لا يمكن الإنكار بأن الفن السابع في الجزائر، بات يخطو خطوات جادّة نحو الأمام، لا سيما في المحافل الدولية التي تشهد تفوّقا ملحوظا للسينما الجزائرية، من خلال المهرجانات العربية والأوروبية التي لا تتوانى في كل مرة الإعلان عن فوز فيلم جزائري بالجائزة الكبرى، خصوصا خلال السنوات الأخيرة، أين أصبحت السينما الجزائرية تنافس مختلف الأعمال الدرامية وفي عقر دارها.
الفن السابع الجزائري اليوم بات يُحسب له ألف حساب خارج دياره، لن نقول بأن الجزائر أصبحت تعتمد اليوم على صناعة سينمائية ذات جودة وكفاءة عاليتين، إلا أنها على الأقل تعمل على تخطي الأزمات التي كانت تتخبط فيها فيما مضى، في ظل ضعف النصوص وغياب الاحترافية ونقص التكوين، وهو ما جعل هذا القطاع يكاد يتذيل سلم الترتيب السينمائي على المستوى الدولي، حتى أنه فقد ثقة جمهوره في الجزائر، والدليل على ذلك قاعات سينما مجالسها خاوية، إلا من القلة القليلة والذين قد يُحسبون على أصحاب العمل السينمائي.
تألّق في المحافل الدّولية
فالسينما الجزائرية تسجّل حضورا قويا في مختلف اللقاءات الدولية، فإن لم تفتك جائزة فهي قد تحظى بالتنويه والتشجيع، كما أن هذا الحضور يفتح لأصحاب العمل الفني فرصة الالتقاء مع فنانين من مختلف جهات العالم لتبادل الخبرات واكتساب المعارف التي تسهم في النهوض بالفن السابع في الجزائر أكثر، عله يستعيد ثقة جمهوره الذي حول أنظاره نحو السينما الهوليودية وحتى البوليودية.
فمنذ أيام قليلة فقط رُفعت الراية السينمائية الجزائرية عاليا في سماء مصر، من خلال مهرجان «الجونة» السينمائي، والذي قبيل إسدال الستار عليه أعلن عن الفائزين بجوائزه، لتكون الجزائر من بين المتوجين في مجال الأفلام الروائية الطويلة، من خلال فيلم «بابيشا» لمونية مدور الذي تحصّل على جائزة نجمة «الجونة» لأفضل فيلم عربي، حيث تعود من خلاله المخرجة إلى سنوات العشرية السوداء التي تكبدتها الجزائر في سنوات التسعينيات، إلى جانب نجمة «الجونة الفضية» والتي عادت للفيلم الوثائقي الطويل «143 طريق الصحراء» لمخرجه حسن فرحاني، والذي فاز أيضا بجائزة أفضل مخرج صاعد في مهرجان لوكارنو السينمائي العالمي في قسم «سينمائيو الحاضر»، مع العلم أن هذه الجوائز أفتكت وسط مشاركة قوية لأحدث الانتاجات العربية والعالمية.
هذه السنة عرفت أيضا تتويج الممثلة السينمائية المتألقة في مسلسل أولاد حلال «مليكة بلباي» بجائزة أحسن دور نسوي خلال المهرجان المغاربي الثامن للفيلم بمدينة وجدة المغربية، عن دورها في الفيلم الروائي المطول «عرفان» للمخرج سليم حمدي، إلى جانب تتويج الممثل السينمائي «يوسف سحيري» بجائزة أفضل ممثل في ختام فعاليات مهرجان مكناس الدولي للفيلم العربي، عن دوره في فيلم «دم الذئاب» للمخرج عمار سي فضيل.
فنّانون يصنعون التّميّز
كما تألّق فيلم «إسلام طفولتي» للمخرجة نادية زواوي وتتوجيها بالجائزة الكبرى في المهرجان الدولي للفيلم الأمازيغي بالمغرب، إلى جانب فيلم «تين أفريل» للمخرج نادر دندون الذي تحصل على جائزة لجنة التحكيم في فئة الفيلم الطويل بنفس المهرجان.
وعرف فيلم «إلى آخر الزمان» لياسمين شويخ عديد التتويجات على المستوى الوطني والدولي، وعلى رأسها الجائزة الكبرى «الخنجر الذهبي» في الطبعة العاشرة لمهرجان مسقط الدولي للفيلم السينمائي بسلطنة عمان، بالإضافة إلى جائزة النقد وجائزة أحسن ممثل التي افتكها الفنان جيلالي بوجمعة، إضافة إلى تنويه لجنة التحكيم بالفيلم القصير «وعدتك» للمخرج محمد يرقي.
إلى جانب ذلك، نال العديد من المخرجين والفنانين الجزائريين تكريما خاصا في بعض المحافل الدولية نظير أعمالهم الفنية، على غرار تكريم الممثل القدير سيد احمد اقومي في الطبعة الأولى للمهرجان الدولي للفيلم العربي بمكناس، والفنانة الكبيرة شافية بودراع بمهرجان مسقط الدولي للفيلم السينمائي.
هي مجرد أمثلة فقط عن أفلام وأسماء جزائرية تألقت في المحافل الدولية، حيث لا يسع المقام للحديث عنها كلها، وما هو إلا دليل على أن السينما الجزائرية تحدث في الوقت الراهن انتفاضة فنية، وبدأت تكسّر عنها حاجز التقوقع في المهرجانات المغمورة، لتنطلق نحو التظاهرات العالمية وتنافس كبرى الانتاجات الفنية، في انتظار صحوة حقيقية تقود إلى صناعة سينمائية جزائرية بأتم معنى الكلمة.
في انتظار المدينة السّينمائية
قد تحتاج صناعة سينمائية في الجزائر إلى تضافر جهود جميع الفاعلين في القطاع الثقافي والحقل السينمائي بداية من المخرج والمنتج والممثل إلى المسؤول الأول عن القطاع، وقد تكون أول خطوة لصناعة سينمائية حقيقية، هو تجسيد المدينة السينمائية على أرض الواقع، والتي أعلن عن تدشين جزء هام منها منذ 3 سنوات، إلا أنها بقيت مجرد كلام.
مع العلم «مدينة السينما» يتم إنشاؤها بالجزائر العاصمة ببلدية «العاشور»، حيث يشرف عليها المركز الجزائري لتطوير السينما، وهي عبارة عن قرية يمكن استخدامها في تصوير الأفلام السينمائية والتلفزيونية وحتى الأشرطة، كما أكده وزير الثقافة الأسبق عز الدين ميهوبي، والذي قال بها بأنها ستكون أكبر مدينة سينمائية في منطقة البحر المتوسط، إلا أنها إلى يومنا هذا لم تر النور، في انتظار من يجسده حقيقة على أرض الواقع خدمة للفن السابع في الجزائر.