يعتبر الباحث في دكتوراه تخصص الأدب القديم بجامعة ورقلة حمزة شريف والمهتم بدراسات الأدب الصوفي والفلسفة أن إشكالية الكتاب المتخصص في الصوفية والفلسفة هي قضية احترام الموضوع الذي يُعالج في الكتاب سواء كان من طرف باحث ودارس معاصر يبحث في مدونة صوفية أو إشكالية في التصوف أو كان صوفيا يريد إنتاج نص صوفي وفق ما يقتضيه الخطاب الصوفي من توفر التجربة واللغة الخاصة بالصوفية، أي أن الموضوع المدروس هو المعيار في تحديد خصوصية الكتاب لأننا كما هو مشهور نعلم أن الصوفية كتبوا في موضوعات مختلفة.
لتوضيح ذلك ،نقول إن الكتاب إن كان حول ما يشاهده الصوفي من منامات ومشاهدات استبطانية في عوالمه وقطع مقامات الترقي نحو الحقيقة كان هذا كله تحت مسمى مجال مخصوص اسمه (الحقائق) وإذا كان الكلام عن المعاني الباطنة للنصوص القرآنية والنبوية وتأويلها حسب الخلفية الروحية كان هذا تحت مظلة مخصوصة اسمها (الأسرار)، وأما إن كان حول الكرامات والأحوال التي تعتري الصوفي ونتائج العبادات والمجاهدات كان تحت مسمى (الأحوال أو الواردات)، وإن كان عن الحب والتعلق بالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وتهييج العواطف نحو مصدر الصفاء والخير والسلام كانت تحت مسمى (الوجدانيات أو مقامات الحب).
رفض العنف وقبول الآخر دعا لهما الخطاب الصوفي
من هنا أكد الباحث حمزة شريف على أن احترام مثل هذا التقسيم الموضوعاتي قد يزيل الكثير من الضبابية حول جدلية اختراق النص الصوفي لبعض المحظورات المترسخة في تدين بعض الأفراد في المجتمع فيحكمون على الخطاب الصوفي من خارج سياقه لا من المبادئ التي انطلق منها، واليوم نجد أن الخطاب الصوفي حظي باهتمام كبير من طرف شرائح مختلفة بسبب ظهور بعض ثمرات الأسس التي دعا إليها كخطاب الحب والسلام ورفض العنف وقبول الآخر والنزعة العالمية والروح الإنسانية، وفي حدّ علمي لم أقف على من عالج قضية التخصص في التأليف الصوفية نظرية وتطبيقا كالشيخ العارف محمد الزبير حساني حفظه الله، حيث له جهود ضخمة في التأسيس لحرمة التخصص في موضوعات ومفاهيم التصوف، حيث وضع في مؤلفاته ودروسه حدودا دقيقة بين كل علم وعلم فيما يخص المعرفة الصوفية بفروعها الكثيرة وأذكر من ذلك علم التعلق وعلم أسرار الشمائل وعلم والكمالات المحمدية وغيرها.
واقع الكتاب الصوفي يرتبط بالقارئ أيضا
وبالنسبة لإشكالية الأدب الصوفي يقول محدثنا فهي تتطلب الاهتمام بثلاث مباحث وهي ضرورة مراعاة شؤون التجربة الروحية الصوفية ثم تحديد ماهية الموضوع الذي يدور حوله الكلام سواء كان ذلك الخطاب الصوفي أدبيا أو غير أدبي ثم الانطلاق من مزايا طبيعة الخطاب الصوفي الرمزي. إن هذه المباحث من شأنها توضيح الكثير من معالم إشكالية الكتاب المتخصص في التصوف والفلسفة وكأنها تختصر الطريق على الباحث أو المتلقي بكل أنواعه للوصول إلى صورة واضحة عن طبيعة الكتاب الذي يقرأه أو الموضوع الذي يبحث فيه في مجال التصوف بل حتى الصوفي إذا أراد التأليف.
واقع الكتاب الصوفي مرهون بواقع القارئ
ويضيف «أن واقع الكتاب الصوفي يتضح من خلال واقع القارئ لذلك الكتاب، فاليوم إن أردنا أن نستعرض هذا الواقع لابد من تسليط الضوء على حال القارئ له، حيث نجد نوعا من التلقي للكتاب الصوفي يتمثل في شريحة تعتقد وتتبنى التصوف فكرا وسلوكا ومنهجا للحياة، وهناك متلق يتمثل في الرافضين للتصوف بجملته فكرا وتطبيقا ويعتبرونه مظهرا متخلفا وعقيدة خاطئة وأن أصحاب التصوف على ضلالة، وبين هذا وذاك يقف قارئ آخر لا يتبنى أي التوجهين»، وإنما يقول «هو يعتبر الكتب الصوفية مصدرا لتوسعة الثقافة الشخصية وزيادة معرفة وأنه خطاب عالمي يمكن الاستفادة منه بغض الطرف عن ضرورة تبني تجربته».
فالمتلقي المتشرب - حسبه - للتصوف فكرا ومنهجا لا شك أنه الأقرب لفهم الخطاب الصوفي كونه ينطلق في عملية القراءة من عمق التجربة الصوفية ويحكم على الخطاب من داخله ويخبر المقدمات التي ينطلق منها والدوافع من إنتاج النص الصوفي، فهو حين يقرأ الكتاب يكون مدركا للخلفية القابعة وراء تأليفه ويستشرف الغاية المستهدفة منه فهو ذلك المتلقي القريب من غايات الكتابة الصوفية التي بنى عليها المؤلف كتابه، أما النوع الثاني فهو ذلك المتلقي الذي يحكم على النص من خارجه وحين نقول خارجه لا نقصد خروج ذات الباحث عن موضوع البحث فيظن القارئ أني أقصد توفر الموضوعية في هذا التلقي، وإنما المقصود هو الحكم على ذلك الكتاب (الخطاب الصوفي) من خارج سياقاته ومحاولة إخضاعه لتصورات وضوابط خارجة عنه بدعوى التشريع أو العقيدة. وهذا المتلقي هو يبني عملية القراءة على أساس الإنكار والنقد الهدام الذي يستهدف نقض الفكرة مهما كانت متوفرة على المصداقية ولا شك أنها عملية تلقي جدا بعيدة عن إنصاف الفكرة المعالجة في الكتاب الصوفي ومحاولة طمس الإيجابيات واختلاق السلبيات إن لم توجد، أما النوع الثالث فهو القارئ الذي يحكم على الخطاب الصوفي من زاوية الموضوع واللغة فقط؛ أي أنه يفتقد عنصر التجربة الذي هو أساس وشرط لفهم عمق النص الصوفي وهذا النوع من التلقي أقرب من الثاني لعمق المعاني الصوفية والدلالات الرمزية فهو يقرأ الكتب الصوفية من خلفيات مختلفة وقد يستعين بآلية التأويل التي تمكنه من إبداع مقاربات للنص الصوفي تتسع ولكنها تقف عند حدود المعنى المراد من التأليف ثم لا تصل له كاملا تاما بل تنال منه بعض الجزئيات لأن الأساس فيه هو التجربة الصوفية الناجحة.
غياب أهل الاختصاص
أما فيما يخص دراسات التصوف بمنظور فلسفي والبحوث في هذا المجال على مستوى الجزائر فيرى الباحث حمزة شريف، أن الملاحظة الأولى أنه صار من اهتمامات الباحثين الأدبيين أكثر من أهل اختصاص الفلسفة هذا يلاحظه أدنى متتبع للدراسات في مجال التصوف؛ لأنه صار البحث فيه من زاوية جماليات خطابه وأدبية الكتب المؤلف فيه، هذا من جانب ومن جانب آخر لا ننفي وجود دراسات فلسفية في هذا الجانب ولكنها تبقى دائما تنطلق من خارج النص الصوفي لقراءة النص الصوفي، وفي هذا الصدد أود طرح قضية مهمة جدا تتعلق بقضية المصطلح الصوفي سواء كان بحثا فلسفيا أو أدبيا؛ لأنها سبب في وقوع الباحث في شباك الفضفضة غير الدقيقة والخروج بالنص عن سياقه الداخلي والخارجي، فمن لم يقف على مفهوم كل مصطلح صوفي وتعريفات أهل الشأن للعبارات المشكلة في الخطاب الصوفي فإنه سوف يدرسه دراسة فيها غلط منهجي ومعلوماتي، فمثلا نجد بعض الدارسين حين يريدون التعامل مع رمز المرأة في الخطاب الصوفي يتم تأويله على أنه دلالة على الذات وهذا لمن له أدنى دراية بحقيقة مفهوم الذات عند الصوفية يتفطن للغلط الكبير في ذلك وإنما هو رمز يدل على تجل ذاتي لا الذات، وقس على هذا المنوال، إذا إشكالية المصطلح من الإشكاليات الشائكة التي يجب على الدارسين في مجال التصوف والفلسفة في الجزائر أن يهتموا بقيمتها، فالتصوف ليس مجال متاح لكل وارد عليه حاكما على أسسه إن لم يكن متسلحا بجهاز مفاهيمي صحيح وآليات مصطلحية دقيقة.