعرض» لأن ما يقدمه القوال يحتوي على جميع مقومات العرض: النص، الجمهور، الممثل..وأكثر من هذا، نجد أن فن القول يتطلب براعة كبيرة في التمثيل. بل ويتجاوز ذلك إلى كونه يجيد الغناء واستعمال البندير، والتعبير الجسماني والإلقاء والقول بأنواعه.
من جانب آخر، فإنّ حركة مسرح الهواة أسّست لمسرح الشارع، وبفعل حرمانها من القاعات، اضطرت الفرق أن تعرض إنتاجها في الشارع، ومن هنا اضطرّت هي الأخرى إلى أن تصمّم عروضها وفقا لهذه الضرورة.
أما مسرح الحلقة، فهو فعلا يعتمد على فن القول، ومن هنا يمكن أن نعتبره من مسرح الشارع، أضف إلى ذلك أن عبد القادر علولة اضطر إلى أن يخفّف من الديكور في مسرحية «الأجواد» كي يستطيع الجمهور الذي تحلّق حول الممثلين أن يشاهد العرض. وحسب ما أذكر فقد كانت هناك في الجزائر العاصمة تعاونية اسمها «تعاونية العمال»، ومؤسّسها بوميدونة، لا تعرض أعمالها إلا في الشارع.
- في ظل شكوى المسرحيّين من عزوف الجمهور..هل يمكن لهذا النوع من المسرح أن يعيد للفن الرّابع جمهوره؟
قد فعلها المسرح الهاوي في السبعينيات والثمانينيات حين خرج إلى الشارع. يمكن القول والجزم إن أكبر مساهمة قدّمها مسرح الهواة هو توسيع رقعة الجمهور، بحيث أنه كان هو من يذهب إلى الجمهور، وبهذا أوصل المسرح إلى مناطق كانت لا تعرف هذا الفن بالأساس. وممّا ساعد على ذلك هو أن هذه الفرق كانت مرنة في تنظيمها وخفّفت من تجهيز خشبتها، ما سمح لها بأن تعرض في أي مكان: ساحات عمومية، ساحات مدارس، طريق...بالإضافة إلى أن هذه الفرق كانت تنظر إلى الفعل المسرحي، فهي كانت تتطرّق لمواضيع على ارتباط وثيق مع الجمهور، ما جعله يلتف حولها، ومن هنا يمكن أن نقول إن الرجوع إلى هذا النوع من المسرح بتقنيات حديثة سيعيد الجمهور إلى المسرح.
- في الأخير..كيف ترى مستقبل مسرح الشّارع عندنا؟
بصراحة، أنا لا أرى لهذا النوع من المسرح مستقبلا في الظروف الراهنة، لأنّ المتطلّبات الفنية اتّسعت، وتنوّعت الوسائل الفنية عند الشبان، ما يجعلني أعتقد بأنّ القليل من التقنيات أصبح لا يجذب الشباب.