المايسترو الشاب لطفي سعيدي، قائد الأوركسترا السيمفونية لأوبرا الجزائر، من مواليد 1983، خرّيج المعهد الجهوي للتكوين الموسيقي بالجزائر، صاحب الجائزة الثالثة «علي معاشي» للمبدعين الشباب سنة 2012. قاد أوركسترا طلبة المعهد الجهوي للموسيقى، المعهد الذي يعمل فيه أستاذا، وأوركسترا طلبة المعهد الوطني العالي للموسيقى، ثمّ أُسندت إليه قيادة الأوركسترا في افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية. رغم انشغاله بتدريبات سهرة الافتتاح، قبِل لطفي سعيدي أن يخصّنا بهذا الحوار، الذي حثّ فيه الشباب على تعلّم قيادة الأوركسترا، لتغطية العجز الحاصل، واعتبر أن الموسيقى السيمفونية كسبت التحدّي وافتكّت مكانتها لدى الجمهور الجزائري.
- الشعب: بعد دراستك للموسيقى تخصّصت في قيادة الأوركسترا وتابعت دورات تكوينية بالخارج،كيف ترى مهمّة قيادة الأوركسترا؟ وما مدى صعوبة الوصول إلى هذه الدرجة؟
لطفي سعيدي: يجب القول إنّ تخصّص قيادة الأوركسترا في الجزائر يعرف فراغا ونقصا كبيرين، ولم يكن يوجد سوى قائد أوركسترا واحد، وأنا أرى بأنّه يجب أن يكون لدينا أقسام لقيادة الأوركسترا لأنه بالرغم من وجود من يريد تعلم هذا التخصص فإنّ الأقسام غير موجودة. أنا شخصيا أضطرّ إلى السفر إلى الخارج من أجل القيام بتربصات ودورات تكوينية، لذلك يجب أن يكون بالجزائر دورات تكوينية في مجال قيادة الأوركسترا.
إضافة إلى ذلك، يمكن القول إن قيادة الأوركسترا صعبة جدا، وهي ليست بالأمر الهيّـن، خاصة وأنّ قائد الأوركسترا عليه تسيير ما يفوق 60 عازفا، وهو ما يتطلب تركيزا وتمكّنا كبيرا.
- هل تملك الجزائر ما يكفي من قادة الأوركسترا؟ وما الذي ينبغي فعله لتصحيح هذا الخلل؟
لا يوجد قادة أوركسترا في الجزائر، ويجب على الجهات الوصية والقائمين على الثقافة أن تجد حلّا لهذه المعضلة..وكما سبق وأن قلت، أنا شخصيا أضطرّ إلى السفر إلى الخارج للتكوين. وهذا راجع إلى غياب قادة الأوركسترا عندنا.
- كنت على رأس الأوركسترا السيمفونية في افتتاح مهرجان الموسيقى السيمفونية..أين يمكن أن نصنّف الموسيقي الجزائري مقارنة بالمدارس الموسيقية في العالم؟
مستوى الموسيقيين الجزائريين لا بأس به، ولكننا ما نزال نفتقر للإمكانيات اللازمة التي تمكّن الموسيقي من أن يكون محترفا بأتمّ ما للكلمة من معنى، كأن يكون الموسيقي مرسّما في منصب عمل دائم، حتى يتمكّن من التفرّغ لعمله والقيام به على أكمل وجه.
- كيف ترى جمهور الموسيقى الكلاسيكية عندنا؟ وهل يمكن القول بأنّه عرف تطوّرا في السّنوات العشر الأخيرة؟
إ لقد عرف الجمهور تطورا كبيرا..أذكر أنّنا كنا ندخل القاعة سنة 2002 فنجد فيها 10 إلى 20 شخصا على أقصى تقدير، أما الآن، فقد جبنا جميع أنحاء الوطن رفقة ما كان يعرف بالأوركسترا السيمفونية الوطنية، وعزفنا في 47 ولاية ولم يتبقّ سوى ولاية تندوف، ومنذ أن انطلقت الطبعة الأولى من المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية سنة 2009، بدأت الموسيقى الكلاسيكية تعرف إقبالا كبيرا، وأعتقد أن الفضل يعود بجزء كبير للأستاذ عبد القادر بوعزارة، الذي ضحّى من أجل أن تكون هناك أوركسترا سيمفونية جزائرية.
- هذا يقودنا إلى الحديث عن مكانة الموسيقى الكلاسيكية..هل نجحت في الحصول على مكانة هامة داخل المجتمع الجزائري؟
من المؤكّد أنّ الموسيقى الكلاسيكية تمكّنت من الحصول على مكانة كبيرة، ولعلّ خير دليل على ذلك هو سهرة افتتاح المهرجان الدولي للموسيقى السيمفونية التي تشهد في كلّ مرة إقبالا جليّا من الجماهير المحبّة لهذه الموسيقى. الجمهور يبحث عن برنامج التظاهرة ويشتري تذاكره، وهو أمر يثلج الصدر، أعتقد أنه، بفضل هذه الأمور، يمكننا القول إن الموسيقى السيمفونية حقّقت نجاحا في الجزائر، ولعلّ من بين الأسباب التي ساعدت على هذا النجاح نذكر مختلف طبعات المهرجان التي ساعدت على التعريف بهذه الموسيقى.
- كثيرا ما توجّه المعاهد الموسيقية عبر الوطن الدّعوة إلى الشباب والطّلبة من أجل الالتحاق بها..ولكن ما مدى امتصاصها سوق العمل لخرّيجي المعهد؟ وهل تهدّد هذه الإشكالية تواصل إقبال الطلبة على دراسة الموسيقى مستقبلا؟
إ إنّ المعهد الوطني العالي للموسيقى والمعاهد الجهوية تقوم بعمل كبير، والطلبة يلتحقون بقوّة بهذه المعاهد ويزاولون دراستهم فيها، ولمّا يتخرّجون فإن من يملك المستوى المطلوب منهم سيكون في الأوركسترا، ومن لا يملك المستوى فطبيعي أن لا يُقبل. وبصراحة أقول إن خرّيجي الموسيقى يمكن لهم أن يجدوا فرص عمل ولكن بصعوبة، ويجب أن يكون لديهم مستوى جيدا ليتمكّنوا من ذلك.
- ماذا عن التّربية الفنية في المدرسة؟ وهل نملك استراتيجية لاكتشاف المواهب الموسيقية في المراحل العمرية الأولى؟
أعتقد أنّ التربية الموسيقية خصوصا، والفنية عموما، وكذا التربية البدنية، يجب أن تكون في المراحل الابتدائية من التعليم، لأن السنّ المتقدّمة هي الأنسب لاكتشاف الموهبة، وقد حدث وأن اكتشفتُ العديد من الأطفال الذين يمتلكون مواهب كبيرة ونضجا موسيقيا، كما أنهم يحبّون الموسيقى وهذا أمر مهمّ..بالتالي يمكن القول إن هذه الطريقة ستسمح لنا باكتشاف العديد من المواهب الشابة في الجزائر.
- بماذا تنصح الشباب الذين يريدون أن يقتدوا بك ويحلمون بأن يصيروا بدورهم قادة أوركسترا؟
في البداية أودّ أن أتحدّث عن الموسيقى بشكل عامّ، وأن أنصح بقوّة الشباب الراغبين في تعلّم الموسيقى وممارستها بأن يكون هذا خيارهم، وهو أفضل لهم من الذهاب في طريق قد تكون سيئة وغير محمودة العواقب، فالموسيقى قد تنقذ كثيرين من الانحراف.
كما أنّني أشجّع طلبة الموسيقى على دراسة قيادة الأوركسترا، خاصة بسبب العجز والنقص الذي نعرفه في هذا التخصص..أشجّعهم فعلا على ذلك، ولمَ لا نكون 20، 30 أو حتى 50 قائد أوركسترا؟ حتى نتعاون معا ونعمل جميعا على تشريف الجزائر، وحتى نوفّر الخيارات في مثل هذه التظاهرات الدولية.