يبرز دور التكوين المتواصل داخل النسيج الاقتصادي بكافة فروعه في الرفع من مستوى أداء المؤسسة الإنتاجية في ظلّ المنافسة التي يلعب فيها المورد البشري المتحكم في معايير العمل وظيفة حاسمة، خاصة مع التغيّر العميق الذي تفرضه تقلبات أسعار المحروقات بما يفرض حتما الزيادة من وتيرة بناء اقتصاد بديل ومتنوّع بمشاركة كافة المؤسسات والمتعاملين المحليين، من أجل تعزيز مركز المؤسسة في السوق.
وتستمد الموارد البشرية قوتها من خلال مدى مرافقتها بمسارات للتكوين المتواصل وإعادة التأهيل بما يضمن لها مواكبة التحولات التي تعرفها البيئة الاقتصادية والتطوّر السريع في التكنولوجيات ذات الصلة. ويشمل التكوين كافة الفئات والأصناف في عالم الشغل.
ويتميّز التكوين بأبعاده الاقتصادية وانعكاساته بالتأثير مباشرة على وتيرة نمو المؤسسة من كونه إضافة لتأثيره الإيجابي على صيرورة المؤسسة فإنه يعد في الأساس عنصر ابتكار ومولد للنمو، ولذلك فإن قابلية المؤسسة بمختلف إحجامها للديمومة مرهون أيضا بالتزامها بمسار للتكوين لا يقل أهمية عن مسارات تجديد وعصرنة وسائل الإنتاج والحصول على التمويلات المختلفة.
من هذا المنطلق، يجمع المختصون على أن المؤسسة الاقتصادية بالأخص، مضطرة في الظرف الراهن - وهي حتمية منطقية لضمان التواجد في السوق بمختلف الصيغ كمتعامل للانجاز أو الإنتاج أو التسويق - للعمل وفقا لمنظومة تكوين تتكفل بالموارد البشرية من خلال الحرص على رصد التوقعات بالنظر للكفاءات التي تتوفر عليها أو تحتاج إليها وتطوير مسار التكوين المتواصل للعمال ضمن الأهداف المسطرة في ورقة طريق إستراتيجية المؤسسة.
وينصبّ التكوين وفقا لمختلف المهن والاختصاصات على الجوانب التي تدخل في آليات الإنتاج من حيث السعي إلى تطوير عناصر المنافسة من خلال ترقية الجودة للمنتوج سلعة كانت أو الخدمة وكذا التحكم في جوانب تقليص أعباء الكلفة الإنتاج وفقا لمعادلة الإنتاجية التي يلعب فيها المورد البشري الدور الأول. ولذلك يوضّح الخبراء بأن الهدف المركزي من وراء التكوين المتواصل والحديث يكمن في التأكد باستمرار من حجم وقوة تنمية الحرف والكفاءات في ظلّ تحديات تفرضها وبشكل مستمر التحولات الاقتصادية والتغيرات التي تعرفها السوق، خاصة جراء اتساع نطاق استعمال التكنولوجيات الحديثة في الدورة الإنتاجية.
وعليه، كلما تحقق الرفع من مستوى تكوين العنصر البشري نحو احترافية أكثر وتحكم في الدورة الإنتاجية كلما تحقّقت نتائج ملموسة وذات قيمة مضافة على مستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويقصد بالعنصر البشري مجموع المعارف والكفاءات والمهارات التي يستخدمها العامل في دواليب الإنتاج كما توصّل إليه المختصون في هذا المجال. وبالفعل أصبح التكوين المتواصل استجابة لمتطلبات المنافسة وإعادة توزيع الموارد البشرية للمؤسسة، ضرورة يحقق أيضا ترقية المسار المهني للعمال انطلاقا من قاعدة أن هذا التكوين حافز للمؤسسة وعمّالها الذين يحصلون باستمرار على كفاءات ومهارات تتوافق مع تغيّرات السوق.
ويستلزم هذا، اعتماد المؤسسة الاقتصادية الطامحة لمواجهة المنافسة مخطط للتكوين يرافق العمال إلى بلوغ مستويات عالية من التأهيل ولذلك يعتبر الخبراء في عالم التكوين هذا المخطط بمثابة ورقة طريق تعكس كافة نشاطات التكوين المطابقة لطبيعة نشاطات المؤسسة الاقتصادية. وتوفر نشاطات ورقة الطريق إمكانية الحصول على كفاءة بدرجة متقدّمة تنمّي المهنة أو الوظيفة أو التزود بمهارة تدخل في الترقية أو تساعد على التكيّف مع وظيفة أخرى ضمن إعادة انتشار الموارد البشرية بسبب تغير متطلبات السوق نتيجة لشدة المنافسة.
وفي هذا الإطار، يعد أمرا حتميا عند تحديث أدوات الإنتاج وعصرنة التجهيزات أن ترافق العملية الاستثمارية المادية ببرامج للتكوين والتأهيل المهني داخل المؤسسة بما يدفع بالخبرة والتجربة إلى الأمام فينعكس ذلك مباشرة على جانب الإنتاجية والتحسين المستمر للجودة، وبالتالي التمتّع بقدرة المنافسة في السوق. ويجمع أهل الاختصاص على أن التكوين يصبّ في تدعيم قاعدة التحسين للداء المهني، بحيث يقود حتما إلى تحسين نوعية العمل وتنمية المنتوج أو الخدمة وكذا ترقية مستوى المعارف لدى العمال بكافة مستوياتهم.
وفي ضوء هذا التوجّه الذي يعتبر في اقتصاديات البلدان المتقدمة خاصة الصناعية ركيزة في بناء اقتصاد المعرفة التنافسي أحد جوانب الاستثمارات، خاصة مع التطور التكنولوجي المتسارع بحكم الاقتصاد الرقمي. ولعلّ أبرز فوائد التكوين داخل المؤسسة ولصالحها تحصينها من فقدان الكفاءات أو قلتها أمام محيط منافس وغير متسامح في ظلّ معركة الأسواق. ولذلك يعتبر اختيار زمن التكوين والمستفيدون منه ومناهجه أول ما يجب أن تضبطه المؤسسة من أجل تثمين الموارد التي تتطلبها العملية والتأكد من عودتها في شكل نمو حقيقي من خلال تحسين جودة السلعة أو الخدمة وتقليص كلفتها.